كانت الأشهر القليلة الماضية حافلة بأخبار التلسكوبات المثيرة بالتأكيد. نشرت المؤسسة الوطنية للعلوم (NSF) مؤخراً صوراً جديدة رائعة لسطح الشمس التقطها تلسكوب دانيال إينوي الشمسي- "دكيست" (DKIST) اختصاراً- الموجود في هاواي. تُظهر الصور ما يُعرف بجوّ الشمس أو الكروموسفير، وهو الطبقة الوسطى من الغلاف الجوي للشمس، والذي يمكن أن تصل درجة الحرارة فيه إلى أكثر من 7 آلاف درجة مئوية. تشبه الصور إلى حد ما الزهور الصفراء الزاهية في لوحة الرسام الهولندي فنسنت فان جوخ الشهيرة "عباد الشمس".
تتدفق خيوط البلازما النارية إلى الهالة، أعلى طبقة من الغلاف الجوي من الشمس، في نمط مسامي الشكل. تقع طبقة الكروموسفير الشمسية تحت الهالة مباشرةً، حيث لا يمكن رؤيتها عادة إلا خلال الكسوف الشمسي الكلي. لكن التقنيات الجديدة، مثل تلسكوب دكيست الشمسي، غيّرت ذلك.
تُدعى الفقاعات المنتفخة التي تظهر في الصور بالحبيبات، ويبلغ عرض الفقاعة الواحدة منها 1600 كم تقريباً. وتظهر كل صورة من هذه الصور منطقة يبلغ عرضها نحو 82 ألف كيلومتر، وهي جزء صغير جداً من قطر الشمس الكلي.
اقرأ أيضاً: المسبار الشمسي باركر من ناسا يحطِّم رقمين قياسيين تاريخيين في طريقه نحو الشمس
صور طبقة الكرموسفير
التُقطت الصور في 3 يونيو/ حزيران، ونُشرت هذا الأسبوع للعموم. سُمّي تلسكوب دكيست على اسم سيناتور هاواي الراحل "دانيال إينوي"، ويُعتبر حالياً أكبر تلسكوب شمسي في العالم. يبلغ عرض مرآة التلسكوب 4 أمتار، وبُني على قمة جبل وبركان هاليكالا (أو بيت الشمس) في جزيرة ماوي. يقوم التلسكوب بدراسة سلوك الانفجارات الشمسية ومراقبة المجال المغناطيسي للشمس، وسيساعد العلماء أيضاً على التنبؤ والاستعداد للعواصف الشمسية أو ما يُعرف بالانبعاثات الكتلية الإكليلية. ترسل هذه الانبعاثات بلازما ساخنة من هالة الشمس نحو الأرض وتؤثر على الكهرباء واتصالات الإنترنت. يُعتبر التلسكوب جزءاً من المرصد الوطني للطاقة الشمسية التابع لمؤسسة العلوم الوطنية الأميركية.
يقول رئيس رابطة الجامعات لأبحاث علم الفلك (AURA)، مات ماونتن، في بيان صحفي: «مع دخول أكبر تلسكوب شمسي إلى مجال البحث العلمي، نعبّر عن امتناننا لكل من ساهم في إنجاز هذا المرفق الرائع. وأود أن أشكر على وجه الخصوص سكان هاواي على السماح بإقامة التلسكوب في هذا المكان المميز، وأشكر المؤسسة الوطنية للعلوم والكونغرس الأميركي لدعمهم المستمر، وفريق تلسكوب دكيست الشمسي الذي عمل العديد منهم لأكثر من عقد من الزمن بلا كلل لإنجاز هذا المشروع الرائد. لقد بدأت الآن حقبة جديدة من علوم الفيزياء الشمسية».
اقرأ أيضاً: لماذا لم تنطفئ الشمس بعد؟
مع ذلك، أثار التلسكوب بعض الجدل بالنظر إلى تشييده في بقعة مقدسة بالنسبة لسكان هاواي الأصليين. يُنظر إلى قمم الجبال، مثل القمة التي أقيم عليها التلسكوب، على أنها "عوالم للآلهة" أو "واو أكوا" بلغة السكان الأصليين، ويُقصد بذلك الأماكن التي عاشت فيها الآلهة وأنصاف الآلهة على الأرض. لا تزال هذه الأماكن مقدسة وموضع احترام، حيث يزورها العديد من سكان هاواي الأصليين للاحتفاء بأجدادهم وممارسة الطقوس الروحية الأخرى.
في مقابلة مع مجلة "ساينس" عام 2017، قال مدرس لغة هاواي الأصلية في كلية جامعة هاواي ماوي في كاهولوي ومتزعم حملة معارضة إقامة التلسكوب، كاليكوا كايو: «بصفتنا شعباً لنا عاداتنا وتقاليدنا الخاصة، ليس لدينا سيطرة على بعض مساحاتنا المقدسة. يقولون إنها ثقافة هاواي مقابل العلم. ولكني أقول إنها ثقافة هاواي مقابل تفوق البيض».
بدأ القائمون على التلسكوب، بعد الاحتجاجات على إنشاء التلسكوب في عامي 2015 و2017، بالاجتماع مع مجموعات عمل من سكان هاواي الأصليين، وقد تم منحهم مزيداً من السلطة على الموقع. وبالإضافة إلى ذلك، لا تزال قمة الجبل مفتوحة أمام سكان هاواي الأصليين أيضاً، كما تمت إضافة مادة جديدة تركز على الشمس إلى منهج المدرسة المتوسطة في جزيرة ماوي تسلط الضوء على تاريخ هاواي الطويل في علوم الفلك.