جعلت التلسكوبات الفضائية مثل كيبلر، والتلسكوب «تي إي إس إس» من عملية البحث عن الكواكب الخارجية (أي خارج مجموعتنا الشمسية) مسعاً صناعياً. فأعينها الميكانيكية تراقب آلاف النجوم في الوقت نفسه، وكفاءتها البرمجية تساعد في البحث في أكوام من البيانات، حيث تبرز البيانات الواعدة منها فقط للباحثين ليقوموا بدورهم في دراستها.
أحدثت طريقة عمل التلسكوبات الفضائية الحديثة ثورة في علوم الفضاء مشابهة لتلك التي أحدثتها طريقة خط التجميع في مجال الصناعة. حالياً، بعد 28 سنة من اكتشاف أول كوكب خارجي، أصبح عدد الكواكب الخارجية التي اكتشفتها وكالة ناسا يتجاوز الـ 4000 كوكبا موزعاً على أكثر من 3000 نظام نجمي.
«ساندرا جيفرز»، هي باحثة في معهد الفيزياء الفلكية في جامعة «جوتينجن» في ألمانيا، وعضوة في فريق يتخّذ مقاربة أكثر تفصيلاً في البحث عن الكواكب الخارجية. يدرس أعضاء هذا الفريق النجوم القريبة من شمسنا واحداً تلو الآخر؛ باحثين عن كواكب قد تستحق الدراسة بشكلٍ مباشر يوماً ما.
اليوم، كشفت تحليلات طويلة لبيانات استغرق جمعها عقوداً من الزمن، إحدى أكثر النتائج تبشيراً لحد الآن، وهي مجموعة من كوكبين أو ثلاثة كواكب خارجية تُعتبر «أراض فائقة»، وهي الكواكب التي تفوق أحجامها حجم الأرض، ولا تتجاوز حجمها كواكب مثل المشتري وزحل. تدور هذه الكواكب حول قزم أحمر ساطع مستقر، ويبعد عن الأرض 11 سنة ضوئية. نُشرت النتائج في 26 يونيوم حزيران 2020 في مجلة ساينس.
بشكل عام، ومن خلال البيانات؛ يصعب على الفلكيين استنتاج معلومات عن أي كوكب خارجي بخلاف مداره وحجمه، لكن المميزات الخاصة التي يتّسم فيها النظام النجمي «جليز 887» -نسباً للنجم الواقع في مركزه الذي تنتمي إليه الكواكب السابق ذكرها- قد تسمح للتلسكوبات المستقبلية بأن تجمع معلومات عن الغازات التي تحيط بهذه الكواكب، مما يساعد الباحثين في تعلّم المزيد عن مناخها.
تقود جيفرز مشروعاً تعاونياً يدعى «ريد دوتس» يختص بدراسة نجوم لا يزيد بعدها عن 16 سنة ضوئية من شمسنا. معظم هذه النجوم هي أقزام حمراء خافتة (ومن هنا يأتي اسم المشروع: ريد دوتس، أي نقاط حمراء).
وعلى مدار عدة سنوات؛ دعت جيفرز علماء الفلك الذين يرجح امتلاكهم سجلات حول عمليات رصد متعلقة بنجوم قريبة من الشمس للتعاون. وتمكنت في النهاية من تجميع كتلة من البيانات حول نظام جليز 887، تمثل 20 سنة من الأبحاث التي أُنجزت على يد أكثر من 24 باحثاً باستخدام حفنة من التلسكوبات.
لاحظ فريق مشروع ريد دوتس في 2017 علامات في البيانات تلمّح بوجود كواكب في نظام جليز 887. لكن الأرصاد كانت غير حاسمة. وفي خريف سنة 2018، عاد الفريق لرصد هذا النظام بشكل يومي لمدة تقارب 3 أشهر في تشيلي باستخدام آلة تدعى اختصارا «هاربس».
باستخدام هاربس، تمكن الفريق من ملاحظة «ارتعاش» الضوء القادم من النجم جليز 887. وبشكل خاص، فهو يفعل ذلك كل 9 و 22 يوماً. وهي إشارات لا شك فيها لوجود كوكبين قريبين منه. استنتج الفريق بعد ذلك أن هذين الكوكبين لا بد أن يزنا 4 و 7 أضعاف وزن الأرض على الترتيب.
يدور كل من هذين الكوكبين حول جليز 887 على مسافة لا تسمح بتشكل الماء عليهما في الغالب. لكن لاحظ فريق المشروع علامة أولية أخرى تشير لوجود كوكب ثالث يكمل دورة واحدة داخل المنطقة معتدلة درجة الحرارة حول نفس النجم كل 50 يوم.
عاد أعضاء فريق مشروع ريد دوتس بعد ذلك لإكمال شهرين إضافيين من الرصد، لذا سيوفر ذلك بيانات كافية لإثبات أو دحض وجد الكوكب الثالث.
على الرغم من أن الكوكبين المؤكد وجودهما أحرّ من أن يسمحا بتشكل الحياة عليهما، إلا أن نظام جليز 887 هو نظام واعد رصدياً للغاية.
بالإضافة إلى أن النجم جليز 887 يبعد 11 سنة ضوئية فقط عن نظامنا الشمسي، فإنه نجم هادئ بشكلٍ غير اعتيادي. وعلى عكس أقرانه من الأقزام الحمر، فيحتوي هذا النجم على عدد قليل من البقع الشمسية، كما أنه نادراً ما يصدر الألسنة الشمسية، مما يجعله هدفاً مثالياً للرصد من ناحية عملية (لأن سطوعه لا يحجب الرؤية عن الكواكب التي تدور حوله)، ومن ناحية علمية (لأنه من غير المرجح أن يسلب كواكبه أغلفتها الجوية عن طريق الألسنة الشمسية).
لا يستطيع الباحثون استنتاج كل شيء عن الأغلفة الجوية للكواكب الخارجية باستخدام التلسكوبات الحالية. وذلك لأن هذه الكواكب لا تمر أمام نجومها مباشرة (حاجبة بذلك ضوء النجوم عن التلسكوبات). لكن الجيل القادم من التلسكوبات الفضائية -مثل تلسكوب جيمس ويب- يمكن أن يغير ذلك.
إن تلسكوب جيمس ويب الفضائي هو الخلف الرسمي لتلسكوب هابل الشهير. يفترض أن يُطلق السنة القادمة، وأن يكون حساساً بما يكفي ليلتقط تفاوتات صغيرة جداً في درجات الحرارة عبر أنظمة نجمية كاملة؛ مما سيسمح للباحثين أن يستنتجوا الكثير عن الأغلفة الجوية للكواكب الموجودة داخلها. على سبيل المثال، يُتوقع من كوكب صخري لا يملك غلافاً جوياً أن يعاني من تفاوتات حادة في درجات الحرارة بين أوقات الليل والنهار.
حتى تلسكوب جيمس ويب لن يكون قادراً على رصد الكواكب الخارجية بشكل مباشر، كما أنه لن يساعد الباحثين في تحديد أنواع الغازات التي قد تحوم حول كواكب مثل الأراضي الفائقة بدقة تامة.
للوصول إلى هذه النتائج، فالباحثون يحتاجون الجيل القادم من التلسكوبات الأرضية مثل تلسكوب ماجلّان العملاق، أو «تي إم تي» الذي يفترض أن يبدأ العمل في نهاية العقد الحالي. هذه التلسكوبات ستكون قادرة على تجميع كمية كافية من الضوء القادم من الكواكب لرصد آثار للماء، والأكسجين، وحتى الميثان.
بالرغم من أن هذه الكواكب القريبة ليست أماكن صالحة لتطور الحياة، فإن دراستها قد تفيد الباحثين في رسم استنتاجات حول كواكب خارجية أخرى أبعد من أن ترصد بشكلٍ مباشر.
إن دراسة الأغلفة الجوية للكواكب الخارجية هو مجال بحثي واعد في علم الفلك اليوم. لا يمكن للباحثين أن يستنتجوا الكثير عن كوكب ما من موقعه وحجمه فقط، لكن المعلومات عن طبيعة الغازات التي تحيط به تساعد الباحثين في التنبّؤ بمناخه بشكل أفضل.
بينما ينتظر الباحثون في فريق ريد دوتس تلسكوبات مثل جيمس ويب أو التلسكوبات الأرضية العملاقة أن تبدأ عملها، فهم يركزون على جمع أكبر عدد ممكن من البيانات. رصد الفريق لحد الآن كواكب قرب نجم «بروكسيما سينتوري» (الذي يبعد 4 سنين ضوئية عن الشمس)، ونجم «بارناردز» (الذي يبعد 6 سنين ضوئية عن الشمس). كما أنهم ينوون الاستمرار في مسح كل الأنظمة النجمية القريبة واحداً تلو الآخر.