«في الفضاء، لا يمكن لأحد أن يسمع صراخك».
الشعار الخاص بفيلم «Alien».
هذا صحيح بالطبع؛ فموجات الصوت لا تنتقل في الفراغ، بل تحتاج إلى وسط لتنتقل من خلاله. ربما تحتاج إلى الصراخ بسبب الكثير من الأشياء التي قد تواجهها بمجرد مغادرة الغلاف الجوي لكوكبنا. قد تعرف الأساسيات، مثل عدم وجود أكسجين للتنفس، ودرجات الحرارة المتقلبة جداً، ولكن ما هي الأخطار الأخرى التي يواجهها رواد الفضاء بمجرد وصولهم إلى الفضاء الخارجي؟
1. تأثير الجاذبية متناهية الصغر
يحلم أغلب البشر بالتحرر من قيود الجاذبية؛ محلقين في الهواء كالطيور. واحدة من أمتع التجارب في الفضاء هي تجربة التحليق بدون جاذبية، لكن لسوء الحظ هناك عدّة آثار سلبية لانعدام الجاذبية، وتأثيرها على جسم الإنسان.
قد تمنع آثار انعدام الجاذبية أجساد رواد الفضاء من القيام بالوظائف الحيوية اللازمة. فإذا نظرنا إلى موضع القلب في أجسادنا، سنجده في الأعلى، حيث يقوم بضخ الدم من الأعلى إلى الأسفل في جميع أنحاء الجسم، وفي وجود الجاذبية الأرضية.
أما في الفضاء، وبدون وجود الجاذبية لسحب الدم إلى الأسفل، تقل فعالية نظام ضخ الدم؛ حيث يتحرك الدم لأعلى نحو الصدر والرأس، مما يتسبب في انتفاخ الوجه، ويزيد من خطر ارتفاع ضغط الدم. ومع انخفاض كفاءة وصول الأكسجين إلى أعضاء الجسم المختلفة، تقل كفاءة عمل هذه الأعضاء.
أثناء طفو الرواد في هذه الظروف، لا يحتاجون إلى استخدام عضلاتهم أو عظامهم بنفس الطريقة على الأرض. يُرشّح الكالسيوم من العظام ويُفرز عن طريق البول؛ وهو ما يسبب ضعف العظام ويجعلها أكثر عرضة للكسر، وتفقد العضلات وظيفتها لأنها لا تكافح ضد الجاذبية الأرضية لتبقي الجسد منتصباً في جميع الأوقات.
لمواجهة هذه المشاكل، يجب على رواد الفضاء ممارسة الرياضة لمدة ساعتين ونصف يومياً على مدار 6 أيام في الأسبوع. أما في المستقبل، فيمكن للجاذبية الاصطناعية أن تساعد في التخلص من المشاكل الناجمة عن الجاذبية متناهية الصغر في الفضاء.
2. الإشعاعات الفضائية
يحمينا الغلاف الجوي والمغناطيسي على الأرض من الإشعاعات الفضائية المختلفة، مثل الأشعة الكونية، وجزيئات الأشعة المنبعثة أثناء التوهجات الشمسية.
يتمتع روّاد الفضاء في محطة الفضاء الدولية، التي تدور في مدار قريب من الأرض، ببعض الحماية من هذه الأشعة بفضل الغلاف المغناطيسي للأرض. لكن يبدأ ظهور المشاكل عندما يسافر رواد الفضاء خارج الغلاف الواقي للكوكب، مثل القمر أو المريخ.
قد يسبب التعرض للإشعاعات في الفضاء مشاكل مثل الحروق والتسمم الإشعاعي وتلف الحمض النووي. وتتحدد هذه المشاكل الصحية من خلال مدى التعرض للإشعاعات، وقابلية رائد الفضاء لاحتمال الإشعاع، وغيرها من المتغيرات الأخرى. ولهذا يتم مراقبة رواد الفضاء باستمرار للتأكد من عدم تجاوزهم لحدود الإشعاع المسموح التعرض لها.
3. الصحة النفسية
قد تكون مشاركة مساحة صغيرة مع مجموعة من الأشخاص لعدة أشهر أمراً صعباً. أضف إلى ذلك ضغوط ومخاطر السفر إلى الفضاء، مما يؤثر بالطبع على الصحة السلوكية والاجتماعية والنفسية لرواد الفضاء.
يمر رواد الفضاء بالعديد من التقييمات النفسية قبل السماح لهم بالتوجه إلى محطة الفضاء الدولية. ومع ذلك، يظل من الصعب إعدادهم لتقبل أنهم على بعد مئات الكيلومترات من كوكبهم الأم، ورؤية شروق الشمس وغروبها كل 90 دقيقة، وأن الفراغ التام يحيط بهم، ويمكن أن ينهي حياتهم إذا ارتكبوا أي خطأ حتى ولو كان طفيفاً. أحيانًا، ينهار رواد الفضاء ويصابون بنوبات ذهنية خطيرة.
تملك وكالة الفضاء الدولية ناسا خطة في حالة انهيار أحد رواد الفضاء، حيث سيتعين على زملائه من الطاقم ربط رسغيه وكاحله بشريط لاصق، وحقنه بالمهدئات إذا لزم الأمر.
4. الميكروبات والجهاز المناعي
نحن نتعامل مع الميكروبات طوال اليوم، من البكتيريا الموجودة على يديك إلى تلك التي تعيش على أسطح الأثاث في منزلك أو في مكان عملك. لكن هذه البيئات ليست مغلقة، حيث يتدفق الهواء داخلها وخارجها طوال اليوم، ولكن في بيئاتٍ مغلقة مثل المركبات الفضائية، يصبح الأمر صعباً.
تمثل هذه البيئات المغلقة تحدياً بالنسبة لوكالات الفضاء، آخر شيء يحتاجه رواد الفضاء هو أن يصابوا بنزلة برد مثلاً أثناء تواجدهم في الفضاء، لأن ظروف انعدام الجاذبية تضعف الجهاز المناعي، مما يجعل من الصعب على أجسادهم محاربة العدوى والميكروبات.
ولتجنب أن يحمل رواد الفضاء أي ميكروبات أرضية إلى الفضاء الخارجي، يخضع كل واحد منهم لسلسلة من الاختبارات المعملية، ومن ثم يتم عزله لمدة 7 أيام قبل الإطلاق؛ وهو ما يقلل من اتصالهم بأي شخص قد يكون مريضاً، حتى لو لم تظهر عليه الأعراض.
في نظام مغلق بالكامل مثل محطة الفضاء الدولية، يمكن أن تنتشر عدوى الإنفلونزا لتصيب جميع أعضاء الطاقم في غضون أيام قليلة.
5. دوار الحركة
يأخذ جميع رواد الفضاء أدوية لعلاج دوار الحركة، حيث يمكن أن تتسبب اضطرابات الحركة في حدوث مشاكل في الحواس، مثل الشعور بالغثيان، والذي قد يعيق القدرة على العمل والتحكم في المركبة الفضائية.
كما يمكن أن يؤثر الغثيان على الرؤية والإدراك والتوازن والتحكم الحركي، حيث يمكن لرواد الفضاء أيضاً أن يفقدوا الإحساس بأطرافهم، بسبب عجز الجسم عن الشعور بالحركة داخل المفاصل. يُعرف هذا النوع من الإدراك باسم «استقبال الحس العميق». وفي هذا الشأن أيضاً، يتلقى روّاد الفضاء تدريبات لتطوير مهارات مثل توجيه الحركة، وتقدير الحيز المكاني، والتكيف مع طريقة الطفو في الفضاء.
على الرغم من وجود المخاطر المرتبطة بالسفر إلى الفضاء، إلا أن ناسا لديها خطة طوارئ لكل مشكلة محتملة، ثم خطة احتياطية أخرى للخطة الأولى. لن يكون السفر إلى الفضاء خالياً من المخاطر أبداً، ولكننا نحن البشر نستخدمجميع ما لدينا من إمكانيات حتى نجعله آمناً قدر الإمكان.