من المرجح أن وقت انعكاس الأقطاب المغناطيسية للأرض قد حان منذ فترة، ومن المؤكد أن الكثيرين يتوقعون حدوث هذا الأمر بين يوم وآخر. ولكن وفقاً لدراسة جديدة نشرت في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences، فإن الحقل المغناطيسي للأرض ليس مستقراً تماماً، ولكنه لن يؤدي أية شقلبات في المدى المنظور.
قام فريق من الباحثين الأوروبيين بإجراء مقارنة بين الوضع الحالي للحقل المغناطيسي الأرضي وماضيها الجيولوجي الصاخب، ووجدوا أن أنماط الاضطراب الحالية للحقل لا تشبه الأنماط التي سبقت الانقلابات السابقة للأقطاب. وبدلاً من هذا، يبدو الحقل الحالي مشابهاً للغاية للوضع منذ 49,000 سنة و46,000 سنة، عندما ظهر انخفاض ملحوظ في شدة الحقل، ولكن بدون انقلاب حقيقي. غير أن العلماء ما زالوا غير متأكدين مما سيحدث لاحقاً لهذا الحقل.
يعتبر الحقل المغناطيسي السبب الأساسي الذي يجعل من الأرض مكاناً ظريفاً ومناسباً للحياة. ينتج هذا الحقل عن الحراك البطيء للنواة السائلة لكوكب الأرض، ويشكل درعاً يتصدى للإشعاعات الكونية والعواصف الشمسية البغيضة، التي ستمطرنا بدون وجوده بالجسيمات المشحونة من الشمس. يقول جون ماوند، وهو بروفسور مساعد مختص بالجيوفيزياء في جامعة ليدز في المملكة المتحدة، وهو لم يشارك في الدراسة الجديدة: "إذا ارتطمت هذه الجسيمات المشحونة بالغلاف الجوي، فقد تزيد من فقدان بعض مكونات الغلاف الجوي، مثل الماء". أي أنه بدون وجود الحقل المغناطيسي، ستبدو الأرض على الأرجح مشابهة لكوكب أحمر أجرد قريب منها، وسيكون وجودنا أمراً مستبعداً. إضافة إلى هذا، فإن هذا الأثر الواقي يتصدى للجسيمات المشحونة في الرياح الشمسية، ويمنعها من تعطيل الأقمار الاصطناعية التي نعتمد عليها في أنظمة تحديد الموضع العالمي، والملاحة، والاتصالات، ورصد تغيرات الطقس، والمراقبة، إضافة إلى الشبكات الكهربائية على سطح الأرض.
يتموضع القطبان المغناطيسيان الحاليان قريباً جداً من قرينيهما الجغرافيين، ولم يغيرا مكانيهما منذ حوالي 780,000 سنة بعد آخر تبادل. وبما أن القياسات المباشرة بدأت في القرن التاسع عشر، فقد لاحظ العلماء أن شدة الحقل تناقصت بمقدار 5% تقريباً كل 100 سنة، وربما بدأ هذا التناقص منذ ألفي سنة. وهناك ظاهرة تثير الاهتمام على وجه الخصوص، وتسمى بشذوذ جنوب الأطلسي، وهي ضعف مجهول السبب في جزء من الحقل المغناطيسي، ويمتد من زيمبابوي إلى تشيلي، حيث لا يتم صد الجسيمات المشحونة بشكل جيد، ما يصيب الأقمار الاصطناعية المارة من هناك بأضرار فادحة.
لطالما اعتُقد عموماً أن هذا الضعف دلالة على أن الحقل على وشك أن ينقلب في أية لحظة، تماماً مثل سياسي يخوض الانتخابات. ووفقاً لماوند، فإن انقلاب الأقطاب لن يعني اختفاء الاستقطاب، بل تناقصاً في الشدة المتوسط بمقدار قد يصل إلى 10% قبل العودة إلى القوة الكاملة. لن تكون النتيجة فناء كاملاً للبشرية، ولكن المستقبل قد لا يكون مشرقاً إلى درجة مشجعة.
قرر الفريق أن يجري دراسة عميقة لعدة فترات من تاريخ الحقل المغناطيسي. وعلى الرغم من غرابة شذوذ جنوب الأطلسي الحالي، فإن الحقل منذ 49,000 سنة و46,000 سنة كان ذا بنية مشابهة، بدون وقع أية تغيرات حادة لاحقة. إضافة إلى هذا، فإن وضع الحقل الحالي لا يشبه إلى أية درجة الوضع منذ 41,000 سنة و34,000 سنة، عندما تعرض الحقل إلى حالات انتقالية تضمنت تذبذبات في الشدة، والمزيد من الحالات الشاذة. وفي جميع تلك الحالات، توقفت التغيرات الحادة في الحقل بعد بضعة آلاف من السنوات، واستقر في النهاية مع أقطاب قوية.
إذا أخذنا كل شيء بعين الاعتبار، فمن غير المرجح أن نشهد قريباً أي انقلاب في الأقطاب. وحتى لو تردت شدة الحقل بشكل غير متوقع وتحول إلى نمط مرقط بالشذوذات، فلن يكون هذا كافياً حتى لمجرد احتمال انقلاب في الأقطاب. يقول ماوند: "يتوافق الاستنتاج الإجمالي مع دراسات حديثة أخرى تشير إلى أن التردي الحالي في شدة الحقل لا يعتبر مؤشراً على انقلاب في الأقطاب. حيث أن هذه القوة يمكن أن تتغير بشكل كبير مع مرور الزمن، ولا يوجد أي شيء غير اعتيادي حول الشدة الحالية أو وتيرة التغير".
غير أن فيل ليفرمور، وهو أيضاً أخصائي بالجيوفيزياء في جامعة ليدز، ينظر إلى النتائج بشكل أكثر تشكيكاً. ويشير إلى انها "مبنية بشكل كامل على المقارنة مع السلوك السابق. لا يوجد أي دليل يقترح أن الضعف الحالي توقف من قبل أو سيتوقف لاحقاً"، خصوصاً أنه ليس لدينا أدنى فكرة عن السبب. وعلى الرغم من أن تاريخ الحقل المغناطيسي يقدم معلومات مفيدة عن طريقة عمله وسلوكه، فإن "جميع هذه الدراسات لا تساعدنا فعلياً على التنبؤ بالمستقبل، ولا تتجاوز فائدتها الإشارة إلى مجموعة متزايدة من الاحتمالات". وإذا تابعت شدة الحقل انخفاضها على الوتيرة الحالية، فقد يتردى الحقل إلى درجة انهيار الاستقطاب بعد حوالي 2,000 سنة، متحولاً إلى بنية ضعيفة معقدة التركيب تحيط بالأرض.
هل يجب أن نقلق؟ يعتقد ماوند أن هذا غير ضروري: "إن وتيرة التغير بطيئة بما يكفي لتجاهل التأثيرات". ولكنه يحذر أننا لا نعرف ما يكفي عن هذه التأثيرات بالضبط، وكيف يمكن أن نحمي أنفسنا منها.
وماذا لو انقلبت الأقطاب فعلاً وكانت نتائج الدراسة خاطئة؟ يشير جون تاردونو، وهو بروفسور مختص بالجيوفيزياء في جامعة روتشستر، إلى أن تناقص حماية الحقل قد يؤثر على الغلاف الجوي، ويقول: "قد تظهر عدة ثقوب في الأوزون مع تزايد اختراق الجسيمات الشمسية عالية الطاقة للغلاف الجوي. ويمكن أن تتزايد نسبة الإصابة بسرطان الجلد تحت هذه الثقوب". كما أن انخفاض شدة الحقل ستترك شبكات الطاقة الكهربائية والتجهيزات المدارية عرضة للأعطال. وقد تؤدي عاصفة شمسية شديدة واحدة إلى حرمان أعداد ضخمة من الناس من الطاقة الكهربائية أو الاتصالات.
على أي حال، لم يتمكن أحد من العثور على أية صلة واضحة ما بين تغيرات الحقل المغناطيسي الأرضي ومعدلات انقراض الأنواع أو ظهور أنواع جديدة، كما أن أغلبية الغلاف الجوي ستبقى. يقول تاردونو: "لن تكون الآثار على الحياة البشرية فادحة. وبالمقارنة مع مقاييس الزمن الجيولوجية، فإن انقلاب الأقطاب مجرد حدث عابر، يدوم ما بين 5,000 و 15,000 سنة". وفي المحصلة، لن يُقضى علينا، ولكننا قد نضطر لإيجاد بديل لنظام تحديد المواقع العالمي.