تُنبئ التوقعات الجوية على كوكب المشتري بطقس غائم مع احتمالية تساقط الأمونيا. هذا الكوكب المليء بالدوامات هو موطن لعواصف عنيفة تدور على سطحه لمئات السنين، وتصل إلى سرعاتٍ أكبر من سرعة إعصار الفئة الخامسة على الأرض. والآن يمكننا إضافة ظاهرة أخرى للائحة الظواهر الجوية الغريبة في المشتري: وهي كتل كروية من الأمونيا تشكلت خلال العواصف الرعدية العنيفة على هذا الكوكب.
منذ التقاط مركبة «فوياجر 1» لأول صور للمشتري عام 1979، تمكنا من رصد دفقات هائلة من الطاقة عميقاً تحت قمم الغيوم. ولكن وفقاً لـ «هايدي بيكر»، فيزيائية في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا، فإن رصد البرق في الطبقات الخارجية من المشتري ليس عملية سهلة. ولم يكن واضحاً ما إذا كنا غير قادرين على رصد البرق باستخدام التكنولوجيا التي نملكها اليوم، أو إذا لم يكن هناك برق في المناطق التي نرصدها.
الآن، أظهرت عمليات رصد قام بها المسبار «جونو» الخاص بوكالة ناسا أن قمم الغيوم في المشتري تنشط بشكلٍ متكرر بالبرق أيضاً، وهذا البرق لا يشبه أي شيء رأيناه على الأرض من قبل. ورد ملخص عن هذه الأرصاد في ثلاثية من الأوراق العلمية التي نشرت في دوريتيّ «نيتشر» و «جاي جي آر بلانيتس».
خلال 4 سنوات منذ أن اتخذ مسبار جونو مداره حول المشتري، كشف هذا المسبار بشكلٍ بطيء عن أعمق أسرار هذا العملاق الغازي. قامت بيكر -مؤلفة رئيسية لإحدى الأوراق سابقة الذكر- وفريقها بتوجيه كاميرا الملاحة الخاصة بـالمسبار جونو -والتي تستخدم عادة لتوجيه المسبار عن طريق رصد مصادر الضوء الخافتة كالنجوم- نحو الجانب المظلم للمشتري عام 2018. رأى الباحثون سحابات غنية بالكهرباء بشكلٍ غير مسبوق.
يقول «لاي فليتشر»، عالم مختص في دراسة الكواكب في جامعة ليستر، وغير مشارك في الدراسة: «مجدداً؛ تتحدى أرصاد مسبار جونو الآراء السائدة حول الطقس في المشتري. إن استخدام وحدة المراجع النجمية الخاصة بمسبار جونو لرصد ومضات البرق الصغيرة؛ تظهر أن المزج بين الأجهزة المتطورة ومركبات الفضاء تؤدي إلى اكتشافات عَرضيّة وغير متوقعة».
اعتقد العلماء من قبل أن البرق على المشتري -كما في الأرض- يظهر فقط في العواصف الرعدية، حيث يوجد الماء في كل أطواره، الجليدي، السائل، والغازي. ومع ذلك، رصد الباحثون البرق في القمم العالية للغيوم في المشتري، حيث تكون درجة الحرارة أخفض من أن يبقى الماء في حالته السائلة.
بدلاً من الماء السائل، وجد الباحثون أن هذا البرق الغريب قد ينتج من الأمونيا السائل الذي يتصرف كمضاد للتجمد، حيث يمنع الماء من التجمد بشكلٍ كامل في الطبقات الخارجية من الغلاف الجوي للمشتري. يتصادم سائل غريب -يتألف من جزئين من الماء وجزء من غاز الأمونيا- مع جزيئات الجليد النقية، ويصبح مشحوناً بالكهرباء بشكلٍ تدريجي.
تقول بيكر: «هذه هي طريقة جديدة لتَشكُّل البرق على المشتري، لم يعتقد أحد أنها ممكنة قبل أن يلتقط مسبار جونو هذه الصور».
كما يفترض الباحثون، فإن هذه القطيرات من الماء والأمونيا قد تمثل أساساً لتَشكّل كتل الأمونيا الكروية. إذ قد تلتصق بلورات الجليد المائية بهذه القطيرات، وتتحول إلى خليط لزج يشبه كرات الثلج من الماء المشبع بالأمونيا والجليد المائي النقي، قبل أن تحملها تيارات الهواء الصاعدة في العواصف الرعدية عالياً. بينما تتحرك جزيئات هذا الخليط ضمن تيارات الهواء الصاعدة والهابطة، فإنها تجمع المزيد من الجليد، وتنمو مثل كرة من الثلج تتدحرج على تل. في النهاية، يكبر حجم هذه الكتل كثيراً لدرجة أن تيارات الهواء تصبح غير قادرة على تحريكها. وبعد ذلك، تسقط هذه الكتل اللزجة عميقاً إلى المنطقة الداخلية من الكوكب، مشكّلة وابلاً من كتل الأمونيا الكروية.
بالإضافة إلى تفسير وجود البرق على ارتفاعات عالية، تفسر نظرية كتل الأمونيا الكروية ظواهر أخرى غير مفسرة متعلقة بالمشتري. فالأمونيا متوافر بكثرة في المناطق القريبة من خط استواء الكوكب، ولكن وفقاً لبيكر، هناك تجاويف صغيرة خالية بشكلٍ غريب من الأمونيا. تمكن فريق وكالة ناسا من حل هذا اللغز عن طريق المزج بين النتائج الجديدة حول البرق الذي يتشكل عالياً في الغلاف الجوي للمشتري، وفرضية كتل الأمونيا. تعتقد بيكر وفريقها الآن أن هذه الكتل قد تتصرف كأجهزة إخفاء للأمونيا.
في خبر صحفي، يقول «سكوت بولتن»، باحث رئيسي في فريق مسبار جونو، ومؤلف رئيسي للدراسات الجديدة: «الحل بسيط وأنيق للغاية وفقاً للنظرية الجديدة: عندما يكون الماء والأمونيا [معاً] في حالة سائلة، سيكونوا غير مرئيين بالنسبة لنا حتى يصلوا إلى الأعماق حيث يتبخروا، ونحن نتحدث هنا عن عمق سحيق بالفعل».
حتى الآن، فإن نموذج الكتل الكروية هذه يبقى نظرياً. تتمنى بيكر وزملاؤها أن تعمل الأرصاد المستقبلية الأكثر تفصيلاً للغلاف الجوي للمشتري على توضيح هذا النموذج بدقة. وكما توضح بيكر، فإن فهم الطقس في المشتري يفتح المجال لفهم الطقوس على كواكب أخرى داخل وخارج مجموعتنا الشمسية.
تقول بيكر: «المشتري هو مختبر آخر نملكه إلى جانب الأرض، ويمكننا من فهم كيف تجري الأمور على الكواكب الأخرى. لأكثر من 40 عاماً، ظن الفلكيون أن العواصف الرعدية على المشتري تحدث بشكلٍ مشابه للطريقة التي تحدث فيها على الأرض، والآن فإننا نرصد شيئا مختلفاً تماماً. هناك دائماً شيء يمكننا تعلمه».