كلما تقدمت المجرة في العمر ازدادت استدارة

3 دقائق
يظهر في هذه الصورة العديد من أشكال المجرات. وتشير دراسة جديدة إلى أن شكل المجرة يعطي مؤشراً عن عمرها.

تأتي المجرات في تشكيلة واسعة من الأشكال، بدءاً من الزوابع الحلزونية وصولاً إلى الشكل المسطح مثل الفطائر المحلاة، أو الشكل المكور. والآن، يعتقد أخصائيو الفيزياء الفضائية أن هذه الأشكال قد تكشف بعض الأدلة حول عمر هذه المجرات، وهو اكتشاف قد يفتح آفاقاً واسعة حول الطرق المثيرة لتشكل وتطور المجرات مع الزمن.

تقترح الأبحاث السابقة أن الشكل ثلاثي الأبعاد للمجرة قد يحمل معلومات هامة حول تاريخها. وعلى سبيل المثال، فقد كشفت عمليات محاكاة حاسوبية سابقة أن تصادم المجرات يؤدي إلى اندماجها، وظهور مجرات جديدة غنية بالغازات وذات أشكال أكثر استدارة.

لإلقاء المزيد من الضوء على الصلة ما بين شكل المجرة وعمليات تشكلها وتطورها، قام باحثون بالتدقيق في البيانات من التلسكوب الإنكليزي – الأسترالي في مرصد سايدينج سبرينج في أستراليا. يقول جيسي فان دي ساند، فيزيائي فلكي في جامعة سيدني، والذي نشر النتائج مؤخراً مع زملائه في دراسة في مجلة Nature Astronomy: "على مدى السنتين المنصرمتين، قمنا بجمع القياسات ثلاثية الأبعاد لما يزيد عن ألف مجرة من جميع الأنواع، مع مجال واسع للغاية من الكتل".

من المستحيل قياس الشكل ثلاثي الأبعاد لمجرة بعيدة بشكل مباشر، وأفضل ما يمكن أن يأمل به الفلكيون هو التقاط صورة ثنائية الأبعاد لها. غير أنهم يلجؤون إلى طريقة أخرى، وهي استنتاج الشكل ثلاثي الأبعاد عن طريق تحليل حركة النجوم في المجرة.

يقول فان دي ساند أن أغلب المجرات عبارة عن "كرات مضغوطة". أما الآن فقد توصل العلماء إلى النتيجة القائلة بأنه "كلما كانت نجوم المجرة أصغر عمراً، كانت المجرة أكثر انضغاطاً. تبدأ النجوم حديثة الولادة حياتها ضمن أقراص مسطحة رقيقة، أما النجوم الأكبر عمراً فهي تتواجد في أغلب الأحيان ضمن مجرات منتفخة"، وفقاً لفان دي ساند.

يمكن تقدير عمر النجوم تقريبياً اعتماداً على اللون، حيث تبدأ النجوم حياتها زرقاء اللون وتنتقل تدريجياً إلى الأحمر مع التقدم في العمر. يقول فان دي ساند: "نحن نعتمد على اللون في قياس عمر المجرة".

يتابع فان دي ساند قائلاً أن العلماء عرفوا منذ زمن أن "الشكل والعمر مرتبطان في المجرات ذات السمات شديدة الوضوح، أي المسطحة بشدة أو المستديرة بشدة. ولكن هذه المرة الأولى التي استنتجنا أن هذه الصلة موجودة لدى جميع المجرات، من جميع الأشكال والأعمار والكتل".

هذه القاعدة تنطبق أيضاً على الحالات الغريبة، مثل المجرات ذات الشكل الزوبعي –كدرب التبانة- التي تحوي على وسط منتفخ وقرص مسطح في نفس الوقت. وحتى في هذه الحالة، وجد الباحثون أن القسم الأكثر استدارة في المنتصف يحتوي على النجوم الأكبر عمراً، على حين أن الأذرع الحلزونية كانت أصغر عمراً.

لا توجد علاقة واضحة ظاهرياً ما بين العمر والشكل في المجرات، وبالتالي "تعتبر هذه الصلة مفاجئة، ويمكن أن تشير إلى أمور أكثر عمقاً"، كما يقول فان دي ساند. غير أن طبيعة هذه الصلة ليست مؤكدة تماماً. هل تولد جميع المجرات مسطحة ومن ثم تتكور مع الزمن؟ أم أن المجرات التي ولدت في بداية الكون كانت أكثر استدارة من المجرات التي ولدت لاحقاً؟

يشرح فان دي ساند أحد الاحتمالات: "تتوزع النجوم حديثة الولادة في المجرات في قرص رقيق، وتتحرك ضمن القرص بشكل منتظم، أشبه بالسيارات على حلبة سباق". ولكن مع تقدم المجرة في العمر، قد تمر بأحداث كارثية، مثل التصادمات مع المجرات الأخرى، وبالتالي، كما يتابع فان دي ساند الشرح: "تؤدي هذه الأحداث إلى تشويش حركة النجوم، وتصبح المجرة أشبه بسرب من النحل منها بحلبة سباق مليئة بالسيارات، وتتحول إلى كتلة منتفخة من النجوم التي تندفع في جميع الاتجاهات".

يمكن للعلماء أن يحللوا المجرات من بدايات الكون لرؤية مدى قوة العلاقة ما بين العمر والشكل، كما تقول الفيزيائية الفلكية آن ماري ويمانز في جامعة سان أندروز في اسكوتلندا، والتي لم تشارك في البحث، ولكنها كتبت مقالة مرافقة له في مجلة Nature Astronomy. غير أنه يصعب التقاط الضوء العائد إلى تلك الفترة من عمر الكون، وبالتالي، من أجل استنتاج الأشكال ثلاثية الأبعاد لهذه المجرات القديمة، يجب على العلماء أن يعتمدوا على الحقول الثقالية القوية للمجرات التي يمر هذا الضوء قربها، والتي تلعب دور عدسات مكبرة قوية عن طريق تغيير نسيج الزمكان، وهو "أمر نادر الحدوث"، كما تقول ويمانز.

تقول ويمانز إن الأبحاث المستقبلية قد تركز أيضاً على دراسة مجموعات المجرات ذات الصفات المتشابهة: "في هذه الحالة، ما هي العلاقة ما بين العمر والشكل، وهل تتوافق هذه العلاقة مع الأفكار التي لدينا حول تطور هذه الأنواع المحددة من المجرات؟ هل يوجد أية استثناءات؟ وهل يمكن أن نفسر وجود هذه الاستثناءات؟". مع تطور الدراسات في هذا الاتجاه، قد تحمل لنا أشكال هذه المجرات المزيد من الاكتشافات المثيرة.

المحتوى محمي