كم من الوقت يستغرق الوصول إلى المريخ؟ وهل يمكن لكل البشر السفر إليه؟

كم من الوقت يستغرق الوصول إلى المريخ؟ وهل يمكن لكل البشر السفر إليه؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ maryliflower
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مع كثرة المآسي والصعوبات والناس المزعجة في هذه الحياة، قد يتمنى المرء لو يذهب إلى المريخ هرباً وطلباً للهدوء والراحة بأسرع وقت ممكن. لكن وللأسف، فإن السفر إلى المريخ ليس بتلك السرعة أبداً، بل هي رحلة تحتاج إلى الكثير من التخطيط والانتظار والكثير من الوقت اللازم للوصول. دعونا نكتشف كم من الوقت سوف تستغرق الرحلات المأهولة للوصول إلى المريخ وكم تلزم رحلة العودة وما آثار الرحلة الطويلة على البشر.

كم من الوقت تستغرق الرحلة إلى المريخ؟

تعتمد الإجابة على عدة عوامل، منها ما يتعلق بمواقع الأرض والمريخ بالنسبة لبعضهما بعضاً والمسافة الفاصلة بينهما، ومنها ما يتعلق بالتكنولوجيا التي تنقل البشر إلى هناك. وبالطبع، لا بُدّ من تحديد طول المسافة بين الكوكبين كخطوة أولى في تقدير مدة الرحلة، ولكن المسافة بينهما تتغير باستمرار أثناء انتقالهما حول الشمس، فالأرض والمريخ يدوران حول الشمس بسرعات مختلفة؛ تستغرق الأرض عاماً واحداً للدوران حول الشمس، في حين يستغرق المريخ نحو 1.9 عاماً أرضياً.

اقرأ أيضاً: هل احتوى المريخ على أشكال الحياة الميكروبية قديماً؟

إذاً، ينبغي أن تنطلق الرحلة عندما تكون الأرض والمريخ في محاذاة من جهة واحدة بالنسبة لبعضهما بعضاً، وهو ما يتطلب استهلاكاً أقل من الوقود مقارنة بالمواقع الأخرى لتواجد الكوكبين في مداريهما. ومن الناحية النظرية، تكون أقصر مسافة بينهما عندما يكونان على الجانب نفسه من الشمس، بحيث يكون المريخ في أقرب نقطة له من الشمس، وهو ما يسمى الحضيض الشمسي (Perihelion)، وتكون الأرض في أبعد نقطة عن الشمس، وهو ما يسمى بنقطة الأوج الشمسي (Aphelion)، وهذا من شأنه أن يفصل بين الكوكبين بمسافة تصل تقريباً إلى 56 مليون كيلومتر، أما عندما يكون الكوكبان على جانبين متقابلين من الشمس، تكون المسافة الفاصلة بينهما نحو 401 مليون كيلومتر.

تُسمى هذه المناورة المدارية لإرسال المركبات المأهولة وفق الطريقة الأكثر كفاءة في استهلاك الوقود بمدار هوهمان الانتقالي (Hohmann transfer)، ويحدث الوضع المناسب للانطلاق من كوكب الأرض إلى المريخ مرة كل 26 شهراً تقريباً.

وفقاً لوكالة ناسا، غالباً ما تستغرق الرحلة باتجاه واحد من الأرض إلى المريخ نحو 9 أشهر. وبالطبع، من الممكن الوصول في وقت أقل من ذلك، ولكن هذا يتطلب تشغيل محركات الصواريخ لفترة أطول واستخدام المزيد من الوقود، ومع تكنولوجيا الصواريخ الحالية فهذا ليس ممكناً حقاً.

ويجب ألا ننسى أن المريخ سوف يتحرك خلال الأشهر التسعة هذه مسافة طويلة حول مداره تُقدر بنحو ⅜ من طول المدار، بالتالي نحن لا نسافر مباشرة إلى المريخ، بل نسافر إلى الموقع الذي سيصل إليه المريخ، وهذا يتطلب الكثير من التخطيط المسبق لضمان أنه وبحلول الوقت الذي نصل فيه إلى مدار المريخ، سيكون المريخ في الموقع الذي نريده أن يكون به، ولم يجتزنا.

اقرأ أيضاً: مركبة بيرسيفيرنس تسجّل مقطعاً صوتياً لدوامة هوائية على المريخ لأول مرة

كم تستغرق رحلة العودة إلى الأرض؟

تماماً مثلما توجب علينا الانتظار حتى تصطف الأرض والمريخ وفق الموقع المناسب قبل الانطلاق، علينا أيضاً التأكد من أنهما في الموقع المناسب قبل التوجه إلى المنزل. وهذا يعني أنه ينبغي قضاء 3-4 أشهر على المريخ قبل أن نتمكن من بدء رحلة العودة. بشكل عام، تستغرق رحلة الذهاب والإياب إلى المريخ نحو 21 شهراً، 9 أشهر للوصول إلى هناك، و3 أشهر على المريخ، ثم 9 أشهر للعودة. ولا توجد طريقة لتقصير هذه المدة مع تكنولوجيا الصواريخ المتوفرة حالياً، وهذه المدة الطويلة للرحلة لها العديد من المتطلبات والآثار على البشر وإليك ما هي.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن الاستفادة من الرياح المريخية لتأمين الطاقة للبعثات المستقبلية؟

متطلبات الرحلة الطويلة إلى المريخ وآثارها 

أولاً، ينبغي إحضار ما يكفي من الطعام والماء والملابس والمستلزمات الطبية والأدوات العلمية، كما ينبغي إحضار الكثير من الوقود للرحلة. بالإضافة إلى ذلك، فإن قضاء 9 أشهر في الفضاء يعني الحاجة إلى مستلزمات الحماية من الإشعاع الشمسي، وتعد المياه والإسمنت درعاً جيداً ولكنها ثقيلة جداً. 

في الواقع، تشير التقديرات إلى أنه وبالنسبة لطاقم مكون من 6 أفراد، ستحتاج إلى 3 ملايين رطل من الإمدادات (1,360,776 كيلوغراماً)، في حين أن المكوك يستطيع أن يرفع نحو 50,000 رطل (22,676 كيلوغراماً) إلى الفضاء، لذلك سوف تحتاج الرحلة إلى نحو 60 عملية إطلاق مكوكي لإيصال جميع الإمدادات الخاصة بك إلى هناك. لكن ومع أقل من 10 عمليات إطلاق للمكوكات في العام، فسوف يستغرق الأمر 6 سنوات فقط لنقل الإمدادات التي تحتاجها.

اقرأ أيضاً: ما أطول زمن قضاه الإنسان في الفضاء وما التحديات التي واجهته؟

قد يكون الحل هو تطوير نظام إطلاق يمكنه رفع أكثر من 50,000 رطل إلى الفضاء، لكن حتى وإن وجدت هذه المركبة، فمن غير المرجح أن نتمكن من إطلاق مهمة المريخ كلها دفعة واحدة، وإنما ينبغي إطلاقها على عدة دفعات ثم تجميعها في المدار.

ثانياً، إن مدة 9 أشهر في الفضاء ليست فترة قصيرة، وثمة عواقب فيزيولوجية لكونك عديم الوزن لفترات طويلة. على سبيل المثال، سوف تعمل العضلات بشكل أسهل في البيئات قليلة أو معدومة الجاذبية، واستجابة لهذا الاستعمال القليل، سوف تبدأ بالانكماش أو الضمور، دون أن ننسى أن القلب عضلة أيضاً، وأن ضخ الدم سوف يكون أسهل في البيئة معدومة الوزن، لذلك فإن القلب سوف يضعف أيضاً، وهذا ما يجعل الوقوف منتصباً أمراً صعباً بمجرد العودة الى بيئة تحتوي على جاذبية.

اقرأ أيضاً: كيف تستفيد محطة الفضاء الدولية من انعدام الجاذبية في تصنيع مواد جديدة؟

لا يتوقف الأمر على العضلات فقط، فالعظام أيضاً لا تضطر إلى دعم وزن الجسم عندما ينعدم الوزن في الفضاء، وسوف يدرك الجسم أن العظام لا تُستخدم كثيراً، ما يعرضها لسحب الكالسيوم منها، فتصبح أكثر هشاشة، وهذه التأثيرات تعد خطيرة وقد تضعف قدرة رواد الفضاء على إجراء التجارب والمهام عند وصولهم إلى المريخ حين يتعرضون للجاذبية المريخية مرة أخرى.

ختاماً، ثمة العديد من التحديات التي تواجه السفر إلى المريخ، ولا بُدّ أنها تحتاج إلى الكثير من الوقت والمال والتطور العلمي لتذليلها، لذلك وخلال انتظارك أن تصبح الرحلة إلى المريخ ممكنة للبشر، حاول أن تعالج مشكلاتك على الأرض بروية.