يُعتبر كوكب بلوتو القزم اليوم كوكباً متجمداً بارداً، مع درجات حرارة سطحية تصل إلى ما دون 224 درجة مئوية تحت الصفر، لكن بلوتو كان مكاناً مختلفاً جداً عندما تشكل قبل عدة مليارات من السنين. في دراسةٍ نشرت في 22 يونيو/ حزيران في مجلة «نيتشر جيوساينس»، اقترح العلماء أنه بدلاً من كونه بارداً منذ بدايات تشكلّه، كان جو الكوكب معتدلاً نسبياً لفترةٍ من الزمن. وهذا يعني أن محيط بلوتو السائل، والموجود حالياً تحت قشرةٍ جليدية يصل سمكها إلى عشرات الأميال، ظهر في وقت مبكر من تطوره.
يقول «ستيفن ديش»، عالِم الفيزياء الفلكية في جامعة ولاية أريزونا في تيمبي، ولم يشارك في الدراسة: «إن النتائج الجديدة لها آثار بعيدة المدى. فحتى قبل حوالي 20 عاماً، كان الجميع يتصوّر أن حزام كايبر سيكون مليئاً بالأجسام الباردة منذ مراحل تشكّل النظام الشمسي الأولية. لقد كان يُعتقد أنه متجمد وميت طوال الوقت». تقدم النتائج الجديدة صورة أكثر ديناميكية لبلوتو وجيرانهز يقول ديش في هذا الصدد: «للمرة الأولى، بدأنا نرى كيف تنمو الكواكب بشكل عام، وما مدى سرعة حدوث الأشياء على أطراف النظام الشمسي البعيدة».
في 14 يوليو/ تموز من عام 2015، أصبح المسبار نيو هورايزونز التابع لناسا أول مركبة فضائية تستكشف بلوتو عن قرب. حلّق المسبار على ارتفاع بلغ حوالي 7725 كم فوق بلوتو، وهي مسافة قريبة بما يكفي لالتقاط صور مُفصلة للكوكب القزم. كشفت هذه الصور عن صدوعٍ طويلة في غلاف الكوكب الجليدي، والتي من الممكن أن تقدم أدلة حول تاريخه.
يقول «كارفر بيرسون»، عالم الكواكب في جامعة كاليفورنيا سانتا كروز، ومؤلف مشارك في الدراسة: «كان الهدف الرئيسي من هذا العمل هو استكشاف كيفية تشكل بلوتو من خلال دراسة جيولوجيا سطحه اليوم. لقد فكرنا في كيف سيختلف تطور بلوتو عبر تاريخ النظام الشمسي اعتماداً على كيفية تشكّله في البداية».
أجرى بيرسون وزملائه محاكاة عبر الكمبيوتر لفهم كيف كان سيتغير محيط بلوتو السائل بمرور الوقت عبر سيناريوهين مختلفين. يتصوّر الباحثون عموماً أن بلوتو قد تشكّل في البداية كمزيجٍ متجمدٍ من الصخور والجليد. وبمرور الوقت، تسببت الحرارة المتولدة عن التحلل الإشعاعي للعناصر الموجودة في أعماق بلوتو بتشكل المياه السائلة تحت قشرته الجليدية.
يقول بيرسون: «بينما كان الجليد يذوب تحت قشرته السطحية، كان بلوتو ينكمش وينضغط. ولكن لو كان بلوتو بارداً منذ بداية تشكله، لكان من غير المحتمل أن تخلق هذه القوى ملامح السطح المُلاحظة في الصور التي التقطها مسبار نيو هورايزونز، حيث تبرز على سطحه تشققات عريضة جداً ناجمةٍ عن تباعدٍ في قشرته».
يعتقد بيرسون وفريقه أن السيناريو المنطقي أكثر هو تشكّيل بلوتو في البداية -وعلى مدى 30 ألف عام فقط- من صخور تبلغ أبعادها بضع بوصات فقط، ثم انجذبت نحو الكوكب بفعل جاذبيته الخاصة بقوةٍ كبيرة، وأحدثت انفجارات على سطحه. يقول بيرسون: «تبدو الآثار على سطح بلوتو كآثار انفجاراتٍ أطلقت الكثير من الطاقة، مما أدّى لارتفاع حرارة المناطق المجاورة لها. لو تشكل بلوتو بسرعة، فسيكون لدينا تأثير مضاعف، وستستمر حرارة المنطقة نفسها بنفس السوية إلى أن يذوب الجليد في النهاية».
وبحسب الباحثين؛ فمن المحتمل أن تظل درجة حرارة هذا الماء أعلى من درجة التجمد بقليل، مثل البحيرات القابعة تحت الجليد في القطب الجنوبي على الأرض والمغطاة بالجليد على مدار السنة. في نهاية المطاف، ومع تبرّد بلوتو، كان سيتجمد بعض الماء تحت الغطاء الجليدي. ومع تجمّد هذا الماء بالتالي، كان من الممكن أن تتمدد قشرة بلوتو على نحو مماثل لكيفية انتفاخ زجاجة المياه وتصدعها إذا تركتها في الثلّاجة لفترةٍ كافية.
يقول بيرسون: «البداية الساخنة هي السيناريو الأكثر ترجيحاً. يبدو أن بلوتو كان يتمدد عبر تاريخ النظام الشمسي. ومع ذلك، فإن مسبار نيو هورايزنز تمكّن من التقاط صور لا تمثّل سوى ربع سطح بلوتو. لذلك قد لا تمثل السمات التكتونية التي شاهدها العلماء تمثّل سطح الكوكب القزم بأكمله».
ولكن إذا كانت بداية بلوتو ساخنة بالفعل، فمن المحتمل أن تكون العديد من الأجسام الأخرى في حزام كويبر -حلقة الأجسام الجليدية خارج مدار نبتون- قد تكونت بنفس الطريقة، وربما تكون أيضاً قد طورت محيطات سائلة -بسرعةٍ إلى حد ما- على نحوٍ مماثل. وكان من شأن هذه العملية أن تؤثر في إمكانية أن تكون هذه الأجسام صالحة للحياة. وبمرور الوقت، كان المحيط السائل قد تفاعل كيميائياً مع الصخور تحته. مع ذلك، يبقى سؤال دون إجابة: هل من الممكن أن يؤدي ذلك إلى تشكل عناصر كيميائية مناسبة للحياة؟
يقول بيرسون: «يمنحنا تاريخ بلوتو الآن فرصة للتفكير في أماكن أخرى للبيئات التي قد توجد فيها الحياة، لكننا بحاجة إلى معرفة المزيد حول متطلبات تطوير الحياة والحفاظ عليها لنقول بثقة أن نوعاً من الحياة كان ليوجد على بلوتو».