تلسكوب جيمس ويب الفضائي يكتشف كوكباً خارجياً جديداً أكبر من كوكب المشتري

5 دقيقة
تصور فني لكوكب غازي عملاق بارد يدور حول قزم أحمر. لا تظهر سوى نقطة ضوء في الصور التي التقطها تلسكوب جيمس ويب باستخدام الأداة ميري (MIRI). على الرغم من ذلك، تشير التحليلات الأولية إلى وجود كوكب غازي قد يملك خصائص مشابهة لكوكب المشتري.

في دراسة جديدة نشرتها مجلة نيتشر (Nature) في 24 يوليو/تموز 2024، أعلن فريق مكوّن من 19 عالماً من أنحاء العالم كافة عن اكتشاف كوكب خارجي فائق العملقة جديد يدور حول النجم إبسيلون إندي أيه (Eps Ind A)، ورصد تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST) هذا الكوكب الذي يحمل اسم "إبسيلون إندي أيه بي" (Eps Ind Ab) وتبلغ كتلته 6 أضعاف من كتلة كوكب المشتري على الأقل. هذا الكوكب الجديد هو أبرد كوكب خارجي يصوره العلماء مباشرة حتى الآن؛ إذ تبلغ درجة حرارته نحو 553- درجة مئوية.

وفقاً للمؤلفة المشاركة في الدراسة وباحثة ما بعد الدكتوراة في معهد ماكس بلانك لعلم الفلك، إليزابيث ماثيوز، رصد الكواكب الفائقة العملقة الباردة مثل كوكب إبسيلون إندي أيه بي صعب لأنها خافتة؛ إذ إن معظم الضوء المنبعث منها يقع في نطاق الأشعة تحت الحمراء المتوسطة للطيف الكهرطيسي. دراسة الأشعة تحت الحمراء المتوسطة من الأرض صعب، ما يجعل كلاً من تلسكوب جيمس ويب ومعداته وكاميراته المصممة لدراسة هذا الجزء من الطيف الكهرطيسي حاسماً في الاكتشاف الجديد.

تقول ماثيوز: "قبل تلسكوب جيمس ويب، لم يكن لدينا تلسكوب كبير بما يكفي للتمييز مكانياً بين الكوكب والنجم، وحساس بدرجة كافية لتحسس الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء المتوسطة".

استنتج العلماء وجود كوكب عملاق يدور حول النجم إبسيلون إندي أيه أول مرة في عام 2019، ووضعوا المزيد من التنبؤات حول خصائصه في ورقتين بحثيتين جرى نشرهما في شهرَي فبراير/شباط ويوليو/تموز في عام 2023. مع ذلك، عندما درس فريق الدراسة الجديدة البيانات الواردة من تلسكوب جيمس ويب، اكتشفوا وجود كوكب مختلف تماماً عمّا كانوا يتوقعونه.

اقرأ أيضاً: تلسكوب جيمس ويب الفضائي يكتشف أولى المجرات في الكون

إبسيلون إندي أيه بي: اكتشاف مهم لتلسكوب جيمس ويب الفضائي

تبيّن أن الكوكب إبسيلون إندي أيه أكبر وأبعد عن نجمه مما اعتقد العلماء سابقاً. مع ذلك، خلق هذا الاكتشاف ألغازاً أخرى، فالكوكب شديد السطوع في أطوال موجات الأشعة تحت الحمراء المتوسطة التي رصده تلسكوب جيمس ويب فيها. هذا الكوكب ساطع لدرجة أن ماثيوز قالت: "فوجئنا بأن العلماء لم يتمكنوا من رصد الكوكب الجديد من الأرض". تتنبأ أغلبية النماذج بأن الكوكب الذي يكون ساطعاً في هذه الأطوال الموجية، مثل كوكب إبسيلون إندي أيه بي، سيكون ساطعاً أيضاً في أطوال موجية أخرى، وتحديداً في الطول الموجي الذي درس فيه العلماء مسبقاً النظام النجمي إبسيلون إندي أيه بالتفصيل.

لم تؤد عمليات الرصد هذه إلى اكتشاف كوكب إبسيلون إندي أيه بي، ما يشير إلى أنه ليس ساطعاً في الواقع في الطول الموجي البالغ 4 ميكرومترات. يعتقد الفريق أن هذا ربما ناجم عن غنى الغلاف الجوي للكوكب بالمركّبات التي تمتص الضوء في نطاق 4 ميكرومترات. وتعتقد ماثيوز أن الغازات مثل أول أوكسيد الكربون وثاني أوكسيد الكربون، بالإضافة إلى غاز الميثان، قد تؤدي دوراً بالغ الأهمية في النموذج التي توصل إليه مؤلفو الدراسة الجديدة. إذا كانت هذه الفرضية صحيحة، فهذا يعني أن الكوكب غني على نحو غير متوقع بمثل هذه المركبات، ما يؤدي بدوره إلى طرح المزيد من الأسئلة حول كيفية تشكّله.

تقول ماثيوز: "التوصل إلى نموذج يفسر كيفية تشكل الكوكب مع وجود هذا الكم الكبير من العناصر الثقيلة صعب نوعاً ما".

على الرغم من ذلك، فإنها تشير إلى أن العلماء بحاجة إلى جمع المزيد من البيانات قبل تأكيد الفرضية حول وجود هذه العناصر. يأمل الفريق في فحص الغلاف الجوي للكوكب باستخدام أجهزة التحليل الطيفي في تلسكوب جيمس ويب، ما سيتيح لهم قياس التركيب الكيميائي للغلاف الجوي مباشر.

تبيّن أن النجم "إبسيلون إندي أيه" كان أكبر وأبعد عن نجمه مما كان يعتقده العلماء سابقاً. ومع ذلك، فقد طرح هذا الاكتشاف ألغازاً أخرى، فالكوكب شديد السطوع في أطوال موجات الأشعة تحت الحمراء المتوسطة التي فحصها تلسكوب جيمس ويب. تقول ماثيوز: "على الرغم من سطوعه الشديد، فإننا لم نتمكن من رصده من الأرض، ما أثار دهشتنا بالفعل". يتوقع معظم النماذج أن الكوكب الذي يكون ساطعاً في هذه الأطوال الموجية، مثل كوكب "إبسيلون إندي أيه بي"، سيكون ساطعاً أيضاً في أطوال موجية أخرى، وتحديداً في طول موجي درس فيه العلماء مسبّقاً النظام النجمي "إبسيلون إندي أيه" بالتفصيل.

اقرأ أيضاً: شاهد صورة جديدة من تلسكوب جيمس ويب الفضائي لسديم مذهل

وجود محتمل لعناصر ثقيلة في الغلاف الجوي للكوكب

لم تكتشف عمليات الرصد كوكب "إبسيلون إندي أيه بي"، ما يشير إلى أنه ليس ساطعاً في الواقع في الطول الموجي 4 ميكرومتر. يعتقد الفريق أن هذا قد يكون بسبب غنى الغلاف الجوي للكوكب بالمركّبات التي تمتص الضوء في نطاق 4 ميكرومتر. تعتقد ماثيوز أن وجود كميات كبيرة من غازات أول أوكسيد الكربون وثاني أوكسيد الكربون، بالإضافة إلى غاز الميثان، قد تكون عاملاً رئيسياً يفسر ذلك أيضاً. إذا كانت هذه النظرية صحيحة، فهذا يعني أن الكوكب غني على نحو غير متوقع بمثل هذه المركبات، ما يؤدي بدوره إلى طرح مزيد من الأسئلة حول كيفية تشكّله.

تقول ماثيوز: "من الصعب تقريباً التوصل إلى نموذج يفسر كيفية تشكل الكوكب مع وجود هذا الكم الكبير من العناصر الثقيلة".

على الرغم من ذلك، فإنها تشير إلى أن النظرية المتعلقة بوجود هذه العناصر تحتاج إلى مزيد من البيانات قبل تأكيدها. يأمل الفريق فحص الغلاف الجوي للكوكب باستخدام أجهزة التحليل الطيفي في تلسكوب جيمس ويب، ما سيسمح بالقياس المباشر لتركيبة الغلاف الجوي للكوكب.

تلخص الصورة عمليات الرصد التي أجراها تلسكوب جيمس ويب باستخدام كاميرا ميري (MIRI) للتصوير الفلكي للأشعة تحت الحمراء المتوسطة، التي أدت إلى إعادة اكتشاف الكوكب "إبسيلون إندي أيه بي". تُظهر الأجزاء المضمنة نسخاً مقربة من الصور التي حصل عليها العلماء باستخدام الأداة ميري (MIRI) في الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء المتوسطة 10.65 ميكرومتر (يساراً) و15.55 ميكرومتر (يميناً)، والتي تصور المنطقة المحيطة بالنجم "إبسيلون إندي أيه"، الذي تشير رموز النجوم إلى موقعه. يحجب جهاز مرسام الإكليل الشمسي (coronagraph) ضوء النجم القوي، الذي يمكن أن يعوق الرؤية الواضحة للكوكب في كلتا الصورتين. وبالتالي، تمكن رؤية جسم جديد في أعلى اليسار. هذا الجسم هو الكوكب الخارجي "إبسيلون إندي أيه بي". استخدم العلماء بيانات مسح السماء التي جمعها برنامج "أول وايز" (AllWISE) لإنشاء الخلفية في الصورة التي نراها. حقوق الصورة: توماس مولر، معهد ماكس بلانك لعلم الفلك/ مركز هاوس دير أسترونومي (HdA)، إليزابيث ماثيوز، معهد ماكس بلانك لعلم الفلك

من المتوقع أن يكون كوكب إبسيلون إندي أيه بي موضوعاً للدراسة المكثفة في المستقبل. ثمة أسئلة بارزة حول الكوكب تتعلق بالتركيب الكيميائي لغلافه الجوي وعملية تشكّله، لكنه في الحقيقة يوفر فرصة لإجراء عمليات رصد مباشرة لفئة نادرة نسبياً من الكواكب الخارجية، وبالتالي فهو مصدر ممتاز للبيانات الواقعية التي يمكن للعلماء اختبار نماذجهم النظرية على أساسها.

فرصة لاختبار نموذج التطور الحراري للكواكب

تقول ماثيوز: "في علم الفلك، نستطيع غالباً قياس سطوع النجوم والأقزام البنيّة والكواكب فقط، لكننا نرغب غالباً في استنتاج كتل تلك الأجسام بناءً على سطوعها".

يطوّر العلماء نماذج لربط السطوع بالكتلة لتحقيق ذلك. تحاكي هذه النماذج تشكّل هذه الأجسام وتطورها، ووفر كوكب إبسيلون إندي أيه بي للعلماء فرصة أولى لاختبار نموذج التطور الحراري في نطاق درجات الحرارة المنخفضة. تشير الورقة البحثية إلى أن النتائج كانت مشجعة؛ إذ تتوافق درجة الحرارة المثلى للكوكب مع النماذج النظرية للتطور الحراري.

اقرأ أيضاً: بفضل منظار جيمس ويب الفضائي: العثور على دليل لوجود الماء ضمن الغلاف الجوي لكوكب عملاق غازي

أخيراً، يرتبط الكوكب الجديد ونجمه الأم ثقالياً بما يصفه الفريق بأنه "نظام قزم بني ثنائي متباعد". تشير ماثيوز إلى أن القزمين البنيين تشكّلا على الأرجح من المادة نفسها التي تشكّل منها كل من كوكب إبسيلون إندي أيه بي ونجمه الأم، وفي الوقت ذاته. تقول ماثيوز إن احتمالية اشتراك الأجسام الأربعة في أصل واحد يجعل دراسة النظامين "مهمة للغاية لاختبار نماذج التشكّل والتطور".

يبشّر تلسكوب جيمس ويب بتوفير المزيد من المعلومات في هذا المجال أيضاً؛ إذ من المقرر إجراء عمليات رصد للقزمين البنيين ستتيح للفريق مقارنة الخصائص الكيميائية لغلافيهما الجويين مع الخصائص الكيميائية للغلاف الجوي لكوكب إبسيلون إندي أيه بي.