كيف ألهم عصر الفضاء التصاميم؟

7 دقيقة
تصاميم مستلهمة من عصر الفضاء
طائرة كولبتر. عدد مايو/أيار من بوبساي عام 1955.

في الخمسينيات من القرن الماضي، استوحت الهندسة المعمارية والسيارات والأدوات تصاميمها من المركبات الفضائية إلى حدّ مثير للفضول، فصُنعت السيارات مع زعانف خلفية كتلك التي امتلكتها مركبات الفضاء، وظهرت السطوح التي اتخذت شكل قطعٍ مكافئ والمائلة على المباني، وأصبحت الشعارات تحتوي على الشهب وأشكال الأقمار الصناعية، في حين أصبحت الأشكال المضلعة والأجنحة والأشكال الغريبة هي الأشكال الشائعة لإشارات الفنادق والمطاعم. بالنظر إلى الماضي، تبدو هذه التصميمات غريبة بعض الشيء، لكنها مع ذلك تعكس ثقة المجتمع في خمسينيات القرن الماضي بمستقبل أميركا كدولةٍ ذات مستقبلٍ باهرٍ في مجال الفضاء والازدهار الاقتصادي.

في حين ينسب المؤرخون بداية عصر الفضاء إلى إطلاق سبوتنيك عام 1957، إلا أن افتتاننا بالسفر إلى الفضاء بدأ قبل ذلك بكثير، حيث استعارت القصص المصورة والبرامج التلفزيونية والأثاث مكوناتها من الخيال العلمي، بينما جذبت الشركات العملاء من خلال دمج عناصر مستقبلية في مبانيها. لقد حفّز الاتجاه نحو استخدام العناصر الجمالية لعصر الفضاء حماسنا للمستقبل واستغلّه على أكمل وجه، ما دفع المجتمع للتحول السريع نحو المنتجات الاستهلاكية والتحول أكثر نحو المادية.

ربما هُدمت الكثير من المباني التي تعود إلى عصر الفضاء، لأن تصاميم تلك الأيام لم تعد تواكب التقدم، ولكن يكاد يكون من المستحيل تجنّب فن «عمارة كوجي» في أرشيفنا. ولأننا مجلةٌ علمية وشعبية، كان علينا تغطية ذلك العصر بحماسة. نبدأ بعرض أرشيفنا من الصور بدايةً من عام 1951، حيث نشرنا تصميمات سيارات الأحلام التي صممها موظفو شركة فورد، والتي بدت جميعها وكأنها نصف صاروخ ونصف سيارة؛ ولسوء الحظ، لم يصل أي تصميم منها إلى خط الإنتاج. ولكن كان هناك أيضاً المزيد من الأخبار الممتعة؛ فقد ظهرت أجهزة التلفزيون الدوارة التي أعطت غرف المعيشة جواً في المنزل أشبه بأجواء مسلسل الرسوم المتحركة الذي تدور أحداثه في عصر الفضاء «ذي جتسونز»، وظهرت هواتف الفيديو البيضوية لأول مرة في نيويورك، وقام مهندس فن عمارة الكوجي الشهير «جون لانتر» بتصميم وبناء مبنى «كيموسفير» الثماني أعلى وادي سان فرناندو.

اقرأ أيضاً: سياحة الفضاء جاهزة: نجاح رحلة مأهولة نحو حافة الغلاف الجوي

تصاميم سيارات مستلهمة من عصر الفضاء

على الرغم من حماسنا الشديد، علمنا أنه قد نحتاج بعض الوقت لكي تصبح الرحلات الفضائية التجارية متاحة. لكن ذلك لم يكن مهماً، لقد كان لدينا الكثير من المباني على شكل صحون طائرة والسيارات الفضائية الطراز لإبقائنا متفائلين في ذلك الوقت.

تصاميم مستلهمة من عصر الفضاء
سيارات الأحلام. عدد فبراير/شباط من بوبساي عام 1951.

على الرغم من أن المؤرخين المعاصرين يعتبرون إطلاق سبوتنيك عام 1957 بداية عصر الفضاء، لكن يمكننا تتبع أثر جمالياته قبل ذلك الوقت بعقد من الزمن على الأقل، وتحديداً عندما دخلت المركبات الصاروخية والسفر إلى الفضاء والطاقة النووية إلى الوعي العام. لم يتم مطلقاً إنتاج سيارات الأحلام هذه التي صممها استوديو التصميم المتطور لدى شركة فورد، ولكنها تشتمل على العديد من خصائص التصميم المميزة لعصر الفضاء، مثل الزعانف والحواف المنحنية والجسم الانسيابي وغطاء محرك السيارة. لقد توقعنا أن تشق هذه التصاميم الفريدة طريقها إلى خطوط إنتاج السيارات لاحقاً، وفي الستينيات على أبعد تقدير.

تصاميم مستلهمة من عصر الفضاء
طائرة كولبتر. عدد مايو/أيار من بوبساي عام 1955.

ربما لم يكن الغرض من تصميم مركبة «كولبتر» القيام برحلات الفضاء، لكن هذا التصميم الملون الذي ابتكرته مجموعة من الباحثين الفرنسيين والألمان (الصورة أعلاه) يعكس تفاؤلاً واضحاً في الخمسينيات من القرن الماضي بشأن مستقبل استكشاف الفضاء. بدلاً من استخدام الأجنحة، كان لدى كولبتر امتداد دائري بمثابة الجزء الخارجي من المحرك النفاث، والذي يساعد الطائرة على الطيران بشكل أفقي والصعود والهبوط عمودياً. ترتفع المركبة أثناء الإقلاع عمودياً مثل الصاروخ قبل أن تعدل وضعيتها وتبدأ بالطيران بشكلٍ أفقي، بينما تعدل وضعيتها مجدداً لتهبط بشكل عمودي.

توصل الباحثون إلى أربعة نماذج يمكن استخدامها في أوقات السلم أو القتال. صاروخٌ موجّه سُمي «الغول»، وطائرة اعتراضية دون طيار، وطائرة خفيفة للهجوم على الأهداف الأرضية، وطائرة خاصة بثلاثة مقاعد.

اقرأ أيضاً: برانسون طار في الفضاء: إليكم الفصل الأول من رحلات السياحة الفضائية

التلفزيونات

تصاميم مستلهمة من عصر الفضاء
تلفاز المستقبل. عدد أغسطس/ آب من بوبساي عام 1958.

في الصورة، جهاز تلفزيون المستقبل، طراز فيليكو 1958، والذي يتميز بشاشةٍ بيضوية الشكل محمولة على محورٍ دوار، حيث يبدو وكأنه مستوحىً من مسلسل الرسوم المتحركة «ذي جيتسونز». بغض النظر عن مظهره، فإن الشيء المميز في هذا الجهاز الذي يجعله مُبتكراً هو أنه لم يكن محصوراً داخل إطارٍ من الأثاث.

لعدة سنوات، كافح المصنعون عبثاً لإقناع الجمهور بشراء طرازات جديدة، لكن المستهلكين لم يجدوا أي سبب للتخلي عن أجهزة التلفزيون التقليدية. إلى أن أدرك مصممو الشركة أنهم بحاجة إلى تجديد مظهر التلفزيون من أجل زيادة المبيعات. برز تصميم تلفزيون فيلكو بقياس 21 بوصة كأحد أكثر التصاميم نجاحاً في السوق بعد أن نجح بتقليص طول أنبوب الأشعة المهبطية بدرجةٍ كافية بحيث يمكن استيعابه ضمن المكونات الداخلية للتلفزيون. لم يكن هذا التلفزيون قابلاً للحمل وحسب (كان يحتوي على مقبضٍ للحمل)، بل لم يحتوِ أيضاً على هوائيات «أذن الأرنب» التي عفا عليها الزمن. على عكس طرازات تلفزيونات الخزائن الضخمة، يمكن وضع هذا الجهاز في أي مكان في الغرفة للسماح بزاوية عرض مثالية.

بدلات عمل في المصانع كالبدلات الفضائية

تصاميم مستلهمة من عصر الفضاء
بدلات فضائية لعمال المصانع. عدد مايو/أيار من بوبساي عام 1959.

على الرغم من أن بدلات عمال المصانع هؤلاء لا تتطابق مع السمات الجمالية المميزة لعصر الفضاء، لكنها تشبه إلى حد كبير تصميم بدلة الفضاء في أواخر الخمسينيات. في الواقع، لقد أشرنا إلى تشابه بدلات هؤلاء العمال ببدلات الفضاء في عنوان المقالة التي تصفهم، قائلين بأن العمال سيرتدون بدلاتٍ فضائية في بيئةٍ تشوبها الغازات (والتي يمكن أن تكون كوكباً معادياً مثلاً). يظهر في الصورة مصنعٌ جديد تبلغ تكلفته 3 ملايين دولار لصنع أشباه الموصلات الدقيقة، حيث يكون الجو داخله مشبعاً بغاز الأرجون لحماية المعادن المقاومة للصهر مثل الموليبدينيوم من التلف بسبب الأوكسجين أثناء عملية التصنيع.

سيكون تركيز الأرجون عالياً في المصنع إلى درجةٍ كبيرة، بحيث حتى لو انكسر المصباح الكهربائي داخل الغرفة، سيبقى متوهجاً. لذلك كان العمل في بيئة مصنع المعادن هذا خطراً جداً، فإذا حدث أي خللٍ في منظومة تزويد الأوكسجين للعامل، فقد يعيش دقيقة أو دقيقتين، عاجزاً كما لو كان في الفضاء أو تحت الماء دون أوكسجين.

اقرأ أيضاً: تمرّن كرائد فضاء: الهيئة السعودية للفضاء تطلق مبادرةً لتأهيل رواد الفضاء

نمط كوجي المعماري المستلهم من التصاميم الفضائية

تصاميم مستلهمة من عصر الفضاء
مدينة الأولاد في عصر الفضاء. عدد أكتوبر/تشرين الأول من بوبساي عام 1959.

من الواضح أن المستقبل بدا إلى حد كبير شبيهاً بمدينةٍ فاضلة في الخمسينيات من القرن الماضي، ويتجسد فن العمارة في عصر الفضاء، والذي يُطلق عليه أيضاً «نمط كوجي»، في هذا التصميم الذي مولته المنظمة الشبابية «Boys’ Club of America». لم يكن هذا تصميماً عادياً، كان أشبه بمكانٍ فخم للأجيال القادمة التي ستعتمد على الرادار والطاقة الشمسية والبطاريات الذرية ومحركات المركبات الفضائية. يحتوي التصميم على منطقة عمل للطائرات ومتاجر ومصانع تلفزيونات ومخابر رادار وملعب كرة قدم بسقفٍ بلاستيكي قابلٍ للطي وبرج مراقبة، بالإضافة إلى مرافق أخرى تقليدية. ربما نتساءل اليوم عما إذا كان مصممو تلك المدينة سيصابون بخيبة أمل كبيرة عندما يرون أطفال اليوم مشغولون جداً بألعاب الفيديو ويتعذر عليهم التعامل مع الرادارات والطائرات.

تصاميم مستلهمة من عصر الفضاء
بناء كيموسفير. عدد أبريل/نيسان من بوبساي عام 1961.

قام جون لانتر، أحد أشهر مصممي فن عمارة كوجي، بتشييد بناء «كيموسفير» في لوس أنجلوس لإظهار كيف كان من الممكن إنشاء منزلٍ في مكانٍ منحدر شديد الوعورة وغير صالحٍ للسكن قبالة طريق مولهولاند. يحتوي البناء المثمن الأضلاع على 10 غرفٍ وحمامين ولا يمكن الوصول إليه إلا عن طريق مسارٍ جبلي مائل. ونظراً لأنه مبني على منحدرٍ شديد، فإن الهيكل بأكمله مدعوم بعمودٍ خرساني بطول 6 أمتار يستند بدوره على أرضٍ خرسانية. ألهم المنزل العديد من أفلام الخيال العلمي والبرامج التلفزيونية، مثل «ملائكة تشارلي» و«مفقود في الفضاء»، ويعتبر أيضاً معلماً تاريخياً ثقافياً في لوس أنجلوس.

ماذا عن الحملات الإعلانية؟

تصاميم مستلهمة من عصر الفضاء
إعلان جامعة ديفري في دورية بوبيولار ساينس. عدد فبراير/شباط من بوبساي عام 1964.

لاقت إعلانات جامعة «ديفري» الترويجية لمناهج الإلكترونيات نجاحاً باهراً، وكي نكون صادقين، فإننا لن نمانع استخدامهم صور الفضاء في حملاتهم الدعائية اليوم مجدداً لو تم نشرها في بوبيولار ساينس. كان الإعلان يقول: «مثل مكوك الفضاء، يمكن لجامعة ديفري مساعدة الشباب على تحقيق طموحهم والوصول إلى عوالم جديدة مثيرة».

اقرأ أيضاً: نعرف طريق الفضاء جيداً: رحلة الأقمار الصناعية في الوطن العربي

مكالمات الفيديو: سبقت اختراع الهواتف المحمولة

تصاميم مستلهمة من عصر الفضاء
هاتف الفيديو. عدد ديسمبر/ كانون الأول من بوبساي عام 1965.

يعد هاتف الفيديو أشهر التقنيات التي تم توقعها للمستقبل في الماضي، حيث ظهر في أفلام الخيال العلمي الكلاسيكية والبرامج التلفزيونية، مثل فيلم «ميتروبوليس» عام 1927، فيلم «2001، سبيس أوديسي» عام 1968، وبالطبع، مسلسل الرسوم المتحركة «ذي جيتسونز». عرضت شركة «AT&T» أول هاتف فيديو عام 1964 في معرض نيويورك العالمي، ما أعطى لرواد المعرض (مثل محرر دورية بوبيولار ساينس الذي يظهر في الصورة على اليسار) الفرصة لإجراء مكالمات الفيديو على هذا الجهاز البيضوي الشكل. في وقت لاحق من ذلك العام، قامت «إي تي آند تي» بتركيب أول وحدة اتصالٍ مرئية، «مود آي»، في كابينات الاتصال العمومية عبر البلاد، ولكن نظراً لارتفاع تكلفة مكالمات الفيديو حينها، قل انتشار هذه التقنية كثيراً.

بداية السيارات ذاتية القيادة

تصاميم مستلهمة من عصر الفضاء
سيارة أوربموبيل المذهلة. عدد أكتوبر/ تشرين الأول من بوبساي عام 1967.

يمكن أن يكون التنقل عملاً روتينياً مملاً، وتوقع مخططو المدن أن تزداد الأمور سوءاً مع ازدياد الازدحام في المدن، لذلك ابتكروا مركبة «أوربموبيل»، والتي تجمع بين القيادة للعمل ووسائل النقل العام المحلية. ما عليك سوى طلب رمزٍ على هاتفك وانتظار وصول السيارة ذاتية القيادة إلى أقرب محطةٍ إليك. لن يكون عليك سوى تحديد وجهتك وتشغيل التلفزيون، واترك الباقي على أوربموبيل. ستسير السيارة أحياناً على طريقٍ موجه (أو مسار خاص)، وتنتقل أحياناً أخرى إلى طريقٍ عادي. 

على الرغم من أن كلفة إقامة البنية التحتية اللازمة لهذه المركبات وصيانتها باهظة، إلا أنها كانت على الأرجح ستقلل حركة المرور إلى الحد الأدنى من خلال التخلص من الحاجة إلى مركبات إضافية وتسهيل وقوف السيارات على جانب الطريق، وفي نفس الوقت، تلبية احتياجات الركاب للنقل السريع والمريح. لم يكن بناء ذلك النظام يحتاج ابتكاراتٍ تكنولوجية، فقط ميزانية كبيرة واستعداد الناس لتعديل عادات سفرهم. كانت السيارات ستسير بسرعة 100 كم في الساعة بأمان على المسار الموجه، وبسرعة 65 كم على الطرق العامة. وكفائدةٍ إضافية، ستلغي المحركات الكهربائية الحاجة إلى الوقود، وبالتالي تجنب المزيد من التلوث من السيارات.

اقرأ أيضا: وكالة ناسا تنفق الكثير على رحلات الفضاء التجارية

السينما في عصر الفضاء

تصاميم مستلهمة من عصر الفضاء
فيلم 2001: A Space Odyssey. عدد يونيو/حزيران من بوبساي عام 1968.

لم يؤدي عصر الفضاء إلى تشكيل الهندسة المعمارية وتصميم السيارات والأدوات وحسب، بل كان له أيضاً تأثير عميق على ثقافة البوب ​​الأميركية. على الرغم من أن أفلاماً مثل «The Day the Earth Stood Still» عام 1951، وفيلم «It Came From Outer Space» عام 1953 و«Invasion of the Body Snatchers» عام 1956، قد أصبحت قديمةً بعض الشيء، إلا أن فيلم عام 1968«2001: A Space Odessy» للمخرج ستانلي كوبريك يُعتبر الآن أحد أعظم الأفلام التي تم إنتاجها. بعد شهرين من صدوره، نشرنا مقالاًتناول كيفية استخدام كوبريك حيل الكاميرا والحقائق العلمية لصياغة تصويرٍ مقنع للسفر إلى الفضاء في المستقبل.

بهدف ضمان الدقة العلمية لفيلمه، استعان المخرج والكاتب آرثر سي كلارك بمستشارين من برنامج ناسا «فوياجر» وعلماء من مركز مارشال لرحلات الفضاء التابع لناسا. وهكذا، وعلى عكس الأفلام الأخرى في تلك الفترة، أظهر فيلمه الفضاء الخارجي كمكانٍ صامت، وليس كمنطقة ساخنة تكثر فيها الانفجارات التي تصم الآذان. افتقرت الحياة داخل السفن الفضائية في الفيلم للجاذبية كما هو الحال في الواقع، بينما يتوافق تصميم السفينة الفعلي مع هندسة الطيران بدلاً من استخدامها الجماليات "المستقبلية" البعيدة عن الواقع.

المحتوى محمي