كان هال ليفيسون (Hal Levison) يخطط لأخذ قيلولة عندما وصله الخبر السيئ.
أقلعت مركبة لوسي التابعة لوكالة ناسا إلى الفضاء في الساعة الخامسة والنصف صباحاً في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2021. لذلك كان ليفيسون وفريقه مستيقظين طوال الليل. يتذكر ليفيسون أن إطلاق الصاروخ الذي حمل مركبة لوسي كان رائعاً ومثالياً. ليفيسون هو الباحث الرئيسي في مهمة لوسي والذي يعمل في معهد البحث الجنوب غربي (Southwest Research Institute) في مدينة بولدر في ولاية كولورادو الأميركية. مضت المركبة بعد إطلاقها في طريقها إلى الكويكبات الطرواديّة، وهي بقايا قديمة من تشكّل المجموعة الشمسية تتخذ مداراً حول الشمس قريباً من مدار كوكب المشتري. يمكن أن تساعد دراسة هذه الصخور الفضائية التي يُعتقد أنها تشكّلت نتيجة لنفس العملية التي تسببت بتشكّل الكواكب في اكتشاف الطريقة التي تشكّل بها كوكب الأرض.
لكن بعد بضع ساعات من الإطلاق، تلقّى فريق المهمة بيانات من مركبة لوسي تبيّن أن إحدى منظومات الطاقة الشمسية الخاصة بها، والتي تزود أنظمة المركبة بالطاقة، لم تفتح بالكامل. دون فتح المنظومتين معاً، لم يكن الفريق متأكداً من أن المركبة ستتمكن من الوصول إلى وجهتها المحددة.
يقول ليفيسون: "كانت المهمة الأساسية معرّضة للخطر". لم يكن هناك وقت لأخذ قيلولة، ويضيف ليفيسون: "كان ذلك اليوم شاقّاً للغاية".
اقرأ أيضاً: طائرة جديدة من ناسا تعيد لتجربة الطيران فوق المريخ مرحها
البحث عن سبب المشكلة
بدأ الفريق بالعمل لاكتشاف الخطأ الذي وقع وإيجاد حل للمشكلة. وبعد أشهر من تدقيق البيانات واختبار الأفكار على النماذج الحاسوبية وقطع الغيار المتوفرة وأخذ تغيير هدف المهمة العلمية بعين الاعتبار، توصّل فريق مهمة لوسي إلى خطة وبدأ بتطبيقها في وقت سابق من صيف 2022. الآن، أصبحت منظومة الطاقة الشمسية الخاصة بمركبة لوسي مفتوحة بالكامل تقريباً، وبما يكفي لإكمال المهمة وفق المخطط الأساسي.
يقول ليفيسون: "أصبحت المركبة في حالة أفضل بكثير"، ويصف الإنجاز الذي قام به مهندسو فريق المهمة بأنه "رائع وذكي للغاية".
عندما اكتشف مهندسو المهمة المشكلة، لم يعرفوا مباشرة ما الخطأ الذي وقع. بيّنت كل البيانات أن إحدى منظومات الطاقة الشمسية لم تفتح بشكل كامل وعلقت في مكانها. لم يتمكّن المهندسون من رؤية المركبة لأن كاميراتها كانت موجّهة بعيداً عن جسم المركبة. وكل المعلومات التي حصل عليها الفريق كانت من البيانات المتعلقة بأداء المركبة.
اقرأ أيضاً: في لعبة ناسا الجديدة: كن أنت التلسكوب الذي يبحث عن المادة المظلمة
تشبه منظومات مركبة لوسي الشمسية المراوح المنطوية الكبيرة. وعندما تم إطلاق هذه المركبة، تم طي هذه المنظومات. يتم استخدام محرّك موصول بحبل متصل بدوره بكل منظومة لفتح هذه المنظومات. بعد ذلك، وإذا تم فتح المنظومة بشكل كامل، يتم تثبيتها في مكانها باستخدام غلّاقة موجودة على حافتها.
يقول مارك إيفرتس (Mark Effertz)، مهندس المركبة الرئيسي في شركة لوكهيد مارتن (Lockheed Martin) التي ركّبت المركبة: "نعتقد أن ما حدث هو أنه في مرحلة ما في عملية فتح المنظومة، انحرف هذا الحبل عن موقعه وخرج من البكرة التي تسحبه تجاه جهاز التثبيت". يضيف إيفرتس أن الفريق لم يتلقَ أي بيانات تبين أن الحبل كان مجدولاً، ولكن المهندسين استنتجوا أنه "شكّل عقداً على جانبي البكرة أعاقت الحركة عندما كان يسحبه المحرك".
يقول إيفرتس إنه بتعرض مصدر الطاقة الأساسي للمركبة للخطر، أدرك المهندسون أن لديهم خيارين فقط. الأول هو إبقاء المركبة على حالها وتغيير مهمتها. والثاني هو الاستمرار بشد الحبل باستخدام المحرّك.
لو قرر الفريق ترك المنظومة الشمسية مفتوحة جزئياً، كان من المرجح أن يضطر الفريق العلمي لتوجيه المركبة في مسار يتطلب كمية أقل من الطاقة. وسيعني ذلك التخلي عن الهدف المتمثّل في الوصول إلى الكويكبات الطرواديّة الثمانية التي تم انتقاؤها بعناية.
اقرأ أيضاً: ناسا تعلن عن نيتها الجادة لدراسة الأجسام الطائرة المجهولة في محاولة لفهم ماهيتها
يقول إيفرتس إنه في هذه الحالة، ستتوجه المركبة إلى 3 كويكبات طروادية صغيرة أخرى تبعد مسافة أقل عنها. لم يلطّف ليفيسون رأيه بخصوص الخطة البديلة، إذ قال إن هذه الكويكبات "أقل إثارة للاهتمام بكثير من الناحية العلمية".
يعود ذلك إلى أن المسار الأساسي سيوجّه مركبة لوسي إلى مجموعة متنوعة للغاية من الكويكبات. تتألف هذه المجموعة من كويكبات مختلفة الأحجام والألوان من الرمادي إلى الأحمر. كما أن هذه الكويكبات قريبة من بعضها، ما يتيح للمركبة دراسة أكثر من كويكب في الرحلة نفسها. إن تنوّع هذه الكويكبات هو ما أثار اهتمام ليفيسون وغيره لأنه يعني على الأرجح أن هذه الكويكبات تشكّلت في مناطق متباعدة في المجموعة الشمسية. ربما أتى بعضها من المناطق الخارجية في المجموعة الشمسية.
هدف مهمة لوسي
يفضّل ليفيسون استخدام مصطلح "الأحافير" لوصف هذه الكويكبات، حتى أنه أطلق تسمية لوسي على المهمة نسبة لأحفورة شهيرة تعود لأحد أشباه البشر وتحمل نفس الاسم ساعدت العلماء على فهم أسلاف البشر القدماء. يشرح ليفيسون أن هذه المهمة تهدف إلى توفير إجابات عن أسئلة تتعلق بأصولنا ولكن بطرق أخرى.
يقول ليفيسون: "لا تتشكّل الكواكب من العدم"، ويضيف: "إذ أن الأنظمة الكوكبية تتشكل كجزء من نظام بيئي تتنافس فيه الكواكب النامية على الموارد. تدفع هذه الكواكب بعضها بتأثير الجاذبية وتتحرك في الأرجاء". الكويكبات الطرواديّة هي بقايا المكوّنات الأولية في تلك العملية التطورية، وبالتالي فهي يمكن أن تساعدنا على فهم أصولنا الكوكبيّة.
قرر الفريق أن المسار الأصلي للمهمة كان يستحق الإنقاذ ووضع أعضاؤه خطة لشد الحبل بقوة أكبر بقليل بهدف فتح المنظومة الشمسية العالقة بشكل كامل. تحتوي المركبة على محرّك احتياطي مدمج تمت إضافته تحسباً لفشل المحرك الأساسي في سحب الحبل.
اقرأ أيضاً: تكنولوجيا الأشرعة الشمسية الجديدة ستساعد علماء وكالة ناسا على رصد الشمس
يقول إيفرتس: "لم نصمم المحركين بطريقة تتيح لهما العمل بنفس الوقت. ولكن وجدنا أن هناك طريقة لجعل المركبة تفعل ذلك". يشرح إيفرتس قائلاً إن استخدام المحركين معاً بنفس الوقت يولّد ما يكفي من العزم لسحب الحبل. على الرغم من أن هذه المناورة لا تفك تشابك الحبل، فإنها تتيح لف طول أكبر منه حول البكرة وفوق العقدة، ما يتسبب بفتح المنظومة وتطبيق توتّر على الحبل.
يقدّر الفريق أن المنظومة الشمسية الخاصة بمركبة لوسي أصبحت مفتوحة بشكل كامل تقريباً، إلا أنها لم تُثبّت في مكانها باستخدام الغلّاقة. يبدو أن وضع المنظومة الحالي يتيح لها توليد ما يكفي من الطاقة لإيصال مركبة لوسي إلى الكويكبات الطراودية حسب الخطة الأصلية.
لا يزال المهندسون يأخذون بعين الاعتبار سحب الحبل أكثر أملاً بتثبيت المنظومة في مكانها. لكن يقول إيفيرتس إن هذا قد يكون خطيراً. إذ إن العقدة في الحبل ستزداد حجماً، ما يمكن أن يجعلها تحتك بجسم المركبة وتتسبب بمشكلات أخرى. يضيف إيفيرتس قائلاً إنه لا يزال أمام أعضاء الفريق ما يكفي من الوقت لاتخاذ قرار بشأن ذلك. إذ إن المركبة موجودة حالياً في منطقة لا تسمح للفريق باستخدام الهوائي لتحميل البيانات الضرورية. لذلك، لن يتم إجراء أي تعديلات قبل شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2022.