قضاء وقت طويل في الفضاء ليس عديم الضرر بجسم الإنسان تماماً؛ إذ إن العوامل مثل الإشعاع وتغير الجاذبية ونقص النوم لها تأثير سلبي في رواد الفضاء، حتى إن بعضهم يدخل إلى المستشفى بعد العودة إلى الأرض. يمكن أن يؤدي ارتكاب الأخطاء البسيطة في الفضاء إلى عواقب كارثية، لذلك فإن تحديد تأثير هذه الضغوط في الأداء الإدراكي لرواد الفضاء ضروري.
في دراسة جديدة نشرتها مجلة آفاق في الفيزيولوجيا (Frontiers in Physiology) بتاريخ 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 تتبع الباحثون الحالة الصحية لـ 25 رائد فضاء في المدار الأرضي المنخفض على متن محطة الفضاء الدولية. اختبر فريق من وكالة ناسا رواد الفضاء في مجموعة واسعة من المهام الإدراكية لتحديد تأثير العوامل السابقة الذكر في الأداء الإدراكي، ولم يلحظ أثراً كبيراً لها لحسن الحظ. مع ذلك، كانت استجابات المشاركين أبطأ مقارنة بما قد تكون عليه على الأرض.
اقرأ أيضاً: لماذا يتدرب رواد الفضاء على الغوص قبل رحلاتهم الفضائية؟
6 أشهر في الفضاء لا تؤدي إلى الضعف الإدراكي
قالت المتخصصة في علم النفس العصبي السريري في مختبر الصحة السلوكية والأداء التابع لوكالة ناسا والمؤلفة المشاركة للدراسة، شينا ديف، في بيان صحفي: "بينت الدراسة أنه ليست هنالك أي أدلة على الضعف الإدراكي الشديد أو التراجع العصبي التنكسي لدى رواد الفضاء الذين قضوا 6 أشهر في محطة الفضاء الدولية.
خضع رواد الفضاء في الدراسة الجديدة إلى سلسلة من الاختبارات، وقاس الباحثون في كل اختبار سرعة المشاركين ودقتهم في 5 مراحل زمنية مختلفة، وهي مرحلة ما قبل المهمة ومرحلة الرحلة الفضائية المبكرة ومرحلة الرحلة الفضائية المتأخرة ومرحلة الأيام العشرة بعد الهبوط على الأرض ومرحلة الشهر الأول بعد الهبوط.
كانت استجابات رواد الفضاء للاختبارات التي قيّمت سرعة المعالجة لديهم وذاكرتهم العاملة وانتباههم أبطأ مما كانت عليه على الأرض. مع ذلك، لم تكن استجاباتهم أقل دقة، إضافة إلى أنها لم تظل بطيئة طويلاً.
قالت ديف: "على سبيل المثال، لم نلحظ تباطؤ الأداء في الانتباه إلا في وقت مبكر في أثناء المهمة، بينما لم يعد الأداء البطيء في سرعة المعالجة إلى مستوياته الأساسية إلا بعد انتهاء المهمة وعودة الطاقم إلى الأرض".
كان الأداء الإدراكي لرواد الفضاء مستقراً عموماً. لم يكتشف الفريق أي دليل يشير إلى حدوث تلف في الجهاز العصبي المركزي في أثناء المهمة الفضائية التي استمرت 6 أشهر.
تفاوت تأثر المجالات المعرفية
وفقاً للفريق، كانت بعض المجالات المعرفية أكثر عرضة للتأثر من غيره.
قالت ديف: "سرعة المعالجة والذاكرة العاملة والانتباه هي مجالات معرفية يمكن أن تشهد تغييرات مؤقتة عندما يكون الفرد تحت الضغط، حتى على الأرض. أما المجالات الأخرى مثل الذاكرة فهي أقل عرضة للضغوط. على سبيل المثال، إذا أجرى الفرد الكثير من النشاطات في يوم ما ولم يتمكن من الحصول على قسط كافٍ من النوم في الليلة السابقة، فقد يشعر بأن التركيز صعب أو أنه بحاجة إلى وقت أطول لإكمال المهام".
في حين أن رواد الفضاء يتعرضون لهذه الضغوط أيضاً، فإنهم عرضة لآثار الضغوط الإضافية الفريدة المرتبطة برحلات الفضاء.
قالت ديف: "لاحظنا أن المجالات الإدراكية الأكثر عرضة للضغوط في أثناء وجود رواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية هي المجالات نفسها الأكثر عرضة للضغوط على الأرض".
اقرأ أيضاً: رواد الفضاء يكشفون أسرار التكيُّف في محطة الفضاء الدولية: دراسة ميدانية فريدة
فهم أعمق لتغيرات الأداء الإدراكي
يمكن أن تساعد الأبحاث، مثل الدراسة الجديدة، وكالات الفضاء على التوصل إلى فهم أعمق للتغيرات في الأداء الإدراكي الأكثر احتمالية عندما يُجري البشر الرحلات عبر الأوساط التي تسودها الظروف القاسية. مع ذلك، لم تكشف الدراسة سبب التغيرات في الأداء ولم تحدد إذا ما تأثر الأداء التشغيلي لرواد الفضاء أم لا.
قالت ديف: "من المحتمل أيضاً أن رواد الفضاء كانوا قادرين على تعويض التراجع في الأداء وإتمام مهامهم بفعالية حتى في المجالات التي رصدنا التراجع فيها".
عندما يبدأ رواد الفضاء في المستقبل بالسفر إلى أعماق الفضاء نحو أماكن مثل المريخ، إذا تمكنوا من ذلك في المقام الأول، قد تساعد هذه البيانات من المدار الأرضي المنخفض على تحديد مستوى أساسي للأداء الإدراكي يمكن استخدامه للكشف عن التغيرات الإدراكية الناجمة عن زيادة التعرض للإشعاع والتأخير المطول في الاتصالات. تخطط وكالة ناسا لإرسال البشر إلى المريخ في وقت ما في العقد الثالث من القرن الجاري.