كيف ترسم الشمس سيناريو نهاية الحياة على الأرض؟

كيف ترسم الشمس سيناريو نهاية الحياة على الأرض؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ ImageBank4u
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لنفترض أن اصطدام كويكب كبير بسطح الأرض لن يحدث، وأن حرباً نووية لا تبقي ولا تذر لن تقع، لنفترض أننا استطعنا إيجاد الحلول المناسبة لكل الكوارث التي قد تنهي الحياة على كوكب الأرض، سواءً كان تغيّراً مناخياً أو فيروسات قاتلة أو كارثة طبيعية أو غيرها.

ومع ذلك، لا شيء يدوم إلى الأبد. فالأرض سوف تصبح يوماً ما غير قادرة على استضافة الحياة، والذنب قد لا يكون ذنب أحدٍ سوى ذنب الشمس نفسها التي لا يمكن للحياة أن تستمر لولاها، لمدة من الزمن على الأقل. على كل الأحوال، تعرّف كيف ستصبح الشمس أكبر تهديد للحياة على كوكب الأرض، ومتى سيحدث ذلك.

اقرأ أيضاً: انفجارات شمسية متوقعة في 2025 تهدد الأقمار الصناعية

متى ستطردنا الشمس من منطقتها الصالحة للحياة؟

“المنطقة الصالحة للحياة” (Habitable Zone)، هي المسافة التي تفصل ما بين الكوكب ونجمه على نحو يسمح بأن تتواجد المياه السائلة على سطح الكوكب. وهي منطقة ليست شديدة الحرارة ولا شديدة البرودة؛ وهذا يعني أن الكوكب يتلقى كمية مثالية من حرارة النجم الذي يدور حوله، بحيث لا يكون قريباً جداً منه، فتكون درجة حرارته مرتفعة جداً ويتبخر الماء، ولا بعيداً جداً عنه، فتكون درجة حرارته منخفضة جداً ويتجمد الماء.

قدّر العلماء عمر المنطقة الصالحة للسكن بالنسبة لكوكب الأرض بنحو 7.79 مليار عام، في حين يقدّر عمر كوكب الأرض اليوم بنحو 4.5 مليار عام. وفي زمنٍ ما في المستقبل يقدّر ما بين 1.75 إلى 3.25 مليار عام من الآن، فإن الأرض ستخرج من المنطقة الصالحة للحياة وتدخل إلى المنطقة الساخنة، وهذا يعني أن الشمس ستكون أقرب للأرض بكثير، وسوف ترتفع درجة حرارة الكوكب بشكلٍ تدريجي ما يؤدي إلى جفاف المحيطات وحدوث احتباس حراري شديد يشبه إلى حد ما الاحترار الجامح الذي حوّل كوكب الزهرة إلى ما يشبه الجحيم. بالتالي، سيصبح مستحيلاً على النباتات والحيوانات والبشر البقاء على قيد الحياة. لكن وبالنسبة للبشر والحياة المعقدة، فإن ظروف الحياة ستكون مستحيلة قبل ذلك الوقت بكثير، وهذا ما سوف نتكلم عنه لاحقاً.

اقرأ أيضاً: ما الكوكب الذي يمكن العيش عليه غير الأرض؟

لماذا تشكّل الشمس أكبر تهديد لوجود الأرض مستقبلاً؟

الشمس مثل أي نجم متوسط الحجم في مرحلة التسلسل الرئيسي من حياتها، يحدث في نواتها تحويل الهيدروجين إلى هيليوم وفق تفاعلات الاندماج النووي، وهو ما يؤدي إلى إنتاج إشعاع وطاقة تقدّر بـ 4 * 10^27 واط في كل ثانية. بالنسبة للشمس، بدأت هذه العملية منذ نحو 4.5 مليار عام، وهي ما زالت تولد الطاقة بهذه الطريقة منذ ذلك الحين.

لكن ونظراً لوجود كمية محدودة من الهيدروجين في نواة الشمس، فهذه العملية لن تستمر إلى الأبد، إذ ومع تحول المزيد من الهيدروجين إلى هيليوم، سوف تنكمش النواة شيئاً فشيئاً، ما يسمح لطبقات الشمس الخارجية بالاقتراب نحو المركز مشكّلة ضغطاً أكبر على النواة، ما يؤدي بدوره إلى زيادة معدل حدوث الاندماج النووي، والذي يؤدي أيضاً إلى رفع درجة حرارة النواة.

بكلماتٍ أخرى، مع استمرار الشمس في حرق الهيدروجين في نواتها، سوف تتسارع عملية الاندماج النووي ويزداد ناتج الشمس، أي ستصبح الشمس أكثر سطوعاً مع تقدمها في العمر. يزداد سطوع الشمس بنسبة 1% كل 100 مليون عام، وهو ما يدفع المنطقة الصالحة للحياة نحو الخارج. في الواقع، تتحرك الحافة الداخلية للمنطقة الصالحة للسكن حول الشمس نحو الخارج بمعدل متر واحد سنوياً، وهذا يعني أنها تنزاح نحو الخارج بمقدار عُشر وحدة فلكية (الوحدة الفلكية هي متوسط المسافة بين الأرض والشمس وتعادل 149,597,870.7 كيلومتر) كل مليار عام حسب تقدير العلماء.

يشار إلى أنه وبعد نفاد كل الهيدروجين الموجود في نواة الشمس، فإن الشمس سوف تتمدد بالحجم على نحو هائل وتتحول إلى عملاق أحمر، وستبقى كذلك لمليار عام تقريباً، ثم تتحول لاحقاً إلى قزم أبيض بعد نفاد الهيليوم من نواتها وتحوله إلى عناصر أثقل.

اقرأ أيضاً: صور التلسكوب الكبير جداً تكشف عن كيفية تأثير النجوم الشقيقة على تشكل الكواكب حولها

إلى متى سيستطيع البشر الصمود؟

بعد مليار عام من الآن، ستكون الشمس أكثر سطوعاً بنسبة 8% تقريباً مما هي عليه اليوم، تعني الزيادة في السطوع زيادة في الطاقة الحرارية التي سيمتصها غلاف الأرض الجوي. وإذا بدا مليار عام زمناً طويلاً، فالخبر السيئ هنا أن البشر لن يصمدوا حتى ذلك الوقت أساساً.

في الواقع، تؤدي زيادة الإشعاع الشمسي بنسبة 0.1% فقط إلى رفع متوسط درجة الحرارة الأرض بمقدار 0.2 درجة مئوية. بالتالي، تؤدي زيادة الإشعاع الشمسي بنسبة 8% إلى رفع متوسط درجة حرارة الأرض بمقدار 16 درجة مئوية خلال مليار عام، أو لنقل بمقدار 5 درجات خلال الـ 300 مليون سنة القادمة.

اقرأ أيضاً: اكتشاف كوكب خارجي عملاق ساخن جداً قد يجيب عن الأسئلة المتعلقة بموت النجوم

والآن إذا كان متوسط درجة الحرارة شتاءً يقدّر بنحو 20 درجة مئوية حالياً، فإن زيادة مقدارها 5 درجات خلال 300 سنة قادمة تعني أن متوسط درجة الحرارة شتاءً سوف يرتفع إلى 25 درجة مئوية، وهذا يعني أن عدد المناطق التي يمكن أن نتوقع فيها هطولاً ثلجياً أو وجوداً للجليد سيكون قليلاً جداً. بالإضافة إلى أن متوسط درجات الحرارة صيفاً سيكون أقرب إلى 30 درجة مئوية، هذا وإن أردنا أن نُضيف تأثير الاحتباس الحراري، فإن التقديرات قد تكون أعلى من ذلك بكثير، وقد يصل إلى 35-40 درجة مئوية.

والآن، هل لك أن تتخيل كيف يمكن أن يؤثّر ارتفاع متوسط درجة الحرارة الأرض بمقدار 5 درجات، إذا علمت أن كل ما نعانيه اليوم من آثار التغيّر المناخي مثل الفيضانات وموجات الجفاف وتغيّر أنماط هطول الأمطار وغيرها ناتج عن ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض بمقدار 1.1 درجة مئوية عما كانت عليه في القرن 19؟

اقرأ أيضاً: ماذا سيحدث لمجرة درب التبانة بعد موتها؟

خلاصة القول إنه وفي غضون 300 مليون سنة أو أقل، قد يصبح من الصعب جداً أن تستمر الحياة على اليابسة. وبالنسبة للبشر، فقد نتكيّف مع الحياة في مناطق قليلة جداً، أو نقرر مغادرة الكوكب. وإذا اضطررنا إلى مغادرة الأرض مستقبلاً، فقد يكون المريخ أفضل رهان لنا؛ إذ سيدخل إلى المنطقة الصالحة للسكن ويبقى فيها حتى تموت الشمس بعد 6 مليارات عام، ولكن المشكلة الوحيدة مع المريخ أنه لا يحتوي على الكثير من الغلاف الجوي، فهل سيتغير هذا الوضع مستقبلاً؟

تشير التقديرات إلى أن استعمار مجرة درب التبانة بأكملها قد يستغرق وقتاً يتراوح ما بين 5 إلى 10 ملايين سنة فقط، وربما نصبح في ذلك الوقت قادرين على بناء سفينة نوح جديدة تحملنا بعيداً عن جحيم الأرض.