إذا تمكن البشر من إنشاء المباني الدائمة على المريخ، فمن المرجح أنهم سيحتاجون إلى قطع الطوب المصنوعة من تربة المريخ، لكن صناعة مواد البناء قد تتطلب أيضاً استخدام الدم وسوائل الجسم الأخرى المستخرجة من رواد الفضاء أنفسهم.
يجب على المستكشفين الذين تقع على عاتقهم مهمة إنشاء قاعدة مريخية دائمة أن ينتقوا الحاجيات التي سينقلونها إلى المريخ بحذر، فحجم التخزين سيكون محدوداً ومهماً للغاية على متن الصاروخ الذي سينقلهم إلى المريخ، علماً أن كلاً من تكلفة المهمة ومتطلباتها من الوقود يزداد مع ازدياد كمية الحمولة. بسبب ذلك، يجب أن تعتمد أولى الطواقم التي ستسافر إلى المريخ على الموارد المتاحة في الكوكب نفسه، التي تتألف بأغلبيتها من الصخور والتراب. مع ذلك، قد تساعدهم طريقة عمرها آلاف السنين على الاستفادة بالحد الأقصى من المواد المضافة المتوافرة بسهولة.
اقرأ أيضاً: العلماء يطوّرون نوعاً جديداً من الخرسانة يحتوي على بقايا القهوة المطحونة
الخرسانة الرومانية القديمة إلى المريخ
الخرسانة الرومانية القديمة معروفة بمرونتها وقوتها الشديدتين وحتى قدرتها على إصلاح نفسها، لكن البنّائين استخدموا عادة مكونات رئيسية أخرى في صناعة الطوب، وهي الدم والبول. بأخذ ذلك في الاعتبار، حضّر فريق بحثي من جامعة الخوارزمي الإيرانية مؤخراً العديد من مواد البناء المحتملة باستخدام مجموعات مختلفة من الرواسب الموجودة على المريخ واختبروها، بالإضافة إلى مكونات أخرى يمكن الحصول عليها بسهولة.
كتب الباحثون في دراسة نشرتها مجلة أكتا أسترونوتيكا (Acta Astronautica) أن "الرومان القدماء استخدموا المواد العضوية المضافة مثل دم الحيوانات لزيادة تحمّل الملاط الذي صنعوه وقابلية تشكيله. على الرغم من أن هذا غريب قليلاً، يمكن استخدام الدم لصنع الخرسانة وقطع الطوب المتينة التي يمكن استخدامها في موقع الإنشاء على سطح المريخ".
11 مادة على المريخ يمكن استخدامها لصنع خرسانة
تتمتع تربة المريخ بالتركيبة الكيميائية المناسبة لصنع أنواع متعددة من الخرسانة، ويعتمد ذلك على المنطقة في الكوكب. حدد الفريق 11 مادة قد يستخدمها رواد الفضاء لصنع الخرسانة في المستقبل بعد تجميع البيانات الجيولوجية التي جمعتها المركبات الهابطة والمدارية السابقة على سطح المريخ، وشملت هذه المواد خلائط البوليمرات الجيولوجية وسيليكا المغنيزيوم. بعد ذلك، أنشأ الفريق عينات محاكاة لمواد البناء باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد واختبروا قدرتها على تحمّل الضغط وسجلوا النتائج.
وفقاً للفريق، من المرجح أن الخرسانة المعتمدة على الكبريت هي المادة الأولية الأكثر موثوقية التي يمكن استخدامها لإنشاء المباني على المريخ. مع ذلك، أشار الباحثون أيضاً إلى أن هناك مادة منافسة أخرى أشد غرابة تحمل اسم "أسترو كريت" (AstroCrete)، وهي شكل حديث من الخرسانة الرومانية التي تحتوي على مكونات إضافية من مصادر بشرية.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تكشف منشأ النيازك المريخية التي وصلت إلى كوكبنا
المصل البشري كمادة لاصقة والبولة لزيادة متانة الخرسانة
كتب الباحثون في الدراسة: "عملية الإنتاج سهلة؛ إذ ترتبط الخلائط (الحطام الصخري المريخي) ببعضها من خلال التلامس بألبومين المصل البشري، وهو بروتين موجود في بلازما الدم".
يفترض الفريق أن كل رائد فضاء يستطيع توليد ما يكفي من ألبومين مصل الدم في غضون نحو 72 أسبوعاً لإنتاج كمية من خرسانة أسترو كريت كافية لبناء مسكن فردي واحد.
يقترح مؤلفو الدراسة أيضاً إضافة البولة المستخرجة من العرق والدموع والبول لزيادة مقاومة خرسانة أسترو كريت للانضغاط ومرونتها وخفض هشاشتها في الوقت نفسه. إحدى الفوائد الرئيسية الإضافية لهذه المادة هي أنها لا تتطلب الخلط مع الماء، وهو أمر مفيد بصورة خاصة بالنظر إلى أن المريخ قاحل بالكامل تقريباً.
أكّد الباحثون أن مهندسي المهمة ورواد الفضاء، إضافة إلى المواد مثل الخرسانة المعتمدة على الكبريت أو خرسانة أسترو كريت، سيحتاجون إلى أخذ عوامل أخرى في الاعتبار عند التخطيط لإنشاء قاعدة على المريخ؛ فهناك تحديات أخرى عديدة قد تمنع البشر من العيش على نحو دائم فيه، مثل تعرضه للأشعة فوق البنفسجية ومناخه القاتل وجاذبيته المنخفضة ونقص المياه فيه. يوضح المؤلفون أن نجاح إنشاء القواعد الدائمة في المريخ "يعتمد على التوصل إلى حلول عملية ومنخفضة التكلفة"، وبرز "الإنشاء في الموقع باستخدام الموارد المتوافرة في الكوكب باعتباره نهجاً واعداً أكثر من غيره"، وقد تشمل هذه الموارد دم الزوار الأوائل للمريخ وعرقهم ودموعهم.