إليكم حكاية مألوفة لمن ينتمون إلى جيل معين منكم: كما هو حال أي طفل نشأ في ستينيات القرن الماضي، كان برنامج ناسا للفضاء في تلك المرحلة مصدر إلهام لروجر كلارك. بينما كان في المرحلة الدراسية المتوسطة من عمره، قام ببناء تلسكوب عاكس خاص به (تخيلوا أنه صقل المرآة الرئيسية بنفسه).
سعى كلارك للحصول على عمل في مجال الفلك، حيث حصل على درجة الدكتوراه في علم الكواكب من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT. وقد كان أحد أفراد الفريق العلمي الخاص ببعثة كاسيني-هيجنز إلى زحل منذ بدايتها على مدى العشرين عاماً الماضية، وقد عمل على تلسكوبات كبيرة بحجم "يوكيرت" UKIRT، عاكس الأشعة تحت الحمراء البريطاني الذي يجثو على قمة بركان مونا كيا، في هاواي، والذي يبلغ قطر مرآته الرئيسية 150 إنشاً (3.81 متراً).
ولكن على مدى السنوات القليلة الماضية، قام زوج التلسكوبات العاكسة الشخصية (أحدهما بقطر 20.3 سم، والآخر بقطر 31.75 سم) التي يمتلكها كلارك بجمع لقطات للغبار الكوني. للحصول على صور للسماء كما تبدو ليلاً، يستخدم كلارك معدات جاهزة رقمية ذات عدسة عاكسة أحادية. يقول كلارك: "أنا أقضي وقتاً ممتعاً للغاية مستخدماً كاميرات وعدسات عادية، وأجهزة تتبّع بسيطة للغاية". يمكنكم أن تفعلوا ذلك أيضاً إذا أردتم.
اشتر (أو استأجر) أفضل الكاميرات والعدسات
عند تعريض حساسات التصوير لإضاءة منخفضة ولفترات طويلة، يمكن الاستفادة كثيراً من تكنولوجيا الاستشعار المتوفرة على الكاميرات الرقمية الأحدث ذات العدسة العاكسة الأحادية (أي الكاميرات التي صنعت ما بعد 2008)، مثل الكاميرتين "Canon 7D Mark II"، و "Nikon D7200". حيث تقوم تقنية تسمى إزالة تشويش الظلام اللحظي أثناء الاستشعار، بتخفيض الضجيج الناجم عن الانبعاثات الحرارية.
تتميز العدسات الأسرع – أي التي تملك فتحات أوسع تسمح بدخول المزيد من الضوء – بأدائها الأفضل في ظروف الإضاءة القاتمة جداً. ينصح كلارك باستخدام العدسات المُقرِّبة (بعيدة المدى) ذات المسافات البؤرية الثابتة؛ والكاميرا "Sigma 300mm f/2.8 EX" تفي بالغرض.
هذه الخيارات كلها باهظة الثمن، ولكنك لست مضطراً لشرائها. فمعظم معدات التصوير الحديثة والمتطورة متاحة للإيجار عبر الإنترنت، أو من أحد التجار المحليين. إن كان لديك عدسات بعيدة المدى أرخص ثمناً، فلا زال بإمكانك الحصول على نتائج مثيرة للاهتمام؛ على الرغم من أنك قد تحتاج لاستخدام إعدادات مختلفة قليلاً عما سيرد أدناه، ولقبول حلول وسط بسببها. إن ضبط إعداد "آيزو" ISO ( سرعة إغلاق العدسة) على قيمة مرتفعة، على سبيل المثال، سيتسبب بظهور تشويش في الصور، كما أن زيادة المدة التي يبقى فيها غالق الكاميرا مفتوحاً قبل التقاط الصورة قد يتسبب بظهور شيء من تشتت الحركة في الصور نتيجة تحرك النجوم عبر السماء.
اختر مكاناً مناسباً للوقوف
يعتبر التلوث الضوئي – وهو حجب الأجرام السماوية ليلاً من قبل الأضواء الساطعة الصادرة عن المناطق الحضرية – عدواً للتصوير السماوي. يقول كلارك، ومع أن العديد من سكان المدن يمكنهم السفر إلى إحدى المناطق حيث السماء مظلمة في غضون ساعات قليلة؛ يمكنك العثور على مواقع مناسبة عبر الموقع الإلكتروني darksitefinder.com.
ينبغي للطقس أيضاً أن يكون مساعداً: فالقاعدة العامة تقول؛ ينبغي عدم وجود أية سحب ضمن دائرة تبعد حوافها 100 ميل (161 كيلومتر) عن موقع التصوير، وهو ما يمكنك التحقق منه عبر الموقع الإلكتروني cleardarksky.com. أخيراً، قم باستخدام النسخة المجانية من التطبيق الخاص بالموقع الإلكتروني stellarium.org المتاحة وفق إصدارات توافق كلاً من أنظمة التشغيل ويندوز، و iOS، وأندرويد والتي تساعدك في العثور على الأجرام السماوية والتعرف عليها.
بصرف النظر عن المكان الذي تستقر فيه في نهاية المطاف، سوف تحتاج إلى إعداد منصب متين جداً ثلاثي القوائم ليحمل الكاميرا بشكل ثابت. يفضل كلارك المناصب ثلاثية القوائم المصنوعة من ألياف الكربون على الحوامل المصنوعة من سبائك الألمنيوم؛ فألياف الكربون أخف وزناً وأقل عرضة للاهتزاز مقارنة بالألمنيوم. أما بالنسبة لرؤوس المنصب ثلاثي القوائم (نقاط التثبيت التي يتم تركيب الكاميرا عليها)، فيوصي كلارك بالنوع الذي يوفر أداة للتثبيت والتوازن في الوضع الأفقي "جيمبول" Gimbal، خاصة بالنسبة للعدسات بعيدة المدى.
بفضل التصميم الشبيه بالأرجوحة الذي يؤمّن توازن وزن الكاميرا والعدان، يتمتع رأس جيمبول بقدرة فريدة في الحفاظ على التموضع بشكل دقيق. يقول كلارك: "مع الوزن الذي يميز العدسات الكبيرة، إن حاولت وضعها مع رأس ارتكاز كروي، أو رأس ارتكاز بثلاث درجات، عندما تشد مرابط التثبيت وتتركها، ستبدأ كل نقاط التثبيت بالانحلال، ليتغير موضع الكاميرا بعد ذلك".
اضبط إعداداتك
إن إعداد كاميراتك لالتقاط الصور في ظروف إضاءة شديدة الانخفاض يتطلب الخوض في تفاصيل الإعدادات. نذكر بسرعة اثنين من التعديلات التي ستساعد في منع حدوث اهتزازات يمكنها أن تفسد صورك: أولاً، اضبط حركة مصراع الكاميرا لديك على وضعية تأخير المؤقت الذاتي لمدة ثانيتين، وبالتالي لن ترتعش الكاميرا عندما تضغط على زر التصوير.
ثانياً، قم بتفعيل قفل المرآة، الذي يمنع المرآة داخل جسم الكاميرا من التأرجح – والتسبب بحدوث اهتزازات – عندما ينغلق الغالق. عليك أن تعلم أن إقفال المرآة يفصل ميزة العين الناظرة للكاميرا، وبالتالي سيتوجب عليك أن تنظم محتوى كافة الصور لديك عبر شاشة الكاميرا البلورية السائلة.
تعتبر التعديلات التي تجري على إعدادات الصورة ضرورية أيضاً. التقط الصور وفق نمط تخزين البيانات الخام Raw (غير المعالجة)، أو النمط (Raw + JPEG) الذي يجمع بين البيانات الخام والبيانات من نوع JPEG (طريقة معيارية شائعة لضغط الصور). فالصور الممثّلة ببيانات خام لا يتم ضغطها في الكاميرا، وهو ما يحافظ على بيانات الصورة التي يمكنها أن تضيع أثناء عملية ضغطها وفق المعيار JPEG. كما توفر ملفات النوع الخام من البيانات مرونة أكبر بكثير أثناء مرحلة العمليات النهائية (سنذكر المزيد عن ذلك لاحقاً).
قم بضبط تدريجة "آيزو" على القيمة 1600، وتوازن اللون الأبيض على وضعية ضوء النهار، ومدة التقاط الصورة على وضعية "يدوي" أو وضعية التعرض طوال فترة ضغط الزر، وتركيز الصورة على الوضعية اليدوية. أطفئ جميع مميزات الآيزو المرتفع وتخفيض الضجيج الناتج عن التعرض الطويل والتي قد تكون في الكاميرا. أخيراً، ضع فتحة العدسة على أقصاها، ما يسمح لها بالتقاط أكبر قدر ممكن من الإضاءة.
قم بإعداد الإضاءة بشكل صحيح
إذا رغبت بمراقبة التعرض الضوئي بدقة، شغل خاصية عرض الشكل البياني للتحليل الإحصائي. حيث يبين لك هذا المخطط عدد عناصر الصورة الفاتحة والداكنة ضمن أي صورة. في التصوير النهاري النموذجي، يجب أن تكون قمة الشكل البياني في المنتصف أو باتجاه اليمين، ولكن ليست هذه هي الحالة في التصوير الليلي. حيث يجب أن تبقى القمة عند ربع أو ثلث المسافة من اليسار للمحافظة على التفاصيل في المناطق المظلمة، ولمنع الأجسام السماوية الساطعة من تجاوز الحد الأعلى للسطوع. إن مراقبة هذا الشكل البياني ستعطيك فكرة عن شدة التعرض بشكل أدق من محاولة تقديرها بالنظر بناء على استعراض صورة سابقة على شاشة الكاميرا.
ابدأ بصور بسيطة وساطعة
يقول كلارك: "بالنسبة للمبتدئين، لا أقترح التقاط صور لأشياء مظلمة وخافتة السطوع. بل بالتوجه نحو محاولة التقاط صورة جميلة". إن الاقتصار في البداية على تصوير الأجسام الساطعة، مثل الكسوف الشمسي، يتيح لك التقاط الصور بفترات تعرض أحادية قصيرة نسبياً.
تابع دوران الأرض
لن تستغرق الكثير من الوقت في التصوير الليلي حتى تدرك أن دوران الأرض سيتسبب بظهور غشاوة في صور النجوم. والحل الأبسط لهذه المشكلة هي منصة تتبع، وهي أداة تبقي الكاميرا متحركة بشكل متزامن مع دوران الأرض. استخدم كلارك اثنتين: أوبترون ستارتراكر وأستروتراك. ومع هذه الأدوات، تقوم بتوجيه منظار صغير نحو بولاريس، نجم القطب، ومن ثم تقوم الأداة بتتبعه.
إذا كنت لا تفضل أن تدفع تكاليف معدات إضافية، يوجد تقنيات لإلغاء أثر الدوران إما بالكاميرا أثناء التصوير أو باستخدام البرامج الحاسوبية بعد التقاط الصور. يقترح كلارك قاعدة الـ 200 كتقنية عامة للمحافظة على دقة تفاصيل صور النجوم: قم بتقسيم 200 على البعد البؤري لعدستك، بالمليمترات، لتحديد أطول مدة ممكنة بالثواني لالتقاط الصورة، والتي يمكنك خلالها التقاط الصورة قبل أن تتحول النجوم إلى أشكال متطاولة أو خطوط لامعة. ليس أمامك الكثير من الوقت: حيث أن الحد الأدنى بعدسة ذات بؤرة 200 ملليمتر يساوي ثانية واحدة. تصلح هذه القاعدة للكاميرات ذات الإطار الكامل (أي التي تماثل أبعاد حساسها الضوئي أبعاد إطار فيلم كاميرا تقليدية)، مثل Sony Alpha 99 II. إذا كنت تستخدم كاميرا ذات حساس أصغر، مثل حساسات APS-C أو Micro Four-Thirds، فإن الحجم الأصغر للحساسات سيؤثر على الحسابات، ما يؤدي إلى أوقات تعرض أقل يمكن خلالها التقاط الصورة قبل أن تبدأ النجوم بالتحرك.
إذا كنت ترغب بإلغاء الغشاوة حاسوبياً، يجب أن تلتقط عدة صور متتابعة سريعة، باستخدام تقنية التعريض للضوء، عند تصوير نجوم محددة. ولهذا، يستخدم كلارك برنامجاً مجانياً، ديب سكاي ستاكر، إضافة إلى برنامج تجاري، إيماج بلاس.
تجنب اللون الأزرق أثناء معالجة الصور
يشدّد كلارك بقوله: "السماء ليست زرقاء". (لاحظ أن الفترة المسماة بالساعة الزرقاء تسبق الليل). ويشمئز كلارك من عمليات معالجة الصور التي يقوم بها الكثير من المصورين، والتي تحول سماء الليل إلى لون لازوردي زاهٍ، بحيث تتحول النجوم إلى مجرد نقاط عديمة اللون. يوجد العديد من الألوان لسماء الليل، وذلك تبعاً لـ "الوهج الليلي" وغيره من الظواهر في الغلاف الجوي. ويقول كلارك أن مفتاح تحديد اللون الصحيح يمكن في استخدام نقطة مرجعية سوداء صحيحة أثناء تعديل لون الصورة عند معالجتها بعد التقاطها.
جميع الصور في هذه المقالة طبيعية الألوان، باستثناء الصورة التالية لمجرة درب التبانة. يقول كلارك: "لا يوجد تدرجات زرقاء كهذه لمجرة درب التبانة". وقد قام بمعالجتها لتوضيح طريقة غير مباشرة لإضافة اللون الأزرق المحبوب (والمزيف) إلى الصورة، ويمكن أن نقول أنها الطريقة الصحيحة للتلوين بلون خاطئ، مع المحافظة على اللون الطبيعي في الأجزاء الأكثر سطوعاً من درب التبانة. يمكنك أن تقوم بتنزيل برنامج Mc-color-stretch (وهو برنامج مجاني مفتوح المصدر) للمساعدة على تعزيز الألوان والتفاصيل في الصور الفلكية.
علامات إضافية: التقط صورة تجمع ما بين الأرض والسماء
تظهر مشكلة أخرى في الصور التي تجمع الأرض والسماء الليلية: حيث أن سماء الليل تتحرك (بالنسبة للكرة الأرضية)، ولكن الأرض ثابتة. يستخدم كلارك تقنية تقوم على التقاط صور بالتتابع للسماء الليلية وصور ثابتة للأرض، ومن ثم يقوم بجمعها برمجياً. يمكن استخدام هذه التقنية أيضاً للصور السماوية البحتة، مثل صورة مذنب لوفجوي، والذي كان يتحرك بسرعة مقارنة بالحقل المحيط به من النجوم. وقد قام كلارك بالتقاط صور بالتتابع للمذنب والنجوم، ومن ثم استخدم طبقات منفصلة في فوتوشوب لجمعها.
توجد تقنية أخرى تسمى تقنية البانوراما أو الفسيفساء، حيث يمكنك التقاط عدد من الصور الجزئية أو "الشرائح" لمشهد ما، وتقوم بتجميعها برمجياً. تسمح هذه الطريقة بفترات تعرض أقصر لكل شريحة منفردة، وتعطيك صوراً عالية الدقة. يستخدم كلارك برنامج PTGui Pro لهذه العملية. وأخيراً، هناك تقنية ثالثة تقوم على التقاط عدة صور متتابعة لحدث ما، مثل الخسوف القمري، وجمعها لاحقاً بطريقة برمجية.
في منتصف سبتمبر من هذا العام، سيقوم كلارك برصد مركبة كاسيني الفضائية، والتي بدأ وقودها بالنفاد بعد بعثة دامت لعشرين عاماً، في لحظاتها الأخيرة عند أقرب عبور من سطح زحل قبل أن تنقض نحو الكوكب. يقول كلارك: "لقد كانت هذه البعثة حياة مهنية فعلية. سيكون هذا الحدث الحزين أشبه بخسارة ولد". ولكن، قد يكون هناك ناحية إيجابية، وهي أنه سيتاح أمام كلارك المزيد من الوقت لتوجيه عدساته نحو سماء الليل.