كيف نميز بين الكويكب والمذنب حتى عندما يكون من خارج نظامنا الشمسي

5 دقائق
تصور فني عن الشكل المحتمل لأومواموا.

في أكتوبر من العام 2017، مر جسم سريعاً عبر الجزء الداخلي لنظامنا الشمسي بسرعة تقارب 315,000 كيلومتر في الساعة، قبل أن يكمل رحلته مبتعداً. عرف الفلكيون استناداً إلى الزاوية التي دخل وفقها جوارنا الكوني أنه لم يكن من منطقتنا المحيطة، ومن المرجح أنه أتى من نظام نجمي بعيد جداً.

كان يتحرك بسرعة كبيرة فاقت قدرة الباحثين على إلقاء نظرة عليه، ولكن ما أن ظهر حتى بدأوا بتتبعه قدر المستطاع باستخدام ما توفر لهم من التلسكوبات. في البداية، ظن الناس أنه ربما يكون مذنباً، ثم كويكباً، ثم ظنوا أنه قد يكون مذنباً يحمل على سطحه مجموعة من المواد العضوية الإسفنجية اللزجة.

والآن، نُشرت دراسة في دورية Nature ترجح بأنه قد يكون مذنباً في النهاية، وذلك استناداً إلى تغييرات مهمة رغم صغرها طرأت على مساره بينما هو مندفع بعيداً عن نظامنا الشمسي.

مهلاً، ما هو الفرق بين المذنب والكويكب؟

سؤال جيد تسرّني الإجابة عليه. الكويكب عبارة عن صخرة صغيرة تدور حول الشمس. تقول ناسا إن أكبر كويكب في نظامنا الشمسي يبلغ قطره 530 كيلومتر. في حين أن الكويكبات الأصغر لا تشكل سوى جزء صغير من هذا الحجم، مع محيط أقل من 10 أمتار. وقد تمكن الباحثون من تحديد 780,290 كويكباً في نظامنا الشمسي، حيث تنقسم بشكل عام إلى 3 فئات مختلفة بناءً على تركيبتها: فقد تكون معدنية، أو حجرية، أو مكونة من الصخور الشبيهة بالصلصال أو التي تحوي السيليكا (الصوّان).

ما زلنا نحاول معرفة المزيد عن الكويكبات. فقد وصلت مركبة الفضاء اليابانية هايابوسا-2 مؤخراً إلى الكويكب ريوجو، وبعثة ناسا أوسايريس-ركس في طريقها إلى بينو. تخطط كل من هاتين البعثتين لمعاينة سطح الكويكب الخاص بها والعودة بالعينات الناتجة إلى الأرض.

يقل عدد المذنبات المعروفة عما نعرفه من الكويكبات في النظام الشمسي، حيث يستقر العدد الإجمالي الحالي عند 3,536. وقد سبق لنا زيارة المذنبات حيث مرت بعثة ستارداست عبر ذيل أحدها، وجلبت عينات من تحليقها القريب في العام 2006.

إن المذنب، خلافاً للكويكب، يشبه قطعة قذرة من الجليد أكثر من كونه جسماً صخرياً. جوفه صغير إلى حد ما، وهو يسمى النواة، ويبقى متجمداً بالكامل أثناء انتقاله عبر أقاصي الفضاء خارج النظام الشمسي.

ولكنه عندما يقترب من شمسنا الدافئة، يبدأ ذلك الجليد بالذوبان، مشكلاً سحابة من الغبار والغاز تسير في أثره، وتتلاعب بها الرياح الشمسية. هذا الذيل المميز، الذي ظل البشر يلاحظونه ويقومون بتسجيل رصده على مدى قرون خلت كلما ظهر مذنب في السماء، يسمى الذؤابة، ويمكنها أن تمتد إلى مئات الآلاف من الكيلومترات.

ولكن أومواموا ليس لديه ذؤابة مرئية ولم يبدأ ذلك الذيل المميز بالانبعاث، حتى عندما مر ضمن مدار عطارد، على مقربة من الشمس الحارقة. يعزو الباحثون هذا الأمر إلى الطبقة العازلة السميكة من الغبار والمواد اللزجة التي تحيط بالجسم الطويل والنحيل. ولكن أومواموا غير مساره بمقدار طفيف جداً ليخرج عن مساره بمقدار يقرب من 40,000 كيلومتر.

في الورقة البحثية الجديدة، يعزو الفلكيون هذا التغير في الاتجاه إلى بعض التدفقات الصغيرة من الغاز والغبار والتي تمكنت من اختراق سطح الجسم، ودفعه إلى مسار جديد.

يقول دافيد فارنوتشيا، الذي شارك في تأليف الورقة البحثية وهو باحث في مركز ناسا لدراسات الأجسام القريبة من الأرض: "من المرجح لهذه القوة الإضافية الطفيفة جداً التي طُبّقت على أومواموا أن تكون ناجمة عن نفثات من المواد الغازية انطلقت من سطحه". ويتابع فارنوتشيا: "إنه النوع نفسه من إطلاق الغازات الذي يؤثر على حركة العديد من المذنبات في نظامنا الشمسي".

ما الذي يحدث عندما يضرب مذنبٌ أو كويكبٌ كوكباً ما؟ ماذا لو ضرب كوكبنا الأرض؟

عندما يضرب جسم طبيعي كوكب الأرض، فإنه يمر بكافة أنواع التغيرات. فعندما يقتحم الطبقات الكثيفة للغلاف الجوي المحيط بنا، يسخن سطحه الخارجي بشكل كبير، إلى درجة أنه يتوهج في بعض الأحيان وهو مندفع في السماء. وقد يحترق بالكامل في بعض الأحيان، كما لو أنه صخرة تهشمت عند اصطدامها بالهواء مثل حشرة ارتطمت بزجاج أمامي كوني.

عندما يحدث ذلك، لا يعود الجسم مجرد جزء من مذنب أو كويكب، فكل منهما وفقاً لناسا يسمى نيزكاً عندما يدور حول الشمس. أما الآن، فهو شهاب (إذا لم يحترق ويتبخر تماماً ووصل إلى سطح الأرض يسمى عندها بالحجر النيزكي). وإن كان هناك مجموعة من هذه العلامات الساطعة على حدوث الدمار متوهجةً في السماء في الوقت نفسه، فهذا يسمى "الهطل الشهابي" أو "زخات الشهب".

يكون الشهاب في بعض الأحيان كبيراً جداً وساطعاً، وإن تجاوز سطوعه حداً معيناً يشار له عندها باسم "الشهاب المتفجر" (يسمى أحياناً النيزك المتفجر). يمكن لبعضها أن يكون كبيراً جداً ويمكنها حتى أن تسبب أضراراً على الأرض عندما تنفجر في الجو، كما وقع في حادثة سقوط النيزك تشيليابينسك في 2013، والذي حطم زجاج النوافذ في تلك المدينة الروسية، أو حادثة انفجار تونغوسكا في 1908، والتي سوّت أجزاء من إحدى الغابات بالأرض في سيبيريا.

يمكن للكويكبات التي تضرب الغلاف الجوي للأرض أن تتحول في بعض الأحيان إلى كرات نارية، أو شهب متفجرة يمكن مشاهدتها من سطح الأرض.
مصدر الصورة: بلانيتاري ساينس

تسمى الشهب المتفجرة أيضاً بالكرات النارية، حيث تتبع الباحثون 566 حدثاً منها بين العامين 1994 و 2013 (انظر الخريطة أعلاه). عموماً، تميل الشهب لتكون أجزاء أصغر قليلاً من الصخور الفضائية، وأنا أعلم أن هذا ليس ما يقلقك حقاً. فماذا عن الأجسام الوافدة الكبيرة؟ تلك النيازك التي تواصل اختراقها لدرعنا الجوي وتتمكن من الاصطدام بالأرض بمعنى الكلمة؟

حان الوقت لتغيير الاسم مرة أخرى! تسمى بقايا الكويكبات التي تتمكن من الوصول فعلياً إلى سطح الأرض بالأحجار النيزكية. ففي حين أنه احترق 75% من نيزك تشيليابينسك الذي بلغ عرضه حوالي 19 متر في الجو، فإن ما بين 4,000 و نحو 6,000 كيلوجرام من الجسم ضرب سطح الأرض.

وفقاً لناسا، فإن هذا ليس أمراً نادر الحدوث. حيث يسقط نحو 100 طن من الصخور الفضائية على الغلاف الجوي للأرض كل يوم، ولكن معظم هذه الأجسام يحترق دون التسبب بأي أضرار. أما الشهب المتفجرة الأكبر حجماً (بحجم سيارة) فهي تضرب الغلاف الجوي مرة واحدة تقريباً كل عام، والنيازك الكبيرة جداً (تخيل أحدها بحجم ملعب كرة القدم) تميل إلى ضرب غلافنا الجوي بتواتر يقرب من مرة واحدة كل 2,000 عام.

إنه حجم كبير بما يكفي لإحداث أضرار محلية كبيرة. لحسن الحظ، فإن الأحجار النيزكية التي يكفي حجمها الكبير لإحداث تأثيرات على مستوى العالم – كالنيزك الذي تسبب بانقراض الديناصورات – نادراً ما تعرّج على كوكبنا الأرضي، حيث تضرب غلافنا الجوي بتواتر يبلغ مرة واحدة كل فترة تتراوح من 50 مليون إلى 100 مليون سنة.

ما الذي يمكننا فعله حيالها؟

إن معرفة مواقع كافة الأجسام القريب من الأرض تعد بداية جيدة. حيث تتعقب ناسا الأجسام القريبة من الأرض، كما يفعل النظام الأوروبي لمراقبة مواقع الأجسام القريبة من الأرض بشكل ديناميكي NEODyS وغيرها من المشاريع المشابهة. يمكن لاكتشاف موقع ومسار جسم ما أثناء وجوده في الفضاء أن يساعد العلماء على معرفة الموعد المحتمل الذي قد يضرب الأرض فيه (إن كان هناك أيٌّ من هذا).

الخطوة التالية هي الاستعداد في حال حدوث شيء من هذا القبيل، والخبر السار هو أن الناس يعملون على ذلك. ففي يونيو من العام 2018، أصدرت الولايات المتحدة استرايتيجتها الوطنية للتأهب في مواجهة الأجسام الفضائية القريبة من الأرض وخطة التعامل معها، والتي تحدد الخطوات التي يجب اتخاذها للتعامل مع الأخطار المحتملة، إن حدث هذا الأمر يوماً ما.

ولكن الاستعداد والتأهب لا يعني أن نكون خائفين، فلا يزال هناك الكثير لنتعلمه عن المذنبات والكويكبات سواء القريبة منها أو البعيدة... وحتى التي تقع بعيداً خارج النظام الشمسي.

تقول كارين ميتش، عالمة الفلك في جامعة هاواي والتي شاركت في تأليف الورقة البحثية على Nature: "كلما درسنا أومواموا أكثر، كلما أصبح أكثر إثارة". وتضيف أخيراً: "أنا مندهشة من مقدار ما تعلمناه من حملة رصد قصيرة ومكثفة. لا أطيق الانتظار لرصد الجسم التالي القادم من بين النجوم!".

المحتوى محمي