لماذا لم تنطفئ الشمس بعد؟

3 دقائق
الشمس في جوهرها تعتبر محطة عملاقة للطاقة النووية.

الشمس عبارة عن نجم متوسط السطوع في مجرة درب التبانة، فهي ليست أكثر النجوم سطوعاً، ولا أكبرها حجماً، كما أن عمرها لا يتجاوز 4.5 مليار سنة. إنها نجم فريد من نوعه، حيث يحافظ نورها وحرارتها على الحياة على كوكب الأرض، الكوكب الوحيد المأهول الذي نعرفه في هذا الكون. ومن حسن حظنا أنها لم تنطفئ قبل ظهور البشرية على الأرض منذ بضع مئات الآلاف من السنين. ولكن كيف تسنّى لها هذا القدر من الوقود؟ لماذا لم تُخمد نارها مثل الشمعة أو مثل نار مخيم الكشافة؟ ومتى سيحدث ذلك في نهاية المطاف؟

تعتبر كاثرين بيلاشوفسكي، أستاذة علم الفلك في جامعة إنديانا، أن هذه القضية كانت سؤالاً ملحّاً في القرن التاسع عشر. ففي ذلك الوقت، كان البشر يفهمون طريقتين فقط يمكن للشمس أن تولد بهما الطاقة: فإما أنها كانت تنتج الحرارة والضوء من خلال التقلّصات الثقالية، حيث تنكمش الشمس على نفسها عند المركز وتصدر الطاقة (على شكل الحرارة التي نشعر بها على الأرض)، وبالتالي يصغر حجمها مع مرور الزمن، أو أنها كانت مشتعلة فعلاً، مثل التفاعل الكيميائي الذي نراه هنا على الأرض عندما نشعل عود ثقاب أو نشعل نار مخيم الكشافة.

مع الاعتقاد بأن أياً من هاتين الطريقتين ربما تكون الطريقة الفعلية التي تعمل بها الشمس، فإن العلماء قد قدروا بالضبط كم مرّ من الزمن على تشكّل الشمس حتى ذلك الحين باستخدام كلتا الطريقتين. لكن أياً من هذه النتائج لم يتوافق مع ما عرفناه عن عمر النظام الشمسي والذي يُقدّر بحوالي 4.5 مليار سنة. لو كانت الشمس تتقلص أو تحترق، لكان قد نفد وقودها قبل أن نأتي إلى هذه الحياة بزمن طويل.

من الواضح إذاً أن شيئاً آخر هو الذي كان يحدث. بعد بضعة عقود من الزمن رشّح علماء فلك بريطانيون في عشرينيات القرن الماضي فكرة أن الشمس في الواقع تحول كتلتها إلى طاقة، معتمدين في ذلك على معادلة آينشتاين الشهيرة ، والتي أكدت على أن أي شيء له كتلة يجب أن يمتلك كمية مكافئة من الطاقة،. غير أنه خلافاً لطريقة عمل الفرن الذي يحول الخشب والفحم إلى رماد وكربون أسود (حيث ينبعث منه الضوء والحرارة أثناء ذلك)، فإن مركز الشمس أكثر شبهاً بمحطة عملاقة للطاقة النووية.

تحتوي الشمس على عدد هائل من ذرات الهيدروجين. كما تحتوي ذرة الهيدروجين المتعادلة عادة على بروتون ذي شحنة موجبة وإلكترون ذي شحنة سالبة يدوران حوله. عندما تجتمع هذه الذرّة بذرة هيدروجين أخرى، فإن الإلكترونات الخارجية لكلتا هاتين الذرتين تتنافر مغناطيسياً فيما بينها. وهذا ما يحول دون اجتماع البروتونات المكونة للذرتين مع بعضها البعض.

لكن باطن الشمس يكون حاراً جداً ومضغوطاً بشدة بحيث تتحرك الذرات مترافقة مع طاقة حركية عالية جداً تسمح لها بالتغلب على القوى التي تربطها ببعضها البعض، الأمر الذي يؤدي إلى انفصال الإلكترونات عن البروتونات. وهذا يعني في الواقع أنه يمكن للبروتونات، التي عادة ما تكون عالقة داخل نواة ذرة الهيدروجين، أن تتلامس وتتحد معاً في عملية تسمى بالاندماج الحراري النووي.

وكما هو الحال داخل المفاعل النووي، فإن الذرات الموجودة في باطن الشمس تصطدم ببعضها البعض كل ثانية. وفي أغلب الأحيان، تندمج أربعة بروتونات هيدروجينية معاً لتشكيل ذرة هيليوم واحدة. وفي هذه الأثناء، يتبدد جزء ضئيل جداً من كتلة هذه البروتونات بالغة الصغر؛ ولكن بحسب مبدأ مصونية المادة، فإن هذه الكتلة لا يمكنها أن تفنى.

وبالتالي فإنها تتحول بدلاً من ذلك إلى كمية هائلة من الطاقة، ففي كل ثانية تشع الشمس بمقدار 3.9X10^26 واط من الطاقة. هذه الكمية الهائلة من الطاقة لا يوجد لها في الحقيقة أي مثيل على الأرض. ربما يمكننا أخذ فكرة عن عظمة هذا الرقم ضمن السياق التالي: هذا المقدار من الطاقة يفوق بكثير إجمالي الطاقة الكهربائية التي يمكن للعالم بأكمله أن يستخدمها، وفق معدلات الاستهلاك الحالية، على مدى عدة مئات الآلاف من القرون.

إن فعالية الاندماج الحراري النووي هي السبب الرئيسي وراء استمرار الشمس بإشعاع الحرارة لفترة طويلة جداً. فكمية الطاقة الناتجة عن تحويل كيلوغرام واحد فقط من الهيدروجين إلى هيليوم تكافيء ما ينتج من طاقة عند احتراق 20,000 طن متري من الفحم. ونظراً لضخامة الشمس وعمرها اليافع نسبياً، فإن العلماء يقدرون أنها قد استهلكت نصف كمية الهيدروجين المنتج للطاقة فقط.

في النهاية، سوف يتحول كل الهيدروجين الموجود في باطن الشمس إلى هيليوم وتكون عندها نهاية هذا النجم. ولكن ينبغي ألا نقلق، فلن يحدث هذا قبل مضي نحو 5 مليارات أخرى من السنين.