لولا أبولو-1 لما تمكنّا يوماً من بلوغ القمر

3 دقيقة
شرح الصورة

اتسمت سنوات الستينيات في القرن الماضي بالاضطراب، كما هو الحال اليوم. حيث كان الرأي العام الأمريكي منقسماً خلال الحرب الفيتنامية، وكانت حركة الحقوق المدنية في أوجها، وكانوا متأخرين عن الروس في سباق الفضاء. في ذلك الحين، وفي العام 1962، ألقى الرئيس جون إف. كنيدي واحداً من أكثر الخطابات ملحميّةً في التاريخ، بث من خلاله روح التحدي في ناسا لتتمكن من بلوغ القمر بحلول نهاية ذلك العقد. أدت دعوته إلى العمل هذه إلى إثارة الحماس عند الشعب الأمريكي، وشكّلت دفعة قوية لوكالة الفضاء أسفرت عن نجاح نيل أرمسترونغ وباز آلدرين بالسير على سطح القمر في صيف العام 1969.

كما يتنبأ المثل اللاتيني الشهير "الطرق الوعرة تؤدي إلى النجوم"، لا شك أن الطريق نحو النجوم ليس مفروشاً بالورود. ولكن بعد النجاحات العظيمة التي حققها كل من برنامجي ميركوري وجيميناي في خمسينات وأوائل الستينيات من القرن الماضي، لم يكن لأحد أن يتوقع أن تكون نهاية بعثة أبولو الأولى مأساوية.

ففي 27 يناير من العام 1967 – منذ 50 عاماً بالضبط – لقي ثلاثةٌ من رواد الفضاء حتفهم عندما اندلع حريقٌ داخل مركبتهم الفضائية أثناء تواجدها فوق منصة الإطلاق كيب كانافيرال. بعد ظهيرة ذلك اليوم من يناير، صعد أفراد طاقم أبولو-1 وهم: فيرجيل "جوس" جريسوم، إدوارد وايت، وروجر تشافي إلى داخل مركبتهم الفضائية أبولو ليشاركوا في اختبار روتيني من نوع "خطوط مفصولة" (ضمن تجربة أداء رسمية قبل الإطلاق الذي كان مقرراً بعد بضعة أسابيع، حيث تم قطع الخطوط السلكية مع الخارج والاعتماد فقط على الاتصال اللاسلكي). وقد أمضى الطاقم ساعات عديدة في تشخيص العديد من المشاكل المتعلقة بالمركبة وأنظمة الاتصالات بهدف إصلاحها، دون وقوع حوادث. ولكن؛ تغير كل ذلك في لحظة؛ عندما أُشعلت شرارة النار داخل الكبسولة.

ولجعل الاختبار شبيهاً ما أمكن بعملية تحليق فعلية، تم إقفال الباب المؤدي إلى المركبة الفضائية، وتم ملء الفراغ الداخلي للكبسولة بالأوكسجين النقي. حرضت هذه التراكيز المرتفعة على اندلاع ألسنة من اللهب، ما سهّل كثيراً من تطور الشرارة الحاصلة إلى جحيم حقيقي.

تم تصميم باب المركبة لكي يفتح نحو الداخل، وهي عملية يستغرق تنفيذها 90 ثانية. عندما اجتاحت النيران أجزاء المركبة الفضائية، تسببت الحرارة الحارقة داخل الكبسولة بارتفاع ضغط الهواء، ما أدى بدوره إلى استحالة فتح الباب بالنسبة لرواد الفضاء. وبعد 30 ثانية، انفجرت المركبة الفضائية، وعلى الرغم من محاولات الطاقم الأرضي الشجاعة لإنقاذ رواد الفضاء المحاصرين، مات الرجال الثلاثة بسبب الاختناق في أقل من دقيقة واحدة.

أبولو بعد الحريق

 

في هذا الوقت من كل عام، تحيي ناسا ذكرى جميع الرجال والنساء الشجعان الذين قدموا كل ما لديهم للمضي قدماً في مهمة استكشاف الفضاء. ذكرى هذا العام مؤثرة بشكل خاص لأنها تمثل 50 عاماً منذ أن وقعت المأساة الأولى لوكالة الفضاء، عندما فقدت أبولو-1.

تم تكريم كل من جريسوم، وايت وتشافي هذا الأسبوع بالعديد من التذكارات المؤثرة، بما في ذلك إزاحة الستار عن معرض جديد في مركز كنيدي للفضاء. تتضمن المعرض الباب المشهور، الذي تأمل ناسا أنه سيمثل نصباً تذكارياً لتكريم الأبطال الذين سقطوا، ومصدراً إلهام للأجيال المقبلة.

يقول روبرت لايتفوت، مسؤول ناسا بالوكالة المعين حديثاً: "لا يمكننا أن ننسى أبطالنا الذين سقطوا، وسيبقون أبطالاً".

يوضح رائد الفضاء مايكل كولينز، الذي قاد رحلة نيل وباز إلى القمر، أهمية الإرث الذي تركه طاقم أبولو-1: "نحن هنا لكي نفكر ملياً بعملية الإطلاق التي لم تحدث، ولكنها في وجوه كثيرة لا تقل أهمية عن أية بعثة حلقت بعدها".

حيث أوضح كولينز أن الحادث الذي وقع، كان بمثابة نعمة على شكل نقمة. فقد ظهرت الكثير من المشاكل المتعلقة بالمركبة الفضائية وبالإجراءات التي كانت تتعجل الوصول إلى القمر. أسفر الحادث عن فقدان 3 أرواح، ولكنه أنقذ عدداً لا يحصى منها من خلال هذه العملية. يعتقد كولينز وكثيرون غيره أنه لو سارت الأمور كما كان مخططاً لها بعد ظهيرة ذلك اليوم المصيري من يناير، ربما ما كان لأمريكا أن تنجح في الوصول إلى القمر، وبالتأكيد ليس وفق الجدول الزمني للرئيس كنيدي.

يقول كولينز: "لولا أبولو-1 والدروس المستفادة منها، فإن حريقاً كهذا كان ليقع على الأرجح في إحدى الرحلات لاحقاً، وعندها لم نكن لنفقد الطاقم فحسب، بل كنا سنفقد المركبة الفضائية بأكملها". ويضيف: "مع غياب أي آلية للاختبار، كانت ناسا لتخمن فقط الأسباب وكيفية منع وقوع حادث آخر. بالتأكيد، تسببت أبولو-1 بثلاث وفيات، ولكنني أعتقد أنها أنقذت بالفعل أكثر من ثلاث أرواح لاحقاً".

apollo 1 museum exhibit
معرض جديد في مركز كنيدي للفضاء يكرم أبطال أبولو-1 القتلى.

وقد أوضح كولينز أنه بالنسبة للطاقم، شكّل برنامج أبولو أحد الأوجه التي جعلت من أمريكا دولة عظيمة. فقد كان موتهم مأساوياً إلى درجة لا يمكن تصورها، ولكن هؤلاء الأبطال الثلاثة تمكنوا من توحيد بلدنا وراء هدف مشترك، خلال فترة زمنية مضطربة، وهو المضي قدماً نحو الأمام فيما كنا نعتبره سباقاً يائساً بين الخير والشر، حيث كانت أمريكا في نهاية المطاف هي الرابح فيه.

وبعد 50 عاماً، نجد أنفسنا أمةً منقسمةً مرة أخرى، وربما هذا هو الوقت الأنسب لإقامة معرض كهذا. فنحن اليوم بحاجة لوجود أبطال أكثر من أي وقت مضى.

المحتوى محمي