بمجرّد أن تبحث عن كلمة «الثقب الأسود» على محركّات البحث على الإنترنت؛ ستكون أفضل النتائج التي ستظهر أمامك هي عناوين يخبرك محتواها بتفاصيل ماذا سيحدث لك حال وقوعك في ثقبٍ أسود.
ولكي نوفّر عليك إضاعة وقتك في قراءة مضمون مثل تلك العناوين، فإن الإجابة القصيرة والصادقة، وربمّا الأقل إثارةً، هي أنه لا أحد يعرف حقاً. حسناً، لا تغضب. لدى العلماء أفكار تعتمد على حقائق علمية رغم أنها قد تكون غريبة، ولكي نفهمها، نحتاج أولاً لشرح بعض المفاهيم الأساسية حول الثقوب السوداء.
ما هو الثقب الأسود، وما الذي يجعله غريبة جداً؟
التقط شياً صغيراً، وليكن قلم رصاصٍ مثلاً! حسناً، لقد ربحت للتوّ معركةً ضد قوة الجاذبية الأرضية بأكملها. يقول «روبيش أوخا»، عالم الفلك والفيزياء في ناسا: «قوة الجاذبية الأرضية هي الأضعف على الإطلاق بين قوى الطبيعة كلها».
ورغم ضعف الجاذبية، فإنها تحكم الكون الكون كلّه. إذا ألقيت القلم الذي أمسكته للتو في الهواء؛ سيسقط نحو الأرض بسرعةٍ كبيرة. ولكن هناك أماكن في الكون يكون فيها هذا الشد أقوى بشكلٍ لا نهائي تقريباً منه على الأرض (قوي جداً لدرجة لا يستطيع حتى الضوء الإفلات منها)، إنها قوة جذب الثقوب السوداء. هذه الأجسام الفضائية ذات مادةٍ كثيفةٍ للغاية تمنحها قوة جاذبية عالية جداً، بحيث لا شيء في الطبيعة على الإطلاق قادرٌ على مقاومة جاذبيتها.
يقول أوخا: «هكذا فهمت الثقوب السوداء عندما كنت طفلاً؛ إنها أجسام جاذبيتها قويةٌ لدرجة أنه إذا اقتربت بما يكفي، فلا يوجد قوةٌ يمكنها أن تخرجك منها».
ماذا يحدث إذا اقتربت كثيراً من الثقب الأسود؟
تؤثّر قوة الجاذبية الأرضية الآن عليك أكثر من غيرها. ولا يمكنك الشعور أو رؤية تأثير تلك القوّة أو الشد، والتي يُطلق عليها قوة المدّ والجزر، لأن الأرض ليست ذا حجمٍ كبيرٍ بالنسبة للكون، لذلك فإن قوتها في المقابل ليست كافيةً لتشعر بها.
ولكن بالنظر إلى ضخامة الثقوب السوداء الهائل، فإن قوة المد والجزر الناتجة عنها؛ أقوى بكثير منها على الأرض. يوضّح أوخا ما يمكن أن يحدث: «إذا كان رائد الفضاء يسقط نحو ثقب أسود بدءاً من قدميه، فإن قوة الشد على قدميه ستكون أكبر بكثير من قوّة الشدّ على رأسه، لذلك فإنّ جسم رائد الفضاء سيتمدد في الاتجاه الذي يسقط إليه بسبب قوة المدّ والجزر. والمصطلح الفيزيائي الفلكي المعبّر جداً عن هذه العملية واضحٌ ومباشر للغاية، وهو «التأثيرات المعكرونية».
وبعد التأثيرات المعكرونية، ومهما كان الداخل إلى الثقب الأسود سواء النجوم أم الغبار أو الكواكب، أو حتى روّاد الفضاء سيئي الحظ؛ فجميعهم ينبغي عليهم عبور حاجزٍ غير مرئي يُدعى «أفق الحدث»، أو نقطة اللاعودة. وبعد ذلك، لا يمكننا التكهّن حتّى الآن بما سيحدث مطلقاً.
أسرار الثقب الأسود
يقول «آفي لوب»، مدير مبادرة «بلاك هول» في جامعة هارفارد: «بعد نقطة أفق الحدث، يأتي ما يُعرف باسم «نقطة التفرد المجرّد»؛ وهي نقطة كثيفة لا محدودة حيث يتشوه المكان والزمان، ولا يعود شكلهما كما نعرفهما. إنها مناطق صغيرة جداً في «الزمكان» حيث تتركز كمية غير محدودة تقريباً من الكتلة. في ظل هذه الظروف، تنهار المعادلات التي وضعها أينشتاين بسبب الجاذبية».
عادةً ما يُشرح سلوك الأجسام في مناطق التفرّد المجرّد من خلال علم ميكانيكا الكم. المشكلة هي أن الطريقة التي تتصرف بها الجسيمات في ميكانيكا الكم تختلف اختلافاً كبيراً عن الطريقة التي تتصرف بها الكائنات في نظرية النسبية العامة لآينشتاين. لذلك يكون هناك تناقضٌ في سلوك الأجسام داخل الثقب الأسود، وهو مكانٌ تكون فيه الجاذبية قوية للغاية، ولكن في نفس الوقت لا يمكن فهمها إلا من خلال ميكانيكا الكم. يقول أوخا: «لقد ظل العلماء يبحثون عن «نظرية كل شيء» منذ قرن من الزمان، لكن الآن، تُعدّ الثقوب السوداء أكبر الألغاز في الفيزياء».
وحسب «دانييل جافيريس»، أستاذ الجاذبية الكمية في جامعة هارفارد، فإن معظم الفرضيات الحالية -والتي لا تعدّ ولا تحصى- ممكنة رياضياً. لكن هذا لا يعني أن كل هذه الفرضيات بما يحدث في الثقب الأسود هو ما يحصل بالفعل. لذا تذكر؛ أي شيءٍ تقرأه عن هذا الأمر ممكناً، ولكن ليس صحيحاً بالضرورة.
إذا سقطت داخل ثقبٍ أسود، فهل هذه نهايتي حقاً؟
في النموذج المادي الحالي، نعم. بمعنى أدّق، رغم ذلك، ربما لا. يعود الفضل للعالم ستيفن هوكينج في معرفتنا بأنّ الثقوب السوداء تصدرُ منها إشعاعاتٌ؛ تُعرف بـ «إشعاع هوكينج»، مما يؤدي إلى تقلّصها ببطءٍ إلى أن تتلاشى.
لكن إذا اختفت الثقوب السوداء في النهاية، فإنها تخرق مبدأ ميكانيكا الكم، وهي أنّ المعلومات -ما يميز جزيئات رائد الفضاء عن جسيمات النجم- لا تختفي أبداً. فإذا كانت الثقوب السوداء ستختفي في نهاية المطاف، فأين تذهب المعلومات التي التهمتها خلال مليارات السنين من الوجود؟
يعتقد دانييل جافريس وآخرون أن المعلومات تهرب من خلال ما يعرف بإشعاع هوكينج. هناك بالقرب من أفق الحدث (تلك النقطة غير المرئية من نقطة اللا عودة بعد التفرّد المجرّد)، تتحرّك الأشياء بسرعةٍ كبيرة وتكون درجات الحرارة، ومستويات الإشعاع عالية جداً. وهناك تحديداً، تنهار الكتلة إلى حالتها الأساسية؛ أي الجزيئات الكمومية. توجد هذه الجزيئات في أزواجٍ فقط، وهي «متشابكة» على مستوى الكم.
أحد الحلول المُقترحة لحلّ مشكلة مفارقة المعلومات «information paradox» هذه؛ هو أنه حتى لو سقط جسيمٌ واحد من الزوج في الثقب الأسود، فيمكن للزوج الآخر الهروب، وبالتالي نقل المعلومات إلى الكون.
وبموجب هذه النظرية، إذا سقط رائد فضاء سيء الحظ في ثقبٍ أسود، ستُقذف أجزاءٌ من معلوماته «الكمّية» في النهاية في شكل إشعاع هوكينج. حيث أن كلاً من هذه الجسيمات الصغيرة مرتبطةٌ بإحكام على المستوى الكمومي، في جزءٍ من المعلومات التي لا يمكنها الإفلات من الثقب الأسود.
يشرح جافريس هذه الفكرة. تخيل أنك تحرق كتاباً، حينها لا يعود بإمكانك قراءة المعلومات الموجودة في الصفحات، ولكن المعلومات موجودة بشكلٍ آخر، لقد أصبحت رماداً ودخاناً مبعثرين في الأرض والسماء؛ لكنها لا تزال موجودة.
ويقول أوخا من وكالة ناسا: «هذا حل مبسّطٌ للغاية، لكننا ما زلنا لا نعرف ما إذا كان صحيحاً. إذا كان كذلك، فإنّه يتناقض مع نظريات إينشتاين التي تفترض أنه لا يوجد شيء -حتى جسيم كمي صغير جداً من المعلومات- يمكنه الهروب من جاذبية الثقب الأسود».
ما هي الأفكار الأخرى المتوفرة لشرح ما قد يحدث في الثقب الأسود؟
يعتقد بعض العلماء أن الواقع الثلاثي الأبعاد الذي نعرفه جميعاً ليس الطريقة الوحيدة التي يخزّن بها الكون المعلومات. وفقًا لنظريتهم، إذا وقع شيءٌ ما في ثقبٍ أسود، فيمكن أن يتشوه في نقطة التفرّد المجرّد (حيث يتشوّه المكان والزمان)، ويبقى داخل «أفق الحدث» كإشعاعٍ في نفس الوقت. من هذا المنظور، فإن أفق حدث الثقب الأسود هو في الواقع مستوٍ ثنائي الأبعاد للكون يخزّن المعلومات التي تبدو ثلاثية الأبعاد.
يستخدم العلماء تشبيه الهولوغرام لشرح هذه الفكرة. صور الهولوغرام هي تمثيل ثلاثي الأبعاد للمعلومات التي توجد في مستوٍ ذو بعدين فقط. وعلى نطاق أوسع، يمكن أن تعني هذه النظرية أنه قد لا يكون هناك «داخل» لأي شيء، وبعبارةٍ أخرى، يمكن أن يكون الكون بأسره صورةَ هولو غرام مجسّمة.
هذا مفهوم يصعب على المرء تخيّله، ولكن هناك أغرب منه
تقول نظريةٌ أخرى إنه في نهاية كل ثقب أسود، يمكن أن يوجد هناك ثقبٌ أبيض، مكانٌ لا يمكنك الدخول إليه، ولكن يمكنك الخروج منه. وفي الثقب الأبيض، يمتد الوقت إلى الوراء، ولن تكون الكتلة كتلة، بل ستكون نقيضها تماماً. إنه مكان قد تعود فيه البيضة المكسورة إلى شكلها السابق؛ وهو شيء لم يسبق للعلماء رؤيته في أي مكان في الكون، لكن ذلك يمكن أن يحدث من الناحية النظرية.
بالنسبة للبعض، تنتهك كل من نظرية الثقوب البيضاء والمبدأ الهولوغرافي بعض المبادئ الأساسية لنظرية النسبية لأينشتاين، وهي مشكلة شائعة في حلولٍ أخرى للثقوب السوداء، مثل نظرية الثقوب الدودية. يقول أوخا: «المشكلة هي إذا استمريت باستخدام معادلات النسبية العامة هناك، حسناً، سينتهي بك الأمر إلى خرق هذه المعادلات».
إذاً، هل سنكتشف يوماً ما قد يحدث هناك؟
يميل علماء الفيزياء الفلكية إلى السخرية عند طرح هذا السؤال، مشيرين إلى أننا قد لا نعرف ذلك أبداً، أو قد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً جداً. وقد أجاب آفي لوب من جامعة هارفارد عندما سُئل؛ فقال بهذه الطريقة: «لم نتمكّن منذ مائة عام وحتّى الآن من الربط بين ميكانيكا الكم والجاذبية. لذا، حسب توقعاتي في المستقبل، أعتقد أن الأمر سيستغرق مئات السنين على الأقل».