كان من المتوقّع أن يعلن حلف الناتو، في القمة التي يعقدها في أوائل ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أنّ الفضاء الخارجي بات مجالاً عسكرياً ستدافع فيه الدول عن مصالحها هناك، وذلك، في جزءٍ منه، بسبب تطوّر التكنولوجيا الهائل في السنوات الأخيرة.
وأعلن الناتو أن الفضاء بات ساحةً للحرب، وربما يعني هذا أنه سيبدأ باستخدام أسلحةٍ فضائية يمكنها تدمير الأقمار الصناعية، وصواريخ الدول العابرة المعادية. ولكّن ما هي التكنولوجيا التي ستُستخدم في هذه الحرب، وكيف ستبدو الحرب حينها؟
في المراحل الأولى من تطور تكنولوجيا الفضاء، أطلقت روسيا قمراً صناعياً تجارياً ذو أغراضٍ سلمية؛ مصممٍ خصيصاً لتقديم خدمات الصيانة والإصلاح للأقمار الصناعية الأخرى في المدار.
إن حقيقة امتلاك الشركات التجارية القدرة على تقديم هذه الخدمات؛ قد يعني بشكلٍ ما أنها قادرةٌ على تقديم خدماتها في المجال العسكري أيضاً. وقد لفت ذلك انتباه حلف الناتو. فإذا تمكنت أقمار صناعية تتبع لدولةٍ أو شركةٍ ما من الاقتراب من أقمار صناعيةٍ أخرى، فقد يكون ذلك لأغراض عسكرية أو تخريبية، وقد يحدث ذلك دون اكتشافها في نهاية المطاف.
وثمة تطور مهمٌ آخر في هذا المجال، ويتمثل في إعلان فرنسا مؤخراً عن أنها ستقوم ببناء أقمار «حراسة شخصية» مسلحة، إما بمدافع رشاشة أو ليزر. ويأتي ذلك بعد إعلان الولايات المتحدة عام 2018؛ عن عزمها إطلاق قوة عسكرية فضائية إلى المدار في المستقبل. وقد تحذو العديد من الدول حذوها قريباً.
الحرب الإلكترونية
ولكن، كيف ستحدث عملية التخريب؟ وما هو شكل الحرب التي ستحدث؟ تشمل أحد وسائل التخريب إطلاقَ شعاعٍ كثيفٍ من موجات المايكرويف صوبَ جسم ما؛ قد يكون قمراً صناعياً مثلاً لتعطيله. في الواقع، أُجريت اختبارات على استخدام مثل هذه التقنية سابقاً، حيث اختبرتها شرطة المرور كوسيلةٍ لإيقاف السيارات المسرعة؛ من خلال تعطيل الأجهزة الكهربائية في السيارة.
ويمكن استخدام نفس المبدأ لتعطيل الأقمار الصناعية على شكل «سلاحٍ مُوجّهٍ للطاقة»، يمكن أن يعطّل الأقمار الصناعية دون تحطيمها لمنع انتشار بقاياها في المدار. يمكن القيام بمثل هذا الهجوم وجعله يبدو وكأنه عطلٌ أو حادثٌ اعتيادي، وإخفاء تورط فاعله ببساطة!
هناك أيضاً تقنية التشويش اللاسلكي، والتي تعود إلى الحرب العالمية الثانية، حيث كانت تُستخدم لتعطيل أجهزة الرادار والاتصالات عن طريق إغراق أجهزة الاستقبال اللاسلكي بموجاتٍ من الضوضاء العالية الكثيفة؛ لحجب استقبال الإشارات الحقيقة، وبالتالي افقادها فعاليتها. هذا يشبه إلى حدٍّ كبير محاولة تتبع ضوء شمعةٍ في غمرة ضوءٍ كاسح، يصدر من المصابيح الأمامية لسيارةٍ ما.
في الواقع، تُختبر الأقمار الصناعية بدقّةٍ كبيرة قبل إطلاقها لتتجنّب مشاكل الضجيج الراديوي المُولد ذاتياً في الفضاء. ولكن إذا قام قمرٌ صناعي قريب منها بتوجيه موجاتٍ لاسلكية عريضة النطاق صوبها عن عمد؛ فإن القمر الصناعي قد يفقد الاتصال تماماً مع الأرض.
من المرجّح أن تصبح الحرب الإلكترونية في الفضاء مصدر قلقٍ للعسكريين، نظراً لاعتماد عمل العديد من الخدمات العسكرية على الأرض على الاتصالات الفضائية في الوقت الحالي.
الطاقة الحركية القاتلة والليزر
الطريقة الأكثر وضوحاً وسهولة لتدمير قمرٍ صناعي؛ هي صدمه بمقذوفٍ صلب، حيث يحمل القمر الصناعي طاقةً حركية هائلة نتيجةَ تحرّكه بسرعةٍ كبيرة في المدار. لذلك إذا تمكنا من وضع جسمٍ صلب متحركٍ أبطأ منه في مساره ليصطدم به في النهاية، فإن التصادم سيكون مدمراً جداً للقمر الصناعي.
في الواقع، اُستخدمت هذه الطريقة «القتل بالطاقة الحركية الكامنة - kinetic kills» سابقاً، ولكن لإخراج الأقمار الصناعية من مسارها في نهاية خدمتها للتخلّص منها. وقد قامت بها العديد من الدول -وأظهرت قدرتها على القيام بذلك- مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند. يتم استخدام هذا الطريقة عن طريق إطلاق صاروخٍ موجّه من الأرض نحو القمر الصناعي لازاحته عن مساره. عموماً، إذا كان من الواضح أن الصاروخ يستهدف قمراً صناعياً معادياً، سيكون ذلك واضحاً، ويمكن أن تتبعه دولٌ أخرى عن طريق الرادار.
يمكن استخدام حيلةٍ عن طريق قيام دولةٍ ما بتدمير قمرٍ صناعي تابعٍ لها، وإحداث أقصى كميةٍ من بقاياه لتنتشر وتقف في مسار أقمار صناعيةٍ أخرى مُستهدفة؛ لتصطدم بها وتدمرها، ليبدو وكأنّه حادث اعتيادي. وقد حدث ذلك بالفعل عام 2007، لكن عن طريق الخطأ.
أما استخدام المدافع لقذف الأجسام الصلبة في الفضاء، فله مشاكل كثيرة بسبب قوة الارتداد الناتجة عن استخدامها. فإذا أُطلق السلاح من أي زاويةٍ لا تجعل المقذوف يسير في الاتجاه الدقيق الذي يسلكه القمر الصناعي؛ قد يؤدي لخروجه عن مساره بسرعة. لقد سبق وأختبرت الأسلحة الحركية في الفضاء بالفعل، فقد كانت محطة الفضاء السوفيتية «Salyut 3» مزوّدةً بمدفعٍ سريع الحركة في أواسط سبعينيات القرن الماضي.
بالنسبة لسلاح الليزر، يمكن استخدامه في الفضاء كسلاحٍ دفاعي. تقوم فكرة استخدامه على تسليطه على ألواح الطاقة الشمسية للأقمار الصناعية المعادية وتعطيلها، حيث لن يتمكن القمر الصناعي من التواصل مع الأرض بسبب انعدام الطاقة، وسيخرج في النهاية عن الخدمة. يتميز سلاح الليزر بعدم وجود قوة ارتدادٍ تنجم عن استخدامه، أو قد تكون صغيرةً جداً، كما أنّ الجو الشاسع في الفضاء يضمن أداءً أفضل وأكثر فعالية مما لو أُطلق من مسطح الأرض.
يمكن استخدام الليزر للتشويش على الأجهزة الموجودة على قمر صناعي معادي، وبالتالي منعه من الاقتراب من القمر الصناعي والتعرّف عليه.
الأقمار الصناعية التي ستكون أكثر عُرضةً للهجوم هي المخصصة للاتصالات أو المراقبة. ومع تطور الأقمار الصناعية البحثية وبلوغ دقّتها في التصوير من الفضاء حتّى 30 سم؛ فهناك احتمالٌ قوي أن تُستخدم في المجال العسكري، أو هي بالفعل في طور الاستخدام حالياً. إن الدول التي لا تمتلك معدّات الاتصال الحديثة أو القدرة على مراقبة الآخرين، لن تعرف أبداً من الذي شنّ هجوماً عليها في الفضاء.
ولكن كيف ستبدو حرب الفضاء من الأرض؟ في حين أن أفلام الخيال العلمي جعلتنا نعتقد أن مدافع الليزر في الفضاء ستستخدم الأشعة في نطاق الضوء المرئي، إلا أنّه في الحقيقة الأطوال الموجية الأقصر تمتلك طاقةً تدميرية أعلى. على الأرجح، لن يتمكن المشاهد من الأرض رؤية أية علامات أو آثار مباشرةٍ لحرب الفضاء، إلا في حالة تدمير قمرٍ صناعي -على سبيل المثال-، وانتشار بقاياه في الفضاء، ودخولها للغلاف الجوي الأرضي. عندها سنلاحظ الوهج الناتج عن احتراقها. ومع ذلك، يمكننا أن نلحظ تأثيراتٍ أخرى للهجمات التي يشنها الأعداء، مثل التأثير على أنظمة تتبع المواقع (الجي بي اس) الحيوية في حياتنا اليومية، والتشويش على بث المحطات الفضائية، وحتّى قد تؤثر على عملية سحب النقود من الصرّافات.
ماذا عن الأسلحة النووية؟
إن استخدام الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الفضاء محظور حالياً بموجب معاهدة الفضاء الخارجي، ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. لكن لم تصدق جميع الدول النووية على الاتفاقية الأخيرة، بما في ذلك الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.
في الواقع أُجريت تجارب قليلة في الفضاء على الأسلحة النووية في الستينيات مثل تجربة «StarFish Prime» ضمن سلسلة التجارب النووية التي سُميت «حوض السمك» حينها، والتي أجرتها الولايات المتحدة. نتج عن هذه التجربة ظهور أحزمة إشعاعية حول الأرض -كان بالإمكان مشاهدتها لعقودٍ بعد تلك التجارب- شكّلت خطراً على روّاد الفضاء.
وقد عطّلت الأحزمة الاشعاعية تلك عدّة أقمارٍ صناعية في المدار المنخفض للأرض. فإذا كانت تجربةٍ نووية واحدة قد أدّت لهذه المشاكل كلّها، فإنه من الواضح أن بضع تفجيراتٍ نووية في الفضاء ستؤدي لجعل الفضاء غير صالحٍ للأقمار الصناعية لعقودٍ قادمة.
ينبغي التذكير دائماً، أنه وبموجب معاهدة الفضاء الخارجي التي تنظّم أنشطة الدول في ميدان استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي، يجب أن يكون استخدام الفضاء للأغراض السلمية فقط، وأن يظلّ مجالاً مُتاحاً للبشرية جمعاء.