في 1992، أدى اكتشاف جسم صغير إلى الكشف عن سر كبير، وهو أن النظام الشمسي أكثر اتساعاً مما كنا نتخيل. فمن قبل، كنا نعرف فقط بوجود بلوتو، وهو يقبع بارداً وحيداً كالغرباء في منطقة حزام كايبر، والذي يتألف هو الآخر من تجمع من الأجسام المتجمدة في المنطقة خارج مدار نبتون، وكأنه حزام كويكبات مع المزيد من المياه والبرد. وحتى العام 1992، كان كل شيء مجرد استنتاجات نظرية، لأنه لم يتمكن أحد من رصد أي شيء أبعد من بلوتو. وقد اعتبر اكتشاف 1992 QB1 المرة الثانية التي يكتشف فيها جسم داخل حزام كايبر. وفي السنوات القليلة التالية، تلاحقت اكتشافات هذه العوالم الباردة الصغيرة، حيث اكتشف أكثر من 80 منها بين 1992 و 1999، ووصل العدد حالياً إلى المئات. ومع انطلاق عمليات مسح أقاصي النظام الشمسي في مراصد ماونا كيا ولا بالما في التسعينيات، بدأنا أخيراً بدراسة "المنطقة الثالثة" من النظام الشمسي بأسلوب عملي يتجاوز البراهين النظرية.
والآن، بعد أن تعمقت معرفتنا بأقاصي النظام الشمسي، بدأنا نواجه أسئلة جديدة، كما تجدد الحديث عن كواكب أبعد من نبتون، ونحن لا نقصد بلوتو أو إيريس أو مايك مايك أو غيرها من الكواكب القزمة المذهلة والديناميكية التي اكتشفناها سابقاً، بل نتحدث عن أجسام غير مكتشفة، قد تكون بحجم المريخ أو أكبر منه.
الكوكب التاسع
في بعض الحالات، قد تكون هذه الكواكب القزمة دليلاً يشير إلى شيء أكبر، مثل كواكب غير مكتشفة. ففي 2003، أعلن الفلكيون مايك براون وتشاد تروهيلو وديفيد رابينويتز عن اكتشاف الجسم سيدنا. بدا أن سيدنا يبتعد في مداره عن الشمس بمقدار 970 ضعفاً من البعد بين الأرض والشمس (وتعرف المسافة بين الأرض والشمس باسم الواحدة الفلكية أو AU) قبل أن يقترب عائداً إلى مسافة 76 واحدة فلكية، ومن المتوقع أن تدوم دورة سيدنا الكاملة حول الشمس 11,000 سنة. بدا سيدنا غريباً، لكن اكتشاف 2012 VP113 بدأ يعقد الأمور أكثر. حيث أن هذا الجسم، والذي أعلن عن اكتشافه في 2014، كان أبعد حتى من سيدنا. ولكنه يشترك معه في الكثير من الميزات، حيث أن مداره أيضاً غريب الشكل ومائل على مستوي النظام الشمسي. واكتشفت أجسام مماثلة أخرى، وهي مجموعة كانت تقترب من الشمس بمقدار 30 واحدة فلكية وتبتعد لتصل إلى أكثر من 250 واحدة فلكية.
يقول كارلوس دي لا فوينتي ماركوس من جامعة كومبلوتينسي في مدريد: "إن اكتشاف هذه الأجسام الأبعد من نبتون يبين أن هذا الجزء البعيد من النظام الشمسي ليس فارغاً على الإطلاق، وأن الأجسام الموجودة فيه تتمتع ببعض الخصائص المحيرة بعض الشيء".
وهو ما دفع بالفلكيين مايك براون وكونستانتين باتيجين إلى استنتاج غير عادي: إن المدارات الغريبة والمائلة على مستوي النظام الشمسي لهذه الأجسام ليست محض صدفة، ولكنها مسارات مخصصة لتجنب جسم أكبر حجماً. وهو كوكب بارد وبعيد اصطلح على تسميته بالكوكب التاسع في بحث نشر في 2015 ويتضمن هذا التوقع. من المرجح أن الكوكب التاسع نفسه بدأ حياته قريباً من الشمس، ولكنه هاجر مبتعداً إلى أقاصي النظام الشمسي، ما أدى إلى تغيير مساره حول الشمس.
من المفترض أن يكون مدار هذا الكوكب متطاولاً، بحيث يقترب من الشمس إلى مسافة 200 واحدة فلكية، ويبتعد ليصل إلى مسافة 1,200 واحدة فلكية، في رحلة تستغرق ما بين 10,000 و 20,000 سنة تقديرياً. وإذا كان الكوكب موجوداً حقاً، فسوف يكون ساطعاً بما يكفي ليعكس شيئاً من ضوء الشمس، بحيث يصبح مرئياً للتلسكوبات على الأرض. أما المشكلة الوحيدة فهو أنه يتحرك ببطء شديد، لدرجة أننا سنحتاج لبعض الوقت حتى نميزه عن النجوم الظاهرة في خلفية المشهد الملتقط بالتلسكوبات.
الفكرة الأساسية هنا هي أن الكوكب التاسع تشكل مع الكواكب الثمانية الأخرى المعروفة، ومن ثم هاجر مبتعداً عن الشمس مع اختلال مداره تدريجياً بسبب زحل والمشتري. ومع ابتعاد الكوكب التاسع، اصطدم في طريقه بكتلة كبيرة من الأجسام المتجمدة في حزام كايبر، تاركاً خلفه أجساماً مثل سيدنا، وأطلق على هذه الأجسام منذ ذلك الحين: الأجسام الأبعد من نبتون. يقول باتيجين، وهو بروفسور في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا: "إن الأمر أشبه بجلب قالب من الحلوى، واقتطاع قطعة منه، ومن ثم رمي باقي القالب". أما "باقي القالب" في هذه الحالة، فهو مجموعة كبيرة من العوالم المتجمدة على حواف حزام كايبر، والتي تتراوح في أحجامها ما بين أحجام المذنبات الصغيرة والكواكب الصخرية المتوسطة، ومن المرجح أنها قذفت إلى خارج النظام الشمسي بالكامل. وفي المحصلة، أدت هذه الهجرة إلى فقدان حوالي 75% من كتلة حزام كايبر.
يقول باتيجين وبراون أنهما متأكدان من وجود الكوكب التاسع بنسبة 99%. وتنبع هذه الثقة من هذه الأجسام الأبعد من نبتون، والبالغ عددها 10 أجسام تقريباً. ما زال الباحثون يكتشفون المزيد من هذه الأجسام، وقد أعلن عن أحدث هذه الاكتشافات منذ فترة وجيزة وحسب، باسم BP519، وهو يتمتع بمدار مثل مدار سيدنا. من المتوقع أن يكون حجم الكوكب التاسع حوالي 10 أضعاف حجم كوكب الأرض، ومن المرجح أنه أضخم الأجسام غير المكتشفة حتى الآن. ونظراً لمداره المتوقع، وفهمنا لحركة الكواكب والكواكب القزمة والكويكبات والمذنبات في نظامنا الشمسي، فمن المستبعد للغاية وجود أية عمالقة جليدية أخرى مختبئة في تلك المناطق البعيدة. يقول باتيجين: "أعتقد أنه يمكن أن نصف الكوكب التاسع، وفقاً لوجهة نظر معينة، بأنه آخر جسم كبير في النظام الشمسي".
استبعدت عمليات المسح بالأشعة تحت الحمراء وجود أي شيء بحجم المشتري أو زحل، وبنسبة تأكيد كبيرة. ما زال من الممكن وجود أجسام أخرى بحجم الكواكب، ولكن ليست كبيرة. يقول باتيجين: "من الممكن وجود أجسام بحجم الأرض أو المريخ، ولكن في الواقع، لم يعد في النظام الشمسي المزيد من العقارات الكبيرة".
المريخ المظلم
في العام الماضي، عملت البروفسورة كات فولك في جامعة أريزونا على بحث في مجلة Astrophysical Journal بصفة مؤلفة أساسية، وهو بحث نظري حول كوكب آخر غير مكتشف. درست فولك أيضاً تعداد الأجسام في حزام كايبر، والمدارات الغريبة، واكتشفت عدداً منها. وتقول فولك أن الإلهام لإجراء هذا البحث أتى جزئياً من الأنباء حول الكوكب التاسع، وكان وسيلة للبحث عن الأجسام الكبيرة الأخرى بدراسة الحركيات المدارية في حزام كايبر. تقول فولك: "عند دراسة الجزء الداخلي من حزام كايبر، وجدنا أنه لطيف المنظر، ويتوافق مع مستوي حركة بقية الأجسام".
ولكن مع الابتعاد نحو الخارج، تصبح الأمور أغرب. وعلى الرغم من أن معظم الأجسام في النظام الشمسي تتحرك ضمن سطح مستوٍ يمتد حول الشمس، بانحرافات لا يتجاوز معظمها بضع درجات، فإن الأجسام في القطاع الخارجي من حزام كايبر تتحرك بانحرافات كبيرة. وتشير هذه الانحرافات نحو وجود عامل خفي يتسبب بكل هذا التشويش: كوكب بحجم المريخ على بعد حوالي 100 واحدة فلكية من الشمس. وكما في حالة الكوكب التاسع، ستكون حركته بطيئة، ولكنه سيعكس الضوء من الشمس أيضاً.
تقول فولك: "وفقاً لتقديراتنا، فإن هذا الجسم ساطع بشكل جيد، وبالتالي لا حاجة لاستخدام تقنيات فريدة للعثور عليه". ويمكن لنظام مسح سماوي، مثل تلسكوب المسح الشامل الكبير، أن يساعد على العثور على هذا الكوكب عن طريق التقاط صور لليلية للسماء والبحث عن الأجسام التي تتحرك ببطء.
إضافة إلى هذا، فقد قدمت في السنوات الماضية بعض الأبحاث التي تقترح وجود كواكب أخرى. تقترح ورقة في مجلة Monthly Notices of the Royal Astronomical Society في 2014 أنه يوجد على الأقل كوكبان أكبر من الأرض في المناطق البعيدة من النظام الشمسي. وفي وقت لاحق، قام أحد المؤلفين، دي لا فوينتي ماركوس، بتعديل الفرضية إلى وجود جسم واحد يسلك سلوكاً مشابهاً نوعاً ما للكوكب التاسع، ولكنه أقرب إلى الشمس. تقترح ورقة أخرى وجود كوكب آخر ضخم ومشابه للأرض على بعد 4000 واحدة فلكية بناء على إشارة راديوية، وقد سحبت هذه الورقة بسرعة بعد أن اتضح للفلكيين الآخرين في الأوساط العلمية استحالة وجود جسم بهذا الحجم والمواصفات. ببساطة، إذا كانت مصفوفة أتاكاما الكبيرة المليمترية وتحت المليمترية قادرة على التقاط جسم كهذا بشكل عرضي مع حقل رؤية ضيق، فمن المفترض أن نرى المزيد من الأجسام المشابهة، بشكل أكثر مما كنا نعتقد أن النظام الشمسي يحويه. توجد تفسيرات أخرى للمسارات الغريبة لسيدنا وأمثاله، مثل وجود كواكب أخرى ذات مسارات مختلفة عن الكوكب التاسع.
تقول فولك أنها حيادية تجاه وجود الكوكب التاسع، ولكنه "يوحي بأفكار جديدة من حيث الديناميكات التي يجب أن ندرسها". إن متابعة دراسة المناطق البعيدة من النظام الشمسي قد تؤدي إلى المزيد من المفاجآت على الأرجح. وفي السنوات المقبلة، مع استخدام أنظمة المسح مثل تلسكوب المسح الشامل الكبير، والتلسكوبات العملاقة مثل تلسكوب الثلاثين متر، والتلسكوب الفضائي جيمس ويب، قد لا نعثر فقط على الكوكب التاسع، بل ربما العاشر وحتى الحادي عشر.
وقد لا يتطلب الأمر أكثر من حساب الموضع بدقة وتوجيه التلسكوب نحوه، تماماً كما تم اكتشاف نبتون في 1847 من قبل يوهان جالي (أو جون كاوتش أدامز، وفقاً لمصدر معلوماتك) بناء على توقعات أورباين لي فيرييه، أو قد يتطلب الأمر العثور على جسم يتحرك ببطء من ليلة إلى ليلة في مسح سماوي شامل، وباختصار، هناك الكثير مما يمكن اكتشافه.
تقول فولك: "هناك الكثير من الأجسام التي لم نكتشفها بعد في حزام كايبر. إنه ليس مثل حزام الكويكبات، والذي نعرف جميع الأجسام الكبيرة فيه. ولا يمكننا حتى أن نستبعد وجود أجسام بحجم نبتون في أقاصي النظام الشمسي بعد".