مع انطلاق أول بعثة لإحضار عينات من حزام الكويكبات إلى الأرض، أصبحت فكرة التنقيب والتعدين للكويكبات، والتي كانت مجرد جزء من الخيال العلمي، حقيقة واقعة، لدرجة أنها بدأت تستقبل طلبات التوظيف لصناعيي المستقبل، بما فيهم ذوو "الخبرة الراسخة في ميكانيك المدارات، وعلم الفلك المتخصص بالكويكبات، والهندسة الكيميائية، ويتمتعون بالصبر"، وذلك وفقاً لدانتي لوريتا من جامعة أريزونا.
يشغل لوريتا، وهو بروفسور في علوم الكواكب، منصب مفتش أساسي في بعثة "أوزيريس ريكس" لجلب عينات الكويكبات، والتي ستلتقي مركبتها الفضائية مع الكويكب بينو في 2018 وتحضر عينة من سطحه إلى الأرض لتحليلها. ويشارك في المشروع أكثر من 150 طالباً من جامعة أريزونا، بهدف دعم فريق ناسا البحثي.
يعتبر الماء أهم ما يمكن أن يعثر عليه منقّب الكويكبات. يقول لوريتا، وغيره من رواد تعدين الكويكبات: "من أهم الموارد وقود الصواريخ الذي يمكن أن نستخرجه من الماء إذا عثرنا عليه على هذه الكويكبات"، والذي سيعزز من إمكانية استكشاف الفضاء ما بين الكواكب. لا يتواجد الماء بكمية جيدة إلا في نسبة صغيرة من الكويكبات، وبالتالي يعتبر التنقيب المرحلة الأولى من الاستثمار، وسيبرهن مشروع "أوزيريس ريكس" على إمكانية هذا الاستثمار، ويفتح الطريق أمام المؤسسات التجارية.
نظراً للجاذبية الضعيفة على الكويكب، والإشعاع الشمسي، يقول لوريتا إن "التحليق بمركبة حول كويكب صغير يعتبر التحدي الأكبر، ويتطلب استخدام أنظمة روبوتية للتنقيب في المستقبل المنظور".
وفي جامعة إيمبري-ريدل لعلوم الطيران (إيراو) ERAU، يقوم هيفر مونكايو، وهو أستاذ مساعد في هندسة الطيران والفضاء، بقيادة مجموعة من طلاب الدراسات العليا في لمرحلة الثانية من مشروع بحثي تموله ناسا لتعزيز قدرات التحكم الذاتي لمركبة فضائية مصغرة للعمل في بيئات ذات جاذبية ضعيفة.
يقول مونكايو: "يشير مصطلح التحكم الذاتي هنا إلى قدرة النظام على تحمل البيئات القاسية، والتكيف واتخاذ القرار بطريقة ذكية". تقوم بعثات التنقيب التي تم تصميمها لتكون ذات "طابع تفرعي" على إطلاق "مئات من المركبات الفضائية المصغرة من السفينة الأم" للبحث عن الموارد.
تعمل جامعة "إيراو" حالياً، بالاشتراك مع شركة تصنيع الطائرات بدون طيار "هونيبي روبوتيكس"، على تطوير منصة اختبار ذات جاذبية جزئية لاختبار الأنظمة الصغيرة لجمع العينات، والتحقق من دقة أنظمة وخوارزميات التوجيه والملاحة والتحكم اللازمة لتشغيل مركبات كهذه. أما بالنسبة للمؤهلات الأكاديمية التي يتطلبها هذا العمل، يقول مونكايو عن فريقه: "يتمتع جميع هؤلاء الطلاب بمهارات مختلفة"، ويذكر الهندسة الميكانيكية، والكهربائية، والفضائية، والحاسوبية، وهندسة المركبات ذاتية التوجيه، من بين الاختصاصات التي ستحتاجها هذه الصناعة.
أما فيما يتعلق بالمشاكل القانونية المتعلقة بملكية الموارد الفضائية، فقد تم حل أغلبها من خلال إصدار قانون التنافسية وريادة الأعمال للشركات الفضائية الناشئة (قانون سبيس اختصاراً) في 2015، والذي يعترف بحقوق مواطني الولايات المتحدة بامتلاك واستثمار موارد الكويكبات التي يحصلون عليها، وذلك لتشجيع الاستثمار في هذا المجال.
حالياً، بدأت عدة شركات خاصة لتعدين الكويكبات بالعمل، وتخطط شركة "بلانيتاري ريسورسز" في سياتل لإطلاق بعثة لتعدين الكويكبات في عام 2020، وقد أعلنت عن رغبتها بتوظيف أكثر من 12 شخصاً من مهندسين وتقنيين في العديد من المناصب، بما في ذلك منصب مدير علمي، ومدير أنظمة كهربائية، ومهندس أنظمة دفع، ومهندس أنظمة حرارية فرعية. تخطط شركة أخرى، وهي شركة "ديب سبيس إندستريز" في كاليفورنيا، لبعثتي تنقيب بدعم من حكومة لوكسمبورج: حيث ستقوم المركبة الفضائية "بروسبكتر إكس" باختبار تقنية التعدين الفضائي على منصة في المدار الأرضي الأدنى، وستقوم المركبة "بروسبكتر 1" بالهبوط على كويكب قريب من الأرض لدراسته.
وفقاً لتقديرات لوريتا، ومونكايو، وغيرهم من الخبراء، فإن بدء عمليات التنقيب التجارية الفعلية لن يحدث قبل 10 إلى 20 سنة، غير أن الفرص في الوقت الحالي لا سقف لها.