قد يدفعك تعبير "علم الأحياء الفلكي" لتخيّل صور للكائنات الفضائية الغريبة التي ظهرت في سلسلة أفلام حكاية لعبة، أو شخصية سبوك من سلسلة أفلام رحلة النجوم، أو شخصية غروغو من مسلسل المندلوريّ (The Mandalorian) لكن العلامات الأولى الحقيقية للتطور ووجود الحياة في الكون ستأخذ على الأرجح شكل الميكروبات وستوجد في الصخور.
مهمة مركبة بيرسيفيرنس في البحث عن الميكروبات
إن الأبحاث المتعلقة بمجال علم الأحياء الفلكي هي أحد أهداف المهمّة التي تقوم بها مركبة بيرسيفيرنس التابعة لوكالة ناسا حالياً؛ إذ تتمثّل إحدى أهم العمليات التي بدأت عند إطلاق هذه المركبة لأول مرة في عام 2020 في تجميع العينات التي قد تحتوي علامات على أشكال الحياة الميكروبية القديمة. بدأت مركبة بيرسيفيرنس بتنفيذ حملتها العلمية الثانية، والتي تتضمّن تجميع عينات صخرية من فوهة جيزيرو في كوكب المريخ. اعتقد العلماء لزمن طويل أن هذه الفوهة التي يبلغ قطرها 45 كيلومتراً قد تحتوي على علامات الحياة الميكروبية القديمة في الكوكب الأحمر. جمّعت مركبة بيرسيفيرنس 4 عينات من دلتا أحد الأنهار القديمة في فوهة جيزيرو منذ 7 يوليو/ تموز 2022، ما يرفع عدد العينات الصخرية "المثيرة للاهتمام من الناحية العلمية" التي تم تجميعها خلال مهمة بيرسيفيرنس إلى 12 عينة.
قال توماس زوربوخن (Thomas Zurbuchen)، المدير المساعد للعلوم في وكالة ناسا في ولاية واشنطن في بيان صحفي: "اخترنا فوهة جيزيرو كموقع للاستكشاف في مهمة بيرسيفيرنس لأننا نعتقد أنها تحتوي على أفضل العينات من الناحية العلمية. وأصبحنا نعلم اليوم أننا أرسلنا المركبة إلى المكان الصحيح"، وأضاف: "تم تجميع عينات متنوعة للغاية خلال الحملتين العلميتين الأولى والثانية للمركبة. وستتم إعادة هذه العينات إلى الأرض ضمن حملة استعادة العينات المريخيّة".
اقرأ أيضاً: إنجاز هندسي: كيف أنقذ مهندسو ناسا مسبار الكويكبات بعد أن تعطل في الفضاء؟
قبل 3.5 مليار سنة، احتوت فوهة جيزيرو على دلتا نهر قديم، وهي منطقة مثلّثية الشكل تشكلت في الماضي عند التقاء نهر ببحيرة. تدرس مركبة بيرسيفيرنس الآن الصخور الرسوبية الموجودة في هذه الدلتا، والتي تشكّلت عند ترسّب الجسيمات من مختلف الأحجام في قعر نهر كان موجوداً يوماً ما. استكشفت المركبة أرضية فوهة جيزيرو خلال حملتها العلمية الأولى في 2021 ووجدت الصخور البركانية التي تتشكّل في أعماق الأرض من الحمم أو خلال ثوران البراكين على سطح الكوكب.
قال كين فارلي (Ken Farley)، عالم المشروع في مهمة بيرسيفيرنس والذي يعمل في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في مدينة باسادينا في بيان صحفي: "هناك تفاوت جميل بين الصخور البركانية التي تتشكل من خلال تبلور الحمم (والتي تم إيجادها في أرضية الفوهة)، والصخور الرسوبية المتنوعة الموجودة في هذه الدلتا"، وأضاف: "يساعدنا تجاور هذه الأنواع المختلفة من الصخور في الوصول لفهم عميق لتاريخ فوهة جيزيرو الجيولوجي، كما أنه يوفّر لنا مجموعة متنوعة من العينات. على سبيل المثال، وجدنا أحجاراً رملية تحتوي على حبيبات وشظايا صخرية تشكّلت في أماكن بعيدة عن الفوهة. كما تم إيجاد أحجار طينية تحتوي على مركّبات عضوية مثيرة للاهتمام".
تحليل العينات الصخرية المستخرجة
تحتوي فوهة جيزيرو على صخرة تحمل اسم "بروز القط البري" (Wildcat Ridge) يبلغ عرضها نحو متر واحد وتشكّلت قبل مليارات السنين نتيجة ترسّب الطين والرمل الناعم في بحيرة مياه مالحة آخذة في التبخّر. استخرجت مركبة بيرسيفيرنس عينة من هذه الصخرة في 20 يوليو/ تموز 2022 بهدف تحليل المنطقة باستخدام جهاز "مسح البيئات الصالحة لإيواء الحياة باستخدام مطيافية رامان والضيائية بحثاً عن المواد العضوية والكيميائية" (أو شيرلوك اختصاراً).
يبيّن التحليل الذي تم إجراؤه باستخدام هذا الجهاز أن عينات الصخور المريخية تحتوي على "صنف من الجزيئات العضوية التي توجد في نفس المناطق التي توجد فيها معادن الكبريت". قد تساعد دراسة هذه المعادن التي توجد في طبقات الصخور الرسوبية في فهم العوالم المائية التي تشكّلت فيها.
تتألف الجزيئات العضوية من العديد من المركبات المتنوعة؛ لكن المكون الرئيس فيها هو الكربون. كما أنها تحتوي عادة على ذرات الهيدروجين والأوكسجين. تعتبر بعض المركبات العضوية لبنات البناء الكيميائية للحياة. كما يعتبر وجود هذه المركبات بالتحديد مؤشراً قوياً على تشكّل الحياة. تشمل المؤشرات على تشكّل الحياة (والتي تدعى البصمات الحيوية) المواد أو البنى التي يمكن اعتبارها أدلة تدعم وجود الحياة من قبل. مع ذلك، يمكن أن تتشكل هذه البصمات الحيوية دون وجود أشكال الحياة
اقرأ أيضاً: هل عثرت إحدى بعثات ناسا على أدلة لوجود الحياة على المريخ؟
وجدت مركبة كيوريوسيتي المريخية التابعة لوكالة ناسا أدلة تشير لوجود المواد العضوية في عيّنات من الصخور المسحوقة في 2013. وتحسست مركبة بيرسيفيرنس وجود مواد عضوية في فوهة جيزيرو في 2021.
قال فارلي: "في الماضي البعيد، ترّسبت المواد مثل الرمل والطين والأملاح الموجودة في العينة المستخرجة من بروز القط البري في ظروف كان من المحتمل أن تزدهر ضمنها الحياة"، وأضاف: "أن وجود المواد العضوية في هذه الصخور الرسوبية المعروفة بأنها تحفظ مستحاثات أشكال الحياة القديمة على الأرض هو أمر مهم. مع ذلك، على الرغم من كفاءة أجهزة مركبة بيرسيفيرنس، فإنه لا يمكن رسم المزيد من الاستنتاجات المتعلقة بمحتوى عينة بروز القط البري إلا بعد إعادتها إلى الأرض كجزء من حملة استعادة العينات المريخية ودراستها بشكل متعمّق".
في سبتمبر/ أيلول 2021، بدأت حملة استعادة العينات المريخيّة التي تديرها وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية عندما التقطت مركبة بيرسيفيرنس أول عينة صخرية. جمّعت المركبة منذ ذلك الحين عينة من الغلاف الجوي للمريخ وملأت أنبوبين تنقية بالعينات المختلفة. تم تخزين جميع العينات داخل جسم المركبة.