قد لا نشعر بوجود الحقل الكهرومغناطيسي حولنا، ولكنه يحمينا من الأشعة الكونية الضارة، ويلعب دوراً مهماً في حفظ توازن الكون، ويمكن اختصار وصف الحقل الكهرومغناطيسي على أنه مزيج بين المجالين: المغناطيسي والكهربائي، وينتشر في صورة موجات وينشأ بعد أن يتصادم المجال الكهربائي والمغناطيسي معاً إثر تدفق الشحنات الكهربائية. على سبيل المثال، عند توصيل كابل شاحن الهاتف بالكهرباء، تتدفق الشحنات الكهربائية، فيتكون مجال مغناطيسي حول التيار المار.
بدايات اكتشاف الحقل الكهرومغناطيسي
أثناء القرن الثالث عشر الميلادي، عاش باحث فرنسي يُدعى "بيتروس بيريجرينوس دي ماريكور" اهتم بدراسة المغناطيس. وفي عام 1269، رسم أول خريطة للمجال المغناطيسي حول مغناطيس كروي الشكل بعدما لاحظ وجود خطوط متقاطعة عند نقطتين، وأطلق عليها اسم الأقطاب. بعد مرور نحو 3 قرون، صرح عالم الفيزياء الإنجليزي "وليام جيلبرت" أنّ الأرض مثل المغناطيس.
اقرأ أيضاً: الحقل المغناطيسي للمشتري به قطبان جنوبيان وليس قطباً واحداً
لم يتوقف الأمر عند جيلبرت، ففي عام 1750، أوضح "جون ميتشل" أنّ تلك الأقطاب تتجاذب وتتنافر. وفي عام 1785، استطاع عالم الفيزياء الفرنسي "شارل أوغستان دي كولوم"، التحقق من وجود المجال المغناطيسي للأرض. وفي عام 1819، اكتشف الفيزيائي الدنماركي "هانز كريستيان" تياراً كهربائياً يكوّن حقلاً مغناطيسياً حوله.
وتوالت الاكتشافات إلى أن أظهر عالم الفيزياء الإنجليزي "فارادي" الحث الكهرومغناطيسي عندما لاحظ أنّ المجال المغناطيسي المتغير يُولد مجالاً كهربائياً. بعد ذلك بنحو 30 عاماً، بدأ "جيمس ماكسويل" في نشر نظريات ومعادلات تربط الكهرباء بالمغناطيس، وأصبح الحقل الكهرومغناطيسي واحداً من أكثر المجالات المثيرة للتساؤلات.
ما هو مصدر الحقل الكهرومغناطيسي في الكون؟
تلف الحقول المغناطيسية كل الأجرام السماوية، وتُعد مصادر هذه الحقول واحدة من أكثر الألغاز في الكون، وحاول العلماء على مدى عقود اكتشافها إلى أن كشف بعض العلماء من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عن أنّ المجال المغناطيسي ينشأ نتيجة حالة غير ممغنطة إلى أن يصبح قوياً ومن ثمّ يأتي دور آلية الدينامو لتضخيم ذلك الحقل الكهرومغناطيسي بما يكفي لكي يُلاحظ، ونُشرت الدراسة في دورية "وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية" (Proceedings of the National Academy of Sciences) في 5 مايو/أيار 2022.
هناك ما يُعرف بـ "نظرية الدينامو"، وهي تشير إلى كيفية توّلد مجال مغناطيسي داخل الأجرام السماوية، على سبيل المثال الأرض، تفترض هذه النظرية أنّ هناك سوائل تتحرك عبر اللب الخارجي للأرض، وتتسبب هذه الحركة في توليد تيارات كهربائية، فتتكون الحقول المغناطيسية حول هذه التيارات. نفس الأمر بالنسبة للأجرام الأخرى. بعبارة أخرى، تفترض النظرية وجود نواة داخل الأجرام السماوية تُوّلد الحقول الكهرومغناطيسية، فإذا تخيلنا أنّ المجال المغناطيسي هو النبات، فلا بد من وجود بذرة نما منها ذلك النبات، هذه فكرة نظرية الدينامو باختصار. وأتى علماء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بفكرة جديدة اعتماداً على المحاكاة الحاسوبية لمعرفة كيفية تولد البذور الأولى التي نشأت منها الحقول المغناطيسية.
اقرأ أيضاً: هل تدعم الثوابت الكونية الملائمة لنشوء الحياة نظرية الأكوان المتعددة؟
على مستوى الخلية هناك سائل يحمل العضيات يُطلق عليه "سائل البلازما"، وعلى المستوى الكوني، هناك أيضاً البلازما وهي حالة المادة عند درجات الحرارة المرتفعة وتنفصل فيها الإلكترونات عن الذرات، هذا السائل يعمل كموّصل للشحنات الكهربائية، فيتكون مجال مغناطيسي وإن كان صغيراً، ومن ثمَّ يبدأ تأثير الدينامو في تضخيم المجال المغناطيسي.
ركز العلماء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا على هذه الخاصية، حيث طوروا نموذج محاكاة حاسوبية يوضح كثافة جسيمات البلازما المنتشرة في الكون بمعدل جسيم لكل متر مربع، وهذا مختلف عن كثافة تلك الجسيمات داخل الأجرام، فمثلاً قد نجد كثافة البلازما داخل النجوم أعلى منها خارجها بنحو 30 مرة. وبسبب كثافة تلك الجسيمات المنخفضة في البلازما الكونية، فإنها لا تتصادم، لكنها توّلد ديناميكيات من موجات منتظمة، وفي النهاية تنشأ الحقول المغناطيسية المبكرة نتيجة الحركة الواسعة في ذلك الكون الفسيح، فتتحول الطاقة الميكانيكية إلى مغناطيسية تماماً كما حصل عندما توّلد المجال المغناطيسي للأرض.
اقرأ أيضاً: أسئلة منتصف الليل: ما هو شكل الكون؟
وبذلك استطاع علماء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إضافة رؤية جديدة للعلم حول النشأة المبكرة للحقل الكهرومغناطيسي للكون. قد تنشأ نظرية جديدة أكثر دقة وإحكاماً، لكن في النهاية إنها محاولات لتُخبرنا عن تاريخ ذلك الكون الغامض.