أدى اكتشاف الكثير من الكواكب خارج المجموعة الشمسية في العقد الماضي إلى زيادة الآمال في استكشاف عالم آخر، يشبه كوكب الأرض في مكان ما في المجرة. لكن هذه الاكتشافات أسهمت أيضاً في تشكيل وعيٍ جديدٍ بالخصائص الغريبة لبعض الأنظمة النجمية خارج مجموعتنا الشمسية، حيث نرى اصطفافاً غريباً وتموضعاً غير مفهوم في مدارات بعض هذه الكواكب. على سبيل المثال، نلاحظ ميل أزواج الكواكب الخارجية لدفع بعضها البعض إلى مدارات غير منتظمة بشكلٍ أكبر مما يجب أن تكون عليه، وهذا ما حيَّر علماءَ الفلك طوال العقد الماضي.
أخيراً يبدو أنه أصبح لدينا بعض الإجابات عن سبب حدوث هذه الظواهر الغامضة، وما الذي تعنيه بالنسبة لفرص إيجاد كواكب صالحة للحياة. حيث يشير بحث جديد نُشر في دورية "نيتشر أسترونومي" أن أزواج الكواكب الخارجية هذه غالباً لديها أقطاب مائلة بحدّة، بحيث تخلق زاوية ميل بين محور دوران الكوكب حول نفسه والمدار الذي يتحرك فيه، وهو ما يؤدي إلى دفع الكواكب بعيداً عن بعضها. كذلك من المتوقع أن تُظهر هذه الكواكب تقلبات عنيفة في الفصول المناخية وما يترتب على ذلك من مناخٍ قاس، يؤثر على قدرة هذه الكواكب على توفير بيئة مستدامة صالحة للحياة من أي نوع.
نتوقع رؤية أنماط محددة لحركة الكواكب حول النجوم بناء على ما نعرفه حالياً عن علم الميكانيكا المدارية. كثيراً ما تشكل حركة الكواكب والأقمار ما يعرف بظاهرة "الرنين المداري" حينما تمر مُحاذيةً لبعضها في نقاط محددة أثناء دورانها في مداراتها المنفصلة. بالتأكيد لا تتصرف جميع الكواكب والأقمار بهذا الشكل، لكن ظاهرة الرنين المداري شائعةُ الحدوث، وهي ليست مجرد ظاهرة نراها مصادفةً، ولكنها حتمية تفرضها قوانين الفيزياء.
منذ بدء اكتشاف العديد من الكواكب خارج مجموعتنا الشمسية، لاحظ علماء الفلك وجود أزواج من الكواكب من أنظمة نجمية أخرى، تتحدى مدة دورانها ظاهرة الرنين المداري، حيث تتخذ مدارات أبعد بكثير من المتوقع. وتعذَّر ايجاد دليل يثبت دور أي من الأسباب المشتبه بها في إحداث هذه الظاهرة مثل تأثير الجاذبية من الكويكبات أو تواجد كميات زائدة من الغبار الكوني.
ومع ذلك كان لدينا بعض الدلائل التي نسترشد بها. فقد كان معروفا من أبحاث سابقة (تشمل مشاهدات من رصد أقمار المشترى ومن ميل كوكب أورانوس عن محوره) أن المدارات بين جرمين فلكيين من الممكن أن تتباعد إذا تم فقد مقدار كاف من الطاقة. فإذا كان الكوكب في مدار قريب من النجم الذي يدور حوله، فالنجم بإمكانه إثارة ظواهر مدٍ وجزرٍ حادة على الكوكب، وهو ما سيكون فعلاً في تحويل الطاقة المدارية إلى طاقة حرارية. فقدُ هذه الطاقة الحرارية ربما يكون كافياً بالفعل لتغيير المدار الذي يتحرك فيه الكوكب.
لكن مجرد التواجد في مدار قريب من النجم غير كاف لشرح ما يراه علماء الفلك في العديد من الأنظمة التي تحوي كواكب خارجية. شيء ما آخر يؤثر على ظاهرة المد والجزر الحادة وما يرتبط بها من طاقة مفقودة، يمكنها تحريك عوالم بأكملها. وكما سيتضح فيما بعد، فإن هذا العامل المؤثر من المحتمل أن يكون ميلاً كبيراً في محور دوران الكوكب. الكواكب حديثة النشأة التي اكتسبت للتو مدارات جديدةً في مناطق مكتظةٍ بالأجرام الأخرى، من المحتمل أن تجد نفسها مضطرة للحفاظ على زاوية ميل كبيرة لمحورها، وفي المقابل يؤدي هذا إلى تغيّر المدار بشكل جذريٍ أكثر من المتوقع. وعند محاولة رصد مدارات زوج من الكواكب سنجد المدارات تتحرك مُبتعدةً عن أنماط الرنين المداري المتوقعة.
تقول "سارة ميلهولاند" عالمة الفلك في جامعة ييل والمؤلفة الرئيسية للبحث الصادر حديثاً: "ميل محور دوران الكوكب يخلق موجات مدٍ وجزرٍ كبيرة، تقوم بتحريك أو ’نحت‘ المدارات"، كما تشير إلى أنه "حتى الآن كان الافتراض التقليدي أن الكواكب خارج مجموعتنا التي تدور في مدارات قريبة من نجومها، يُقدر ميلُها المحوري بصفر، بينما يَفترض بحثنا خلاف ذلك".
يحاول البحث فقط ايجاد تفسير مقنع بما فيه الكفاية لتشكيل نظرية، ولم يحتوِ البحث على أي قياسات مباشرة لميل محاور كواكب خارجية لدعم هذه الفرضية. لكن على الأغلب يظل هذا أفضل تفسير تم تقديمه حتى الآن للغز الذي حير المجتمع الفلكي طوال العقد الماضي، فلا يجب إطلاقاً التقليل من تأثير هذ البحث. الهدف النهائي لكل أبحاث الكواكب خارج مجموعتنا الشمسية يتمثل في أمل إيجاد عالم آخر صالح للحياة، وهذه النتائج الجديدة تؤكد أهمية جوانب محددة من ميكانيكا الفيزياء الفلكية في مساعدتنا على إيجاد ما نبحث عنه. لا يؤثر الميل في محاور الكواكب في أنماط المناخ، أو يسبب طقساً مضطرباً فقط، لكن من المحتمل أن يتسبب أيضاً في تراكم حرارة زائدة في الكوكب، مما قد تشكل الفارق بين كواكب ذات ظروف معتدلة مريحة مثل كوكب الارض وكواكب عبارة عن جحيم خانق مثل كوكب الزهرة.
يقول "غريغوري لافلين" عالم الفلك من جامعة ييل والمؤلف المشارك للورقة البحثية الصادرة حديثاً: "تقريباً كل الكواكب التي اكتشفها مسبار كيبلر الفضائي غير صالحة للحياة"، ويشمل هذا أيضاً أزواج الكواكب التي نعتقد أن أحدها على الأقل لديه زاوية ميل محوري كبيرة. يشير "لافلين" إلى أن المثير للاهتمام أن العديد من الكواكب المحتمل صلاحيتها للحياة والتي تدور حول نجوم قليلة الكتلة، من الممكن أن تخضع لنفس آلية تكوُّن الميل المحوري التي تم الكشف عنها سابقاً. وجدير بالذكر أن الحالة نفسها تنطبق أيضا على نظام ترابيست-1 (TRAPPIST-1) الشهير المكون من 7 كواكب، حيث تُظهر خمسة كواكب احتمالات متباينة لوجود مياه سائلة على سطحها، بينما تقع 3 منها في النطاق الصالح للحياة.
ويشدد لافلين على أنه مع وضوح أن درجة الميل المحوري الكبيرة تعني وجود تأثيرات ملموسة على مناخ الكوكب، فمازال تحديد مقدار الميل اللازم للتأثير على قابلية الكوكب للحياة محل نقاش. فمن الواضح أن ميل محور كوكب الأرض بدرجة 23.5 لم يُمثل مشكلةً في هذه الحالة، ولكن قد يكون نفس هذا الميل حاداً بما يكفي؛ ليسبِّب آثاراً مربكةً في نظام نجمي، يبعد عنا بضع سنوات ضوئية.
ستكون هناك حاجةٌ للقيام بالكثير من العمل للمتابعة، وللتأكد من حقيقة ما يحدث بالفعل، ويجب البدء بالرصد الفعلي لزوايا الميل المحوري للكواكب الخارجية. لكن في غياب دراسة مثل تلك ستظل زوايا الميل المحوري للكواكب خارج مجموعتنا الشمسية بعيدةً عن تركيز معظم علماء الفلك. يقول "لافلين": "لقد قمنا باستخدام نظرية طُبقت فيما قبل على بعض الحالات الخاصة والغامضة إلى حدٍ ما في نظامنا الشمسي، و أظهرنا أن بإمكانها تقديم نتائج رائعة في تفسير حالاتٍ خارج سياق مجموعتنا الشمسية".