لا شيء يماثل الألم الذي يملأ القلب بسكون قاتل عند انتظار اتصال فات أوانه، وقد لا يأتي مطلقاً، ويزداد الأمر سوءاً على سوء عندما تعرف أن الطرف الآخر من الخط تحت الخطر، وأنك بعيد لدرجة يستحيل عليك أن تفعل أي شيء أكثر من الانتظار بين الأمل واليأس، بدون أن تكون ذا فائدة تذكر.
هل أنت بخير؟ دعينا نعرف ما إذا نجوت.
وقعت أوبورتيونيتي، وهي العربة الجوالة المريخية الأطول عملاً، في ورطة صعبة، وبالتحديد، في وسط عاصفة غبارية عاتية، حيث تهب دقائق الغبار الناعمة كبودرة الأطفال بكثافة عالية، لدرجة أنها حجبت الشمس.
قام باحثو ناسا بوضع العربة في وضعية توفير الطاقة، وعلقوا جميع نشاطاتها العلمية لإعطاء الأولوية لنجاتها. كان من المفترض أن تقوم العربة بإرسال إشارة تواصل بشكل دوري حتى مرور العاصفة، وتدخل في وضعية السبات في فترات الصمت اللاسلكي. غير أن العربة توقفت عن الاتصال بالوطن، ما أصاب المشرفين عليها بالقلق حول سلامتها، بدون أي وسيلة لتفقد حالتها.
صرح جون كالاس، مدير مشروع أوبورتيونيتي في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا، في مؤتمر صحفي عقد مؤخراً: "حالياً، دخلنا في وضعية الانتظار. نحن نصغي بشكل يومي إلى أي إشارة محتملة من العربة، ونحن مستعدون للاستجابة الفورية". تعمل أوبورتيونيتي بالطاقة الشمسية، وبالتالي قد تكون في خطر حقيقي ضمن الظلام والغبار، وإذا استهلكت كل الطاقة المخزنة في بطارياتها ولم يصل إلى ألواحها الشمسية ما يكفي من الضوء لشحنها، فقد تعلق في مكانها. حيث أن توليد الطاقة في وضعية السبات ضعيف للغاية، لدرجة أنها قد تفقد في نهاية المطاف القدرة على تزويد ساعتها الداخلية بالطاقة. من الممكن إعادة تشغيلها بعد حدوث خطأ في الساعة، ولكن الأمر سيستغرق بعض الوقت، ويتطلب من العربة التي استيقظت حديثاً أن تشغل موقتاتها وتدخل في حلقة من السبات والاستيقاظ حتى تتمكن من تسجيل ظهور الشمس، وإمكانية الاتصال مع الأرض من جديد.
ولكن ما يزال هناك أمل بأن أوبورتيونيتي لن تقع ضحية البرد القارس كما حصل في 2010 لشقيقتها العربة سبيريت. تم تصميم العربة لتحمل درجات حرارة منخفضة تصل إلى 55 درجة مئوية تحت الصفر خلال وضعية السبات، ومن حسن الحظ، وبفضل العزل الحراري الناتج عن الغبار وقرب الصيف المريخي من أوبورتيونيتي، فليس من المتوقع أن تصل درجة الحرارة حول العربة إلى أقل من 36 درجة مئوية تحت الصفر. يقول كالاس: "أعتقد أننا سنتجاوز هذه العاصفة. عندما تصفو السماء وتعود الطاقة إلى العربة، يجب أن تصبح قادرة على الاتصال معنا".
تتسم العاصفة التي حاصرت أوبورتيونيتي بشدة مذهلة، حيث أن كثافة الغبار كافية لحجب شمس الظهر الساطعة، وقد اتسعت لدرجة تغطي أكثر من 36 مليون كيلومتر مربع، أي ربع مساحة الكوكب. لطالما هبت على المريخ عواصف شاملة من قبل، وكانت تدوم لأسابيع أو أشهر كاملة، ومن المحتمل أن تستمر هذه العاصفة بالهبوب والامتداد لبعض الوقت.
يخطط باحثو ناسا لمراقبة هذه العاصفة عن كثب أثناء تطورها، باستخدام معلومات من أوبورتيونيتي نفسها (عند توافرها)، والعربة الجوالة كيوريوسيتي على الجهة الأخرى من الكوكب، والمسبار الاستطلاعي المداري المريخي، والمسبار المداري المريخي أوديسي، ومسبار ميفن. يأمل الباحثون بجمع بيانات يمكن أن تساعد على التنبؤ بالعواصف اللاحقة، وفهم الأسباب التي تؤدي إلى امتداد عاصفة إقليمية لتتحول إلى حدث ضخم على مستوى الكوكب.
يقول ريتش زوريك، العالم الأساسي في مكتب برنامج المريخ في مختبر الدفع النفاث: "يعتبر تحول عاصفة إقليمية إلى عاصفة شاملة تغطي المريخ أمراً غير عادي، ولم يحدث على امتداد التاريخ أو السجلات الحديثة إلا حوالي اثنتي عشرة مرة. أما بالنسبة للعاصفة الحالية، فهي توشك على تحقيق شروط تصنيفها كعاصفة غبارية تغطي الكوكب".
يعكف باحثون من بعثة أخرى تابعة لناسا، وهي بعثة إنسايت، على مراقبة تطورات العاصفة عن كثب أيضاً. من المقرر أن يهبط مسبار إنسايت على سطح المريخ في نوفمبر، وهو ضمن موسم العواصف الغبارية على الكوكب. ليس من المتوقع أن تستمر هذه العاصفة إلى ذلك الحين، ولكن قد تظهر واحدة أخرى. وعلى الرغم من أن البعثة مستعدة للتعامل مع احتمال هبوب عاصفة غبارية على مستوى الكوكب، فإن هذا الاحتمال يضيف شيئاً من التحدي إلى محاولة الهبوط.
ولكن في الوقت الحالي، يتركز كل الاهتمام على أوبورتيونيتي. ويعتقد مهندسو البعثة أن العربة بحاجة لبضعة أيام قبل أن تحصل على ما يكفي من ضوء الشمس لشحن بطارياتها. ونظراً لانقطاع الاتصال مع العربة، يعتقد المهندسون أن العربة قد انتقلت إلى ما يسمى "وضع الخطأ منخفض الطاقة"، حيث تنطفئ كل الأنظمة باستثناء الساعة. ستقوم الساعة بإيقاظ الحاسوب الداخلي بشكل دوري، وسيقوم بدوره بتفقد نسبة الشحن في البطاريات. فإذا كانت كافية، ستستيقظ العربة، وإلا ستبقى في وضعية السبات. يقول كالاس: "نحن نشعر بالقلق، ولكن لدينا أمل بأن العاصفة ستنقشع والعربة ستبدأ بالتواصل معنا".
إن العاصفة تشتد، كيف حالك؟
صمدت أوبورتيونيتي أكثر بكثير من المتوقع عندما بدأت بعثتها التي كانت ستستمر 90 يوماً في 25 يناير، 2004. وبدلاً من أن تستمر البعثة لمدة ثلاثة أشهر، امتدت لتصل إلى 14 سنة ونصف (وما زال العد مستمراً)، قطعت العربة خلالها أكثر من 45 كيلومتر، وحصلت على العديد من التحديثات الذكية. بل إنها تحملت عاصفة غبارية أخرى في 2007.
على الرغم من كل إنجازاتها، فإن هذه العربة لن تدوم إلى الأبد، لأن جميع الآلات محدودة العمر، مهما بلغت متانتها وجودتها. يقول جيم واتزين، مدير برنامج استكشاف المريخ في ناسا: "نحن جميعاً نشجع أوبورتيونيتي، وهي عربة شديدة القوة كما تعرفون جميعاً. ومهما كانت نتيجة الوضع الحالي، فقد أثبتت هذه العربة الصغيرة أنها كانت استثماراً لا يقدر بثمن، لأنها زادت من قدرتنا على استكشاف الكوكب الأحمر".
بالنسبة لنا جميعاً، وبالنسبة لطاقم ناسا الذين كانوا يعملون مع العربة بشكل مباشر، لا يوجد ما يمكن فعله سوى الانتظار. ويصف كالاس المزاج العام في ناسا بأنه شبيه بمراقبة شخص محبوب في غيبوبة: "توجد علاقة قوية للغاية تربط هذه الفريق بالعربة، بل يمكن وصفها بأنها صلة عاطفية متينة. لم تنته محنتنا حتى الآن، وهذه العاصفة تمثل خطراً داهماً، ولا ندري كم ستدوم وماذا سيكون الوضع بعد أن تنقشع. نحن جميعاً نشعر بالقلق".
إلى أوبورتيونيتي، الأرض تناديك مرة أخرى. اتصلي بنا في أقرب فرصة، نحن قلقون عليك.