في ليلة 26 سبتمبر/ أيلول 2022، شهد العالم محاولة وكالة ناسا لإعادة توجيه كويكب يحمل اسم ديمورفوس. على الرغم من أنه من السابق لأوانه حالياً تحديد ما إذا حقق الاختبار جميع أهدافه، إلا أن المرحلة الأولى سارت كما هو مخطط لها تماماً.
اصطدام مركبة دارت بالهدف
نحو الساعة 7:16 مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة، اصطدمت مركبة دارت (مركبة اختبار إعادة توجيه الكويكبات المزدوج) التي لها حجم سيارة بهدفها. بعد الحصول على تأكيد بصري من كاميرات المركبة، أعلن فريق العمليات في مختبر جونز هوبكنز للفيزياء التطبيقية في ولاية ماريلاند الأميركية عن نجاح الاصطدام، إذ قال المسؤولون: "حسناً، لقد أصبنا الكويكب". بعد ذلك، انقطع الاتصال مع هذه المركبة المتحطّمة.
قالت لوري ليشن (Laurie Leshin)، مديرة مختبر الدفع النفاث في وكالة ناسا خلال البث المباشر لمهمة دارت: "ستبدأ الآن الدراسة العلمية. بعد أن تمكّنا من ضرب الكويكب بالمركبة، سنقيّم الآن مدى فعالية الاصطدام"، وأضافت: "نحن مقبلون على حقبة جديدة في تاريخ البشرية. حقبة قد نمتلك فيها القدرة على حماية أنفسنا من اصطدامات الكويكبات الخطيرة. إنه إنجاز رائع".
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: اصطدامات النيازك ربما جعلت المريخ غير صالح للحياة
كعملية تشغيل اختباري للتنبؤ بمسارات الكويكبات وحرفها، اصطدمت مركبة دارت بكويكب ديمورفوس بسرعة 22 ألف كيلومتر في الساعة على بعد 11.2 مليون كيلومتر عن الأرض. سجّلت التلسكوبات الفضائية والكاميرات حدث التصادم، ولكن لن نتمكّن من معرفة ما إذا كانت المركبة قد غيّرت بالفعل مدار الكويكب إلا بعد أيام أو حتى أسابيع. قال توم ستاتلر (Tom Statler)، عالم البرامج في وكالة ناسا في 22 سبتمبر/ أيلول 2022 في مؤتمر إعلامي: "تبدو هذه المهمة وكأنها مأخوذة من كتب الخيال العلمي أو حلقات مسلسل رحلة النجوم الذي كنا نشاهده عندما كنا صغاراً، وأصبحت اليوم حقيقة".
بدأ اختبار الدفاع الكوكبي الذي تبلغ تكلفته 325 مليون دولار بإطلاق مركبة دارت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021. يهدف هذا الاختبار لتضييق مدار كويكب ديمورفوس الذي يبلغ قطره 160 متراً حول الكويكب الآخر الذي يدور حوله، والذي يحمل اسم ديديموس (تعني "توأم" باليونانية). يدور كويكب ديمورفوس الذي يعتبر قمراً صغيراً حول كويكب ديديموس الذي يبلغ قطره 762 متراً ويبعد عنه مسافة أقل من 1.6 كيلومتر. يشكّل الكويكبان نظاماً كويكبيّاً ثنائياً، ما يعني أن القمر الأصغر (ديمورفوس) يدور حول الجسم الأكبر (ديديموس). وفقاً لوكالة ناسا، يتمثّل أحد أسباب اختيار هذا الزوج من الكويكبات لإجراء تجربة الاصطدام بأن احتمال تهديد أحدهما لكوكب الأرض معدوم.
اقرأ أيضاً: ماذا بعد تأجيل إطلاق مهمة أرتميس 1؟
قالت نانسي شابوت (Nancy Chabot)، عالمة الكواكب وقائدة فريق مهمة دارت في مختبر الفيزياء التطبيقية التابع لجامعة جونز هوبكنز في المؤتمر الإعلامي سابق الذكر: "تهدف هذه التجربة لحرف مدار الكويكب، وليس التسبب باضطرابه"، وأضافت: "لن يتسبب الاصطدام بانفجار الكويكب. ولن يتسبب بتفتيته إلى قطع صغيرة". سيتسبب الاصطدام بتشكّل فوهة يبلغ قطرها عشرات الأمتار وقذف نحو 900 ألف كيلوغرام من الصخور والتراب إلى الفضاء.
تزن مركبة دارت 571 كيلوغراماً، ولكنها قامت بإنجاز يتجاوز التوقعات عندما اصطدمت بكويكب ديمورفوس الذي يبلغ وزنه 4.9 مليار كيلوغرام. قالت شابوت: "نشبّه أحياناً هذه المهمة بصدم عربة الغولف بأحد أهرامات مصر". تحطّمت المركبة تماماً نتيجة الاصطدام، وستنتشر قطعها ببطء عبر حقل جاذبية المنخفض للنظام الكويكبي الثنائي.
Don't want to miss a thing? Watch the final moments from the #DARTMission on its collision course with asteroid Dimporphos. pic.twitter.com/2qbVMnqQrD
— NASA (@NASA) September 26, 2022
تم تصميم مركبة دارت من قبل مختبر جونز هوبكنز للفيزياء التطبيقية بتوجيه من مكتب تنسيق الدفاع الكوكبي التابع لوكالة ناسا. يقوم هذا المختبر بإدارة مهمة دارت التي تهدف لإثبات أنه من الممكن حرف مسار كويكب كبير بما يكفي ليكون مدمّراً (أو أي كويكب لا يتجاوز قطره بضع مئات من الأمتار) من خلال صدمه بشكل متعمّد باستخدام مركبة فضائية. تحمل هذه الطريقة اسم الحَرف الحركي التصادمي، وهي إحدى الطرق العديدة المقترحة لإعادة توجيه الكويكبات التي قد تمثّل خطراً على الأرض.
اقرأ أيضاً: إنجاز هندسي: كيف أنقذ مهندسو ناسا مسبار الكويكبات بعد أن تعطل في الفضاء؟
وفقاً لوكالة الفضاء الأوروبية، تمكّن عدد قليل من التلسكوبات الأرضية من رصد الاصطدام. يقع أحد هذه التلسكوبات في جزيرة رييونيون، وهي جزيرة في المحيط الهندي. وتمكّن أيضاً التلسكوب الجنوب إفريقي الكبير في ناميبيا من رصد هذا الحدث.
قدّر علماء وكالة ناسا أن احتمال فشل مركبة دارت بالاصطدام بالكويكب أقل من 10%. على الرغم من أن الاصطدام بحد ذاته كان مثيراً، فإن المهمة لا تهدف لاختبار ما إذا كنا قادرين على صدم الصخور الفضائية فقط؛ إذ إنها ستساعد العلماء على زيادة دقة نماذج التنبّؤ بمسارات الكويكبات للتحضير للكويكبات التي قد تمثّل خطراً على الأرض. بعد الاصطدام، سيقيس فريق البحث مقدار انحراف الكويكب عن مداره باستخدام التلسكوبات الأرضية.
تعتبر مهمة دارت إحدى المهمات الفضائية العديدة المتعلقة بالكويكبات التي يتم تنفيذها. تحمل مركبة الفضاء أوزيريس ريكس التابعة لوكالة ناسا ما يقرب من نصف كيلوغرام من الركام الفضائي الذي يعود لكويكب بينو حالياً إلى الأرض بهدف دراسته، ومن المفترض أن تصل المركبة إلى الأرض في سبتمبر/ أيلول 2023. كانت اليابان أول دولة تستعيد عيّنات كويكبية إلى الأرض. وتأمل الصين بفعل الأمر نفسه من خلال مهمة يُخطط لإطلاقها في عام 2025. بالإضافة إلى ذلك، ترصد مركبة الفضاء لوسي التابعة لوكالة ناسا الكويكبات الطرواديّة الموجودة بالقرب من كوكب المشتري. وتم تحميل مركبة سكاوت المخصصة لدراسة الكويكبات القريبة من الأرض في صاروخ القمر الجديد التابع لوكالة ناسا، والذي سيتم إطلاقه مع مهمة أرتميس-1.
يمكنك مشاهدة مقطع فيديو كامل للعدل التنازلي ولحظة الاصطدام أدناه.