على بعد 650 سنة ضوئية، يندفع كوكب أشد سخونة من العديد من النجوم حول "شمسه" بسرعة، مخلفاً وراءه ذيلاً متوهجاً من الغاز كما تفعل بعض أنواع المذنبات فائقة الحرارة.
في ورقة علمية نُشرت يوم الإثنين الماضي، في 5 يونيو، في مجلة نيتشر Nature، أعلن باحثون عن اكتشاف العملاق الغازي الذي يدور حول نجم حار إلى درجة لا تصدق يسمى "كيلت-9" KELT-9، والذي يبلغ حجمه ضعفي حجم الشمس، وتبلغ حرارته ضعفي حرارتها.
يمر الكوكب الشبيه بالمشتري فوق قطبي كيلت-9 وهو يدور حوله – خلافاً للدوران المعتاد حول خط الاستواء الخاص بالنجم – بسرعة كبيرة. يعبر هذا الكوكب مرة واحدة كل 36 ساعة، ماراً بين نجمه الأم وتلسكوبات الرصد على الأرض. هذا الكوكب الذي يعرف باسم كيلت-9-بي مقفل مدّياً (مدة دورانه حول النجم تساوي مدة دورانه حول نفسه)، حيث يواجه أحد جانبيه الإشعاعات الشديدة لشمسه بشكل دائم، بينما يغط الجانب الآخر في ليل دائم.
على الجانب المضاء من الكوكب (الذي يعادل 3 أضعاف حجم المشتري تقريباً، ولكنه يمتلك نصف كتلته فقط) تصل درجات الحرارة إلى 4,316 درجة مئوية. وهي أقل من درجة حرارة شمسنا بحوالي 1093 درجة مئوية فقط، وهي نفس درجة حرارة النجوم التي تسمى الأقزام البنية. إلا أنه بالرغم من حجمه الهائل، ودرجة حرارة سطحه، يقول الباحث إن هذه الحيثيات لا تشير إلى أنه نجم. يقول مؤلف الدراسة سكوت غاودي: "إن الحرارة الداخلية لمركز الكوكب ليست مرتفعة بما يكفي لدمج الهيدروجين والهيليوم".
استمر غاودي وزملاؤه بتتبع الكوكب بمساعدة عمليات الرصد التي قام بها عدد من الفلكيين الهواة المتطوعين، وتمكنوا من مشاهدته وهو يعبر أمام نجمه ويتوارى خلفه بشكل متعاقب. حيث كان أحد التلسكوبات الرئيسية التي استخدمت في هذه التجربة هو كيلوديغري إكستريملي ليتل تلسكوب (كيلت KELT)، الذي يساعد الفلكيين في البحث عن الكواكب التي تدور حول نجوم شديدة الحرارة، مثل النجم كيلت-9. استخدم الباحثون تلك القياسات ونتائج الرصد للبدء بالحصول على صورة أكثر وضوحاً لماهية هذا الكوكب.
على سبيل المثال، من المرجح أن الإشعاع والحرارة الشديدين الصادرين عن النجم يتسببان باندفاع مختلف المواد خارج الكوكب، لتشكل ذيلاً متوهجاً من الغاز خلفه. ولم تتمكن جزيئات مثل الماء والميثان من التشكل في ظل الحرارة الشديدة على الجانب المضاء للكوكب.
لا تزال معظم الجوانب الأخرى المتعلقة بالكوكب مجهولة، ولكن الباحثين يعتقدون بشكل شبه مؤكد أن المدار الغريب للكوكب يشير إلى ماض عنيف مر فيه.
يقول غاودي: "هذا الكوكب لديه تاريخ طويل جداً من الأحداث القاسية". ويوضح أن علماء الكواكب يعتقدون أن العديد من الكواكب تأخذ بالتشكّل ضمن أقراص كوكبية أولية، وهي أقراص ضخمة من الغاز والغبار تدور تقريباً حول خط استواء نجمه المضيف. تميل الكواكب التي تتشكل ضمن القرص إلى البقاء في المستوي نفسه، ولكنها قد تُدفَع إلى مدار مختلف (مثل المدار العمودي لـ كيلت-9-بي) إذا اصطدم بأحدها جرم آخر كما يحدث مع كرات البلياردو.
ولا يبدو أن الأمور مرشحة للتحسن كثيراً فيما هو قادم من مستقبل الكوكب. في نهاية المطاف، قد تؤدي الإشعاعات الشديدة الصادرة عن الشمس إلى تبخر الكوكب بأكمله، أو تقلصه إلى كوكب صخري قاحل مثل عطارد، وذلك تبعاً لبنية الكوكب. وإن لم يحدث ذلك، فعندها سيكون مصيره الزوال عندما يتضخم كيلت-9 متحولاً إلى عملاق أحمر في وقت لاحق من دورة حياته.
ولكننا نتحدث عن أمر ما زال أمامه الكثير من الوقت قبل أن يحدث في المستقبل. فلا يزال الباحثون يأملون بأن يتسنى لهم الوقت على منصات الرصد الأخرى، مثل التلسكوب الفضائي القادم جيمس ويب، ليساعدهم ذلك في جمع المزيد من البيانات عن ماهية الغلاف الجوي للكوكب في الوقت الحاضر. كما أنهم يأملون بمعرفة مدى جودة انتقال الحرارة من الجانب المضاء للكوكب إلى جانبه المظلم الأقل حرارة. قد تساعد الرياح الشديدة على إعادة توزيع الحرارة على سطح الكوكب، ولكن هناك حاجة لإجراء المزيد من عمليات الرصد.
لا يزال هناك الكثير من الوقت للقيام بعمليات الرصد، ولكن رؤية هذا الكوكب بالتحديد لن تبقى ممكنة إلى الأبد.
تقول كارين كولينز التي شاركت في تأليف الورقة العلمية في تصريح لها: "كنا محظوظين للغاية في التقاط الكوكب وهو يعبر في مداره أمام قرص النجم". وتضيف: "نتيجة مداره القريب من القطبين، والذي يستغرق اجتيازه مدة قصيرة للغاية، ونظراً لحقيقة أن نجمه المضيف مفلطح الشكل، أكثر من كونه كروياً، تشير حساباتنا إلى أن المداورة المدارية (التغير في اتجاه محور الدوران الذي يدور وفقه الكوكب حول نجمه) ستحمل الكوكب خارج المجال المنظور للتلسكوبات في غضون 150 عاماً تقريباً، ولن يعاود الظهور مرة أخرى قبل مرور ما يقارب 3,500 عام".