تقع الأقمار التي تدور حول كل من المشتري وزحل بعيداً عن دفء الشمس. فمعظمها لا يملك غلافاً جوياً، والكثير منها مغطى بغلاف جليدي بسماكة كيلومترات. وهي تمثل أفضل رهان بالنسبة لنا للعثور على حياة في نظامنا الشمسي. تقبع تحت الطبقات المتجمدة محيطات شاسعة، ووكالات الفضاء في الولايات المتحدة وخارجها منكبة في العمل على الروبوتات التي ستزور هذه الأقمار يوماً ما.
يقول هاري نايار، رئيس مجموعة الروبوتيات التي تركز عملها على عوالم المحيطات في مختبر ناسا للدفع النفاث في باسادينا، كاليفورنيا: "في الماضي كنا نفترض أن هناك منطقة مثالية تقع بين الزهرة والمريخ حيث يمكننا العثور على ماء سائل، حيث كانت تشكل الحيز الوحيد في النظام الشمسي الذي يمكننا العثور فيه على حياة". ولكن يبدو أن قمر المشتري "أوروبا"، وقمر زحل "إنسيلادوس" يمتلكان المكونات الأساسية للحياة، فهناك كميات وافرة من الماء السائل، والغذاء، والطاقة، والتي تنبع من فتحات قابعة في أعماق البحار على سطحيهما.
لكن هذه الحياة التي نتحدث عنها، إن كانت موجودة فعلاً، لن يكون من السهل الوصول إليها. فمن المرجح جداً أن يتم العثور عليها سابحة في أعماق سحيقة تحت سطح المحيطات الفضائية المتجمدة. ولكن حالما تقوم إحدى المركبات الفضائية برحلة إلى النظام الشمسي الخارجي، وتنجح في الهبوط على سطح أي من أوروبا أو إنسيلادوس، فإنها ستبقى على مسافات شاسعة فوق مستوى هذه المياه. سيتعين على المسابر الفضائية الروبوتية أن تحفر عميقاً داخل الجليد، متوغلة عبر بيئة يكاد البرد فيها يكون مخيفاً بقدر النتروجين السائل.
هناك عدد قليل من الطرق المختلفة لاختراق هذا الحصن الجليدي. حيث أعلنت ناسا مؤخراً أنها تختبر نماذج جديدة لروبوتات ستقوم باستكشاف العوالم المتجمدة، بما في ذلك مسبار سيقوم بتقطيع الجليد وتسخين القطع الناتجة داخل أجزاءه الداخلية الدافئة. عمل الباحثون في ألمانيا على تطوير روبوت يقوم بإذابة كل الجليد الذي يأتي في طريقه. ولم تتوقف أفكار ناسا عند هذا الحد.
كما أن المهندسين المسؤولين عن تطوير هذه الروبوتات بدورهم، لن يُرضي طموحهم الحصول على مسبار قادر على الحفر نحو الأسفل فحسب. بل سيتعين على ابتكاراتهم أن تتمكن من التجول وإرسال عينات باتجاه السطح، إضافة إلى قدرتها على حفر الأنفاق بشكل متواصل لفترات تصل إلى أشهر أو ربما أكثر. إليكم فيما يلي كيف ستقوم هذه المسابر الجريئة بمواجهة العوالم الجليدية والبحث عن الحياة.
ما الذي يقبع في الأسفل
إن كان هناك حياة على أي من أوروبا أو إنسيلادوس، فستكون حياة مجهرية. حيث تقول سينثيا فيليبس، عالمة جيولوجيا الكواكب في مختبر الدفع النفاث: "على الأرجح؛ لا يوجد حيتان أو حبار عملاق أو حتى ديدان أنبوبية صغيرة، أو أي مخلوقات بحرية تشبه ما لدينا هنا على الأرض". وتضيف: "نعتقد أنه ليس هناك في الواقع ما يكفي من الطاقة لتحفز تطور كائنات حية متعددة الخلايا".
ولكن الفتحات المنتشرة على قاع البحار قد تمثل موطناً واعداً لميكروبات فضائية (وهي مماثلة لأنواع النظم البيئية التي يعتقد أن أشكال الحياة قد انطلقت منها على سطح الأرض). ولا يهم أين تقع هذه الفتحات، فإن كانت تؤوي أحد أشكال الحياة، فستكون آثار هذه الحياة قد سافرت بعيداً عن موطنها الأصلي.
يقول برايان ويلكوكس، مهندس الملاحة الجوية والفضائية في مختبر الدفع النفاث: "في حالة المحيطات على الأرض، إذا أخذت أي متر مكعب من ماء المحيط، فستجد فيه على الأرجح مواد جينية من معظم الكائنات الحية على سطح الأرض". ينبغي أن يبقى الأمر صحيحاً بالنسبة للبحار سواء على أوروبا أو إنسيلادوس. وبالتالي عندما تصل مسابرنا الفضائية إلى هذه البحار في نهاية المطاف، فإن أية كمية ستلتقطها من قطرات المياه، ينبغي أن تقدم لنا المعلومات اللازمة.
يقول ويلكوكس: "إن كان لديك ما يكفي من الأدوات الجيدة التي يمكنها العثور على أشياء تتواجد بتراكيز منخفضة جداً، عندها ستضمن إلى حد كبير العثور على جزيئات بيولوجية إن كانت موجودة".
مع ذلك، يفرض هذا الأمر بعض القيود على المسابر الفضائية التي يمكننا إرسالها. بما أن الغرض الأساسي من صناعة الروبوت هو البحث عن الحياة، ينبغي له أن يتبع قواعد صارمة لتجنب جلب الميكروبات الأرضية على متنه، ولتلعب بالتالي دوراً سلبياً في مهمته. قبل هبوط المسبار، سيتم تعقيمه في درجات حرارة شديدة الارتفاع حيث لا يمكن لشيء أن ينجو منها، ولا حتى الإلكترونيات الحديثة.
تهتم ناسا بدراسة المسابر التي تعتمد على محركات الغرافيت والنحاس البسيطة، كتلك التي تم ابتكارها في القرن التاسع عشر. يقول ولكوكس: "يمكنك أن تصنع محركاً ينتمي إلى النمط الذي كان مستخدماً قبل 120 عاماً، كلها مصنوعة من أشياء يمكنها اليوم أن تنجو من هذا التعقيم الحراري".
يمكن للمركبة الفضائية أن توفر على نفسها التعرض لهذا التطهير الأشد من نوعه، بما أنها لن تلمس المحيط أبداً. وبالتالي هنا يأتي على الأرجح دور الإلكترونيات التي تتحكم فعلياً بالمسبار، وتقوم بتحليل الماء الذي يجمعه. يقول ويلكوكس: "يشبه المسبار دمية يتم التحكم بها عن بعد من الطرف الآخر للخيط، ولا تتمتع بذكاء ذاتي". ويضيف ويلكوكس: "علينا أن نضع أولوية الحماية من الآثار الكوكبية في المقدمة، لأن ذلك هو أصعب المشاكل في الواقع".
التشريح والتقطيع
على الأرض، نقوم بالحفر عميقاً داخل طبقات الجليد السميكة في أماكن مثل القارة القطبية الجنوبية وغرينلاند، باستخدام حفارات أو مسابر يمكنها الغوص أعمق من أي آلة أخرى بالاعتماد على تسخين الجليد من حولها حتى الذوبان.
لا تنفع هذه الطريقة على أقمار كل من المشتري وزحل. حيث يشرح بيرند داشوالد، أستاذ هندسة الملاحة الفضائية في جامعة آخن للعلوم التطبيقية في ألمانيا قائلاً: "يكاد يكون من المستحيل التفكير بأنه يمكننا إرسال معدات الحفر إلى قمر جليدي".
وحرارة الجليد أدنى من درجة التجمد بمئات الدرجات. يقول نايار: "سيكون ذلك سبباً رئيسياً بتبديد كل تلك الحرارة للمسابر". ولكن ويلكوكس وزملاءه في فريق العمل؛ يضعون في اعتبارهم أن على المسبار أن يحتفظ بكامل حرارته في أجزائه الداخلية، حيث لا يمكن لها أن تتسرب.
يستخدم المسبار منشاراً دواراً ليشق طريقه داخل الجليد، ومطرقة مزيحة للركام الجليدي ليدفع نفسه عميقاً داخل الحفرة التي يحدثها. يمكن للمسبار أن يوجه نفسه عبر التقدم بالحفر داخل الجليد على أحد جانبيه أكثر من الجانب الآخر. في هذه الأثناء، يتم قذف رقاقات الجليد داخل جسم المسبار المعزول لتتم إذابتها. يقول ويلكوكس: "إن جسم المسبار بأكمله هو في الأساس بمثابة قارورة محاطة بفراغ خال من الهواء، تماماً مثل قارورة "الترمس" التي يمكنها الحفاظ على شرابك ساخناً طوال اليوم".
سيكون مصدر الحرارة هو مادة البلوتونيوم (النوع الذي يمد عربة كيوريوسيتي الجوالة على سطح المريخ وغيرها من المركبات الفضائية بالطاقة، وليس النوع المستخدم في صناعة الأسلحة النووية). سيتم ضخ معظم الماء الذي يقوم بإذابته هذا المسبار من الخلف. ولكنه قادر أيضاً على جمع عينات من الماء داخل حافظات صغيرة، وقذفها باتجاه السطح عبر أنبوب من الألمنيوم يمتد داخل الكابل المجوف المربوط به.
حالما يتجمد الماء الناتج عن الذوبان متحولاً إلى جليد من جديد، يقوم بإقفال الكابل في الموضع الذي حدث فيه التجمد. وعندها، سيتعين على المسبار أن يحمل الكابل بنفسه بدلاً من سحبه انطلاقاً من السطح. وهذا يعني أيضاً أنه لا يمكن سحب المسبار نحو الخلف باتجاه السطح. يقول ويلكوكس: "تمثل هذه الحالة سبباً آخر يفسر بما لا يدع مجالاً للشك ضرورة تعقيم المسبار بشكل تام، لأنه سيبقى هناك إلى الأبد".
العمل كالخلد
يعتبر آيس مول (خلد الجليد) مسباراً آخر مُعدّاً لخوض العوالم المتجمدة، والذي يتم تطويره لصالح مشروع مستكشف إنسيلادوس التابع لوكالة الفضاء الألمانية (DLR). هذا المسبار الذي يبلغ طوله حوالي 6.5 قدماً (2 متر) لا يبدو صغير الحجم أبداً كما هو حال حيوان الخلد المكسو بالشعر الذي يحمل اسمه، رغم أن مصمميه يخططون لجعل الأجيال المستقبلية منه أقل طولاً وأخف وزناً. وقد سبق لفريق العمل أن اختبر عملياً مهارة المسبار في الحفر في القارة القطبية الجنوبية، وغيرها من المناطق الجليدية.
إن آيس مول في المقام الأول هو عبارة عن مسبار يعتمد على التذويب الحراري، أي أنه يقوم بتسخين مساره أثناء تقدمه داخل الجليد. يتطلب هذا الأمر الكثير من الطاقة، وبالتالي من المرجح للمسبار أن يستمد طاقته من مولد نووي بحجم الثلاجة المنزلية يتوضع على السطح. مع ذلك، فإن هذا الخلد الميكانيكي مزود بحفّار لولبي للجليد. يقول داشوالد، الذي عمل لسنوات على تصميم وتحسين المسبار: "تقوم هذه القوة بالضغط بشكل محكم على الرأس المذيب باتجاه الجليد، وبالتالي سيكون هناك باستمرار احتكاك حراري جيد للغاية".
إحدى المشاكل التي تواجه مسابر التذويب الحراري الاعتيادية هي أن التراب والرمل الممزوج مع الجليد قد يغوص نحو الجزء السفلي من الماء الذائب أمام الروبوت ويتراكم. في نهاية المطاف، سيكون المسبار عرضة لمواجهة تكتل من الطين لا يمكنه عندها أن يسخّن مساره من خلالها، وبالتالي سيعلق.
يمكن لآيس مول أن يتجنب هذه الكارثة لأن حفاره اللوبي قادر على جرّه عبر الجليد الممزوج بالرواسب. قام المصممون باختبار المسبار في تربة وجليد مليء بالرواسب في بحيرة ليك هور في القارة القطبية الجنوبية، حيث تباطأت حركة آيس مول، لكنه لم يتوقف. كما أن حفار الجليد اللولبي المفيد أجوف أيضاً، وبالتالي يمكنه سحب العينات.
كما في حالة الروبوت الذي اقترحته ناسا، بإمكان آيس مول أن يغير اتجاهه. فمن خلال توجيه المزيد من الحرارة نحو أحد الجانبين في رأسه المخصص لإذابة الجليد، يمكن توجيه حركة آيس مول ضمن مسار منحن. يقول داشوالد: "لا يمكن لهذه الروبوتات أن تضاهي مهارة الخلد الحقيقي، ولكنها قادرة على إجراء دوران بنصف قطر يقارب 10 أمتار، وينبغي لذلك أن يكون كافياً لتجنب العوائق الكبيرة".
سيعتمد في تنقله على عدد من الأدوات المختلفة، كما يمكنه حتى أن يذيب الجليد باتجاه الأعلى. قد يعني هذا أن بإمكان آيس مول إيجاد طريق له للعودة إلى السطح.
بيئة عدائية
حتى إذا تجاهلنا البرد الشديد، يعتبر كل من القمرين أوروبا وإنسيلادوس أماكن في غاية القساوة. وسيكون على الروبوتات التي تجوب سطح أي منهما أن تتحمل شدة هذه الظروف القاسية.
أحد الأسباب، هو أنها ستكون بعيدة جداً عن الشمس لكي تعتمد على الطاقة الشمسية. وقد لا يسمح الجليد لها أن تتقدم بسهولة عبره. يُعتقد أن أوروبا وإنسيلادوس يطلقان أعمدة من بخار الماء، الذي يتجمد ويتساقط على سطحهما كحبيبات صغيرة. يقول نايار، الذي يعمل فريقه على تصميم عربة جوالة خفيفة الوزن تشبه السيارة الرملية (السيارة الشاطئية): "يمكن لهذه المادة أن تتصرف كالكثبان الرملية في الصحراء، والتي لا تلتصق ببعضها البعض، وبالتالي يمكنك أن تغوص فيها بسهولة".
يتعرض أوروبا لاندفاعات إشعاعية صادرة عن المجال المغناطيسي للمشتري، والذي يمكنه أن يقتل إنساناً بدون أي حماية خلال 10 دقاق. وهذا سيء بالنسبة للروبوتات أيضاً. تقول فيليبس: "يتم قصف السطح بشكل أساسي بجسيمات مشحونة من الإشعاعات، التي ستتسبب بأضرار كبيرة لأي نوع من المركبات الفضائية المعدّة للعمل في المناطق السطحية".
إن أي نوع من الروبوتات التي ستهبط على سطح أحدهما، سيحتاج إلى درع يحميها من هذه الاعتداءات الإشعاعية. وقد لا يشكل هذا الأمر مشكلة بالنسبة للمسابر أثناء تواجدها على أعماق سحيقة، حيث يشكل الجليد طبقة واقية لها. ولكنا ستبقى بحاجة للاعتماد على معدات مرافقة لها على السطح، التي سيتعين عليها أن تصمد بينما تتقدم المسابر ببطء لأميال داخل الجليد.
وسيدلي الجليد هو الآخر بنصيبه من العوائق الخاصة به. فمن المرجح ألا يكون مجرد ماء نقي فقط. يقولا نايار: "تكمن المشكلة في أننا لا نعلم ما هو التركيب الحقيقي لتلك المواد التي ستواجهها المسابر". قد يتعين على الروبوت أن يلتف حول الصخور أو الصدوع العميقة، أو أن يواجه مواد كيميائية أكّالة مثل حمض الكبريتيك.
يقول داشوالد: "إن الحصول على شيء يمكنه الاستمرار بالعمل لعدة أشهر أو حتى سنوات ضمن طبقات الجليد، وضمن بيئات مجهولة، وحيث يمكن لأصغر خلل أن يؤدي إلى فشل المهمة برمتها، يمثّل تحدياً بلا شك".
يمكن لناسا أن ترسل مسابر لإجراء اختبارات ميدانية في أماكن مثل القارة القطبية الجنوبية أوغرينلاند، للتأكد من أنها تعمل بالمستوى المطلوب. ولكن بالمقارنة مع أوروبا أو إنسيلادوس، يعتبر الخوض في هذه البراري الجليدية مهمة سهلاً. سيتعين على المهندسين محاكاة بعض من أشد الظروف قساوة لهذه العوالم الجليدية في المختبر، باستخدام حجرات خاصة باردة ومفرغة من الهواء، وأرضيات من الجليد شديد البرودة.
على الرغم من الصعاب والمشقات، إلا أن السفر عبر طبقات الجليد له جوانب إيجابية. فالمسبار لا يمكنه أن يذيب طريقه بسهولة عبر الطبقات الصخرية الصلبة. يقول ويلكوكس: "لدينا رغبة حقيقية بإذابة الجليد، لأن التعامل مع الماء السائل يعتبر أمراً في غاية السهولة".
وسيكون فحص أي عينات يجمعها المسبار خلال رحلاته أمراً بسيطاً. تقول فيليبس: "في أماكن مثل المريخ أو القمر حيث تكون العينات صخرية في الواقع، يتعين عليك أن تحطم الصخور حتى تتمكن من دراسة ما بداخلها". أما العينات الجليدية فيكفي تسخينها فقط، وتضيف: "إنها طريق سهلة لفصل الجليد عن المواد غير الجليدية".
مثالية للاستكشاف
بقدر ما يمثل كل من أوروبا وإنسيلادوس أهدافاً مغرية بالنسبة لنا، إلا أن استكشافاتنا يجب أن لا تقتصر على هذين القمرين فقط. فهناك الكثير من الأجرام المائية المحتملة إلى جانب الأرض، من المريخ إلى الكويكبات الكبيرة، بلوتو، وأقمار أخرى مثل قمر زحل "تيتان"، أو أقمار المشتري: غانيميد، وكاليستو. تقول فيليبس: "هناك العشرات من العوالم في النظام الشمسي الخارجي، حيث يمكنك استخدام بنية مشابهة جداً".
قد تنجح الأنواع المختلفة من مركبات الإنزال الفضائية، والعربات الجوالة، وأخيراً المسابر الفضائية على حد سواء بجعل كافة هذه العوالم في متناول أيدينا. وما يزال من غير المؤكد بعد كيف ستبدو هذه التكنولوجيا على وجه الدقة. يقول نايار: "ليس لدينا حل مثبت يمكن القول إنه أفضل من كل الحلول الأخرى. فهذه بيئات مختلفة عن أي بيئة أخرى زارتها مسابرنا من قبل".
سنتعلم المزيد عن هذه العوالم البعيدة حالما تبدأ المعلومات الجديدة بالورود إلينا من بعثات مثل كاسيني، وبعثات أوروبا كليبر المزمع إرسالها مستقبلاً. سيجعل هذا الأمر من الأسهل تصميم مسابر من شأنها أن تحفر عميقاً يوماً ما تحت سطوحها الجليدية.
ما زال هناك عدد لا بأس به من السنوات قبل أن تحطّ هذه الروبوتات على سطح أي من أوروبا أو إنسيلادوس؛ فمن المرجح ألا يتم إرسال مسبار إلى أوروبا قبل العام 2028. ولكن هذا لا يعني أن المسابر الموجهة للعمل في الفضاء لا يمكنها أن تساعد في أماكن أقرب إلى حيث نعيش على الأرض، فهنالك الكثير من البحوث الجليدية التي يمكننا القيام بها هنا على سطح الأرض.
يقول داشوالد: "سيكون أمراً محزناً بعض الشيء إن قمت باستثمار الأموال في الأبعاد التقنية فقط، من دون أي أبعاد علمية". حيث قام هو وطاقم العمل لديه بالفعل باستخدام آيس مول لأخذ عينات البكتيريا من شلالات الدم الواقعة في القارة القطبية الجنوبية، حيث يوجد حوض من المياه المالحة الجليدية المليئة بأنواع البكتيريا التي نكاد لا نعرف عنها شيئاً، والتي بقيت معزولة عن العالم الخارجي لأكثر من مليون عام.
وستتاح لنا الكثير من الفرص الأخرى لاختبار كفاءة المسبار في البيئات الفضائية، ووضعه في الخدمة في الوقت نفسه. تقبع تحت الطبقات الجليدية في القارة القطبية الجنوبية؛ بحيرات لم يتم استكشافها بعد. ما زلنا لا نعلم مدى انتشار أشكال الحياة داخل الجليد، أو ما مدى نجاحها في البقاء داخل هذه القِفار المتجمدة. يقول داشوالد: "إن أردنا أن نعرف إمكانية وجود حياة داخل الجليد على الكواكب والأقمار الأخرى، يتعين علينا أن نعرف ظروف نشأة الحياة داخل الجليد هنا على الأرض".