دراسة جديدة تبيّن أن القمر أقدم بنحو 40 مليون سنة مما اعتقد العلماء

دراسة جديدة تبيّن أن القمر أقدم بنحو 40 مليون سنة مما اعتقد العلماء
التُقطت صورة لرائد الفضاء، هاريسون شميت، بتاريخ 13 ديسمبر/كانون الأول 1972 وهو يقف بجوار صخرة قمرية ضخمة منقسمة، وذلك خلال النشاط خارج المركبة الثالث في مهمة أبولو 17 في موقع الهبوط توروس ليترو. وكالة ناسا/جين سيرنان
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

القمر هو أقرب جيراننا في الفضاء، وهو الجرم السماوي الوحيد الذي وطأت عليه أقدام الإنسان. ومع ذلك، ما زلنا نتعلم عنه. في الواقع، قد يكون عمر القمر أكبر بـ 40 مليون سنة مما اعتقد العلماء من قبل. توصّل فريق من علماء الكيمياء الجيولوجية وعلماء الكواكب إلى أن عمر القمر لا يقل عن 4.46 مليار سنة، وذلك من خلال إجراء تحليل على مستوى الذرات الإفرادية على البلورات التي جمعها رواد الفضاء في مهمة أبولو عام 1972. وُصفت النتائج في دراسة نُشرت بتاريخ 23 أكتوبر/تشرين الأول 2023 في مجلة جيوكيمكال بيرسبكتفز ليترز (Geochemical Perspectives Letters).

مصيران مرتبطان

يعلم العلماء من دراسة العينات المستخرجة من سطح القمر أن هذا التابع تشكّل قبل أكثر من 4 مليارات سنة عندما اصطدم جسم عملاق بحجم كوكب المريخ بالأرض عندما كانت صغيرة السن. تحوّلت أكبر قطعة من الأرض انفصلت بسبب هذا الاصطدام إلى القمر، وبقيت في المجموعة الشمسية منذ ذلك الحين.

يقول عالم الكيمياء الكونية والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، فيليب هيك، لبوبساي: “تطوّرت الحياة على الأرض بوجود القمر، والقمر له تأثير في هذه الحياة. ألهم القمر البشر، وينعكس ذلك في التراث الثقافي؛ ولكن له أيضاً تأثيرات مفيدة أخرى مثل الحفاظ على استقرار محور دوران الأرض”.

هيك، هو أمين مجموعة النيازك في متحف فيلد في مدينة شيكاغو، ويعمل أستاذاً في جامعة شيكاغو. ووفقاً له؛ تساعدنا دراسة القمر على فهم الأرض بسبب الفروق الطبوغرافية بينهما.

يقول هيك: “سطح الأرض أصغر سناً بكثير لأنه غني بالنشاطات الجيولوجية الناجمة عن البراكين وظاهرة التجوية. بينما سطح القمر أرشيف للتفاعلات التي تحدث بين أجرام المجموعة الشمسية. يحتوي سطح القمر سجلاً لا نملكه على الأرض؛ لكن تطوّر كوكبنا مرتبط بأحداث التصادم التي وقعت في المجموعة الشمسية المبكّرة”.

اقرأ أيضاً: ما هو مكتب برنامج «من القمر إلى المريخ» التابع لوكالة ناسا؟

وجهة نظر تاريخية

درس الفريق في الدراسة الجديدة غبار القمر الذي جمعه طاقم مهمة أبولو 17. تضمّن فريق هذه المهمة التي هبطت مركبتها على سطح القمر عام 1972، عالم الجيولوجيا في وكالة ناسا، هاريسون شميدت، الذي جمع العديد من الصخور لدراستها على الأرض. تشمل العينات التي جمعها شميدت بلورات صغيرة جداً تشكّلت منذ مليارات السنين، ويمكن أن تساعد دراستها على تحديد عمر القمر.

رائد الفضاء في مهمة أبولو 17، هاريسون شميدت، في عام 1972، مغطىً بالغبار القمري. وكالة ناسا
رائد الفضاء في مهمة أبولو 17، هاريسون شميدت، في عام 1972، مغطىً بالغبار القمري. وكالة ناسا

ذابت الصخور التي تحوّلت في النهاية إلى سطح القمر بسبب الطاقة المتولّدة عن اصطدام الجسم السابق الذكر بالأرض. يعطي ذلك العلماء فكرة عن العناصر التي كانت موجودة على القمر منذ تشكّله، ويتيح لهم مقارنتها بتلك التي ظهرت بعد ذلك بزمن طويل. على سبيل المثال؛ لا يمكن أن يتشكّل الزركونيوم، وهو معدن فضي اللون موجود في الأرض والقمر، على سطح القمر المنصهر ويبقى موجوداً. ويُفترض أن بلورات الزركون الموجودة حالياً على القمر تشكّلت بعد انخفاض درجة حرارة محيط الحمم. ومن ثَمَّ؛ يمكن أن يساعد تحديد عمر هذه البنى على تحديد أقل عمر ممكن للقمر، وذلك بافتراض أنها تشكّلت مباشرة بعد حدث الاصطدام الذي شكّل القمر.

فحص الذرات إفرادياً

اقترح الباحثون سابقاً أن القمر أقدم مما تنص عليه التقديرات الحالية؛ لكن الدراسة الجديدة هي أول دراسة يستخدم فيها العلماء طريقة تحليلية تحمل اسم “التصوير المقطعي بالمجسّ الذرّي” لتحديد عمر القمر بدراسة أقدم بلورة قمرية معروفة جمعها البشر.

قالت عالمة الكواكب والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، جينيكا غرير، في بيان صحفي: “نبدأ عملية التصوير المقطعي بالمجس الذري بشحذ قطعة من العينة القمرية لتحويلها إلى حرف حاد للغاية باستخدام مجهر شعاعي أيوني مركّز يشبه مبراة قلم رصاص فاخرة للغاية، ثم نستخدم أشعة الليزر فوق البنفسجية لتبخير الذرات من سطح ذلك الحرف. تتحرّك هذه الذرات عبر مطياف الكتلة، ويمكننا حساب وزنها بقياس سرعتها؛ ما يمكّننا بدوره من تحديد العناصر التي تعود لها هذه الذرات”.

كشف تحليل الذرات إفرادياً عن عدد بلورات الزركون التي خضعت إلى عملية التحلل الإشعاعي؛ وهي عملية تفقد فيها الذرات غير المستقرة عدداً من البروتونات والنيوترونات. تتحوّل بلورات الزركون بعد ذلك إلى عناصر مختلفة مثلما يتحلل اليورانيوم إلى رصاص. يستطيع العلماء تقدير عمر العينة استناداً إلى نسبة التحوّل وأنصاف العمر المعروفة للنظائر الكيميائية المختلفة.

المؤلّفة الرئيسة للدراسة الجديدة، جينيكا غرير، تعمل باستخدام المجس الذري. ديتر إشيم/جامعة نورث وسترن
المؤلّفة الرئيسة للدراسة الجديدة، جينيكا غرير، تعمل باستخدام المجس الذري. ديتر إشيم/جامعة نورث وسترن

قال هيك في بيان صحفي: “آلية عمل التأريخ الإشعاعي تشبه آلية عمل الساعة الرملية إلى حد ما. يتدّفق الرمل في الساعة الرملية من بصيلة زجاجية إلى أخرى، ويشير تراكم الرمل في البصيلة السفلية إلى مرور الوقت. تشبه آلية عمل التأريخ الإشعاعي هذه الآلية؛ وذلك لأنها تعتمد على عدّ الذرات الأم والذرات بعد التحلل. يمكن بعد ذلك حساب عمر العينات لأن معدّل التحول معروف”.

اكتشف الفريق الذي يعمل على عينة مهمة أبولو 17 أن نسبة نظائر الرصاص (الذرات الوليدة التي نشأت في أثناء الانحلال) تشير إلى أن عمر البلورات يبلغ نحو 4.46 مليار سنة؛ ما يعني أن عمر القمر يجب أن يساوي ذلك على الأقل. على الرغم من أن هذا الحساب يزيد عمر القمر 40 مليون سنة، فإن هذه المدة تبقى قصيرة للغاية مقارنة بتاريخ الكون الذي يمتد نحو 13.7 مليار سنة.

قالت غرير: “اكتشاف أدلة تبين أن الصخور التي ندرسها هي أقدم جزء من القمر معروف حتى الآن مدهش. هذا الاكتشاف هو نقطة ربط للعديد من التساؤلات حول الأرض نفسها. عندما نحسب عمر شيء ما، يمكننا أن نتوصل إلى فهم أعمق للأحداث التي مر بها في تاريخه”.

اقرأ أيضاً: أول خريطة تفصيلية لتوزع الماء على القمر

من أبولو إلى أرتميس

يمكن في الدراسات المستقبلية جمع الأدلة المكتشفة بدارسة هذه العينات التي استُخرجت قبل عقود من الزمن مع تلك المكتشفة من خلال مهمات أرتميس القمرية القادمة. يُخطط لإطلاق مهمة أرتميس 3 في عام 2025، وستهبط مركبة المهمة على القطب الجنوبي للقمر وتستكشفه. جمعت مهمة أبولو 17 عينات من وادي توروس-ليترو على الحافة الشرقية لسهل الصفاء البازلتي؛ لذا يمكن أن تساعد دراسة البلورات المستخرجة من منطقة مختلفة من القمر على إجراء اكتشافات لا يمكن تصورها.

يقول هيك: “أنا مقتنع بوجود مواد أقدم على القمر ولكننا لم نعثر عليها بعد؛ كما أعتقد أن العينات التي جمعتها مهمة أبولو 17 تحتوي ذرات أقدم من الزركون. هذه هي الميزة الحقيقية لإعادة العينات إلى الأرض”.

يمكن أن يتوصل العلماء إلى جدول زمني أدق لتشكّل المجموعة الشمسية وما حدث بعده بدراسة العينات الجديدة وبالاستفادة من التقدّم التكنولوجي في المستقبل.  يقول هيك: “ربما في غضون 50 أو 100 عام أو حتى بعد ذلك، ستمتلك الأجيال الجديدة من العلماء الأدوات المناسبة التي لا يمكننا إلا أن نتخيلها اليوم لإجابة الأسئلة العلمية التي لم تخطر على بالنا حتى. هذه العينات هي إرث للأجيال المستقبلية”.