هل ستختفي النجوم فعلاً بعد 18 عاماً؟ وما السبب وراء ذلك؟

هل ستختفي النجوم فعلاً بعد 18 عاماً؟ وما السبب وراء ذلك؟
سماء مرصّعة بالنجوم بالقرب من إحدى القرى. ديبوزيت فوتوز

إن تأمل السماء ليلاً ومراقبة النجوم ممتع ويبعث على الاسترخاء، لكنّ مراقبي النجوم يلاحظون تناقصاً في أعدادها. توصلت دراسة نُشرت في 19 يناير/ كانون الثاني في مجلة ساينس (Science)، إلى أن سطوع السماء في الليل يزداد من 7 إلى 10 مرات في كل عام، بوتيرة أسرع مما أشارت إليه القياسات الأولى لانبعاثات الضوء الاصطناعي من الأرض.

عملت مجموعة بحثية من مؤسسات في ألمانيا والولايات المتحدة على تحليل أكثر من 50,000 عملية رصد قام بها العلماء المواطنون في جميع أنحاء العالم بين عامي 2011 و2022، كما تم إنشاء مشروع علوم المواطنين، غلوب آت نايت (Globe at Night)، وتشغيله منذ عام 2006، وهو يعتمد عمليات الرصد بالعين المجردة أو التي لا تعتمد على استخدام التلسكوب، ويوضح الدور المهم الذي يمكن أن تؤديه بيانات علم المواطنين في استكمال قياسات الأقمار الصناعية.

اقرأ أيضاً: اكتشاف كوكب خارجي عملاق ساخن جداً قد يجيب عن الأسئلة المتعلقة بموت النجوم

التوهج السماوي

يتوهج شفق اصطناعي في العديد من الأماكن حول العالم بعد غروب الشمس، وهذا التوهج السماوي هو أحد أشكال التلوث الضوئي، لأن هذه الكمية الزائدة من الضوء تؤثر سلباً في عمل علماء الفلك وتعيق رصد النجوم، بالإضافة إلى أنها تؤثر في إحساس الحيوانات بدورات التغيرات الطبيعية اليومية والموسمية.

تقول المؤلفة المشاركة ورئيسة مشروع غلوب آت نايت في المختبر الوطني لأبحاث علم الفلك البصري بالأشعة تحت الحمراء (NOIRLab)، التابع لمؤسسة العلوم الوطنية، كونستانس ووكر، في بيان صحفي: "يؤثّر التوهج السماوي في كل من الحيوانات النهارية والليلية، ويدمر جزءاً مهماً من تراثنا الثقافي".

لم يتم قياس التغيرات التي تطرأ على التوهج السماوي على مستوى العالم في السابق، إذ يمكن للأقمار الصناعية قياسها، لكن أجهزة الاستشعار الحالية ليست حساسة أو دقيقة بما يكفي.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تساعد الثقوب السوداء في تشكل النجوم؟

أهمية مشاركة هواة الرصد

تتمتع تجارب العلماء الهواة في جمع بيانات الرصد بأهمية كبيرة في الحصول على مزيد من الأرصاد، إذ يقارن المشاركون في مشروع غلوب آت نايت ما يلاحظونه في السماء مع المعلومات في 8 خرائط للنجوم، تُظهر كل منها السماء تحت مستويات مختلفة من التلوث الضوئي.

تأثير التلوث الضوئي على رؤية النجوم، 1 - من السماء المظلمة المثالية (على يسار الصورة)، إلى السماء داخل المدينة (على يمين الصورة). حقوق الصورة: المختبر الوطني لأبحاث علم الفلك البصري بالأشعة تحت الحمراء/ مؤسسة العلوم الوطنية/ الاتحاد الجامعي للأبحاث الفلكية/ بي. مارينفيلد

يقول الدكتور في جامعة رور (Ruhr) بمدينة بوخوم الألمانية والعالم في مركز جي إف زِد (GFZ) الألماني لأبحاث علوم الأرض في مدينة بوتسدام، كريستوفر كيبا، في بيان صحفي: "تُعد مساهمات الأفراد بمثابة شبكة استشعار عالمية، ما يجعل هذا العلم الجديد ممكناً".

تغير ممارسات الإضاءة

حللت هذه الدراسة بيانات من 19,262 موقعاً حول العالم، حيث جُمعت تلك البيانات على مدى 11 سنة مضت، في ليالٍ كانت فيها السماء خالية من الغيوم والقمر، ولحساب معدل التغير في سطوع السماء، استخدموا نموذجاً عالمياً لسطوع السماء اعتماداً على بيانات الأقمار الصناعية من عام 2014.

في أوروبا مثلاً، وجد الفريق زيادة بنسبة 6.5% في السطوع سنوياً، فيما كانت النسبة 10.4% في أميركا الشمالية. يقول كيبا: "تتسارع وتيرة اختفاء النجوم عن أعين الناس في البيئات الحضرية بدرجة كبيرة، وإذا استمر الأمر على هذه الحال، فسيتقلص عدد النجوم المرئية عاماً بعد عام، وستختفي مئات النجوم عن أنظارنا".

تفاجأ الفريق بالسرعة التي يتزايد بها التوهج السماوي، لأن بيانات الأقمار الصناعية كانت تسجل نموه بوتيرة أبطأ، وأحد أسباب اختلاف القياسات المأخوذة من الأقمار الصناعية في الفضاء عن التي تم التقاطها على الأرض هو تغير ممارسات الإضاءة.

يقول كيبا: "الأقمار الصناعية حساسة أكثر للضوء الموجّه إلى السماء باتجاه الأعلى، ولكن الضوء المنبعث أفقياً هو المسؤول عن معظم التوهج السماوي، لذلك، إذا ازدادت أضواء الإعلانات وواجهات الأبنية من حيث الحجم أو السطوع أو المدة، فقد تؤثر في توهج السماء بدرجة كبيرة دون أن يظهر هذا الأثر في صور الأقمار الاصطناعية".

أحد أسباب التوهج السماوي أيضاً هو التحول من استخدام مصابيح بخار الصوديوم البرتقالية إلى مصابيح الليد البيضاء التي ينبعث منها الضوء الأزرق. يقول كيبا: "إن أعيننا أكثر حساسية للضوء الأزرق في الليل، وهذا الضوء يتشتت في الغلاف الجوي، ما يسهم بدرجة أكبر في التوهج السماوي، لكن الأقمار الصناعية، التي يمكنها تصوير الأرض بأكملها في الليل، ليست حساسة في نطاق الطول الموجي للضوء الأزرق".على الرغم من أن نهج علم المواطنين مفيد، فهو يواجه بعض القيود، كالمواقع التي يرصد فيها المشاركون النجوم ويسجلون ملاحظاتهم.

حتى الآن، كان المواطنون من أوروبا وأميركا الشمالية هم الأكثر مشاركةً في تسجيل تلك الملاحظات، في حين تأتي نصف الإسهامات الآسيوية من اليابان فقط. في البلدان النامية، يُشتبه في حدوث تغيرات سريعة في التوهج السماوي الاصطناعي، ولكن لم يتم قياس تلك التغيرات بنفس الدرجة حتى الآن. يقول كيبا: "يأتي معظم البيانات من المناطق التي ينتشر فيها التوهج السماوي حالياً، وهذا أمر جيد، لكننا لا نعرف الكثير عن تغير التوهج السماوي في المناطق التي لا تتوفر عنها معلومات كثيرة".

اقرأ أيضاً: زوج غير متناظر من النجوم الميّتة قد يكشف بعض أسرار الكون

تبين النتائج أن سياسات الإضاءة الحالية (مثل التحول إلى استخدام مصابيح الليد)، لم تحقق أي تحسن على المستوى القاري حتى الآن، على الرغم من الوعي المتزايد بشأن التلوث الضوئي، كما أنها توضح الدور الذي يمكن أن تؤديه بيانات العلماء المواطنين بوصفها أداة بحث إضافية.

تقول ووكر: "إذا ازدادت المشاركة على نطاق أوسع، فسنتمكن من تحديد توجهات القارات الأخرى، وربما توجهات دول ومدن بمفردها. المشروع مستمر، لذلك لا تتردد في إلقاء نظرة إلى السماء الليلة وإخبارنا بما تراه!".

المحتوى محمي