لا شك في أن الحصول على دليل قاطع على وجود الحياة في الفضاء سيكون حدثاً هاماً، سواء أقمنا بالاتصال مع نوع حي يضاهينا أو حتى يفوقنا ذكاء، أو سحقنا بالصدفة حشرة فضائية على نافذة مركبة فضائية.
غير أن هذا اليوم لم يحل بعد، على الرغم من أن عناوين الصحف حول العالم تضج بذكر الكائنات الفضائية، زاعمة أنه تم العثور على حياة فضائية على السطح الخارجي لمحطة الفضاء الدولية.
تحدث رائد الفضاء أنطون شكابليروف -الذي سيقود طاقم البعثة المقبلة إلى محطة الفضاء الدولية في ديسمبر- في مقابلة باللغة الروسية مع الخدمة الإخبارية الروسية تاس، عن تجربتين روسيتين حول حياة المتعضيات الميكروية في الفضاء. إحدى هاتين التجربتين، والمسماة بيوريسك، متواصلة منذ سنوات، وذلك لمراقبة حياة البكتيريا والفطريات في الظروف القاسية خارج الغلاف الجوي. وقد صممت جزئياً لمساعدة العلماء على كيفية حماية الكواكب الأخرى من التلوث بأشكال الحياة الأرضية، وتهدف أيضاً لاختبار مدى تحمل المواد المستخدمة في المراكب الفضائية للتعرض للميكروبات في الفضاء على مدى فترات طويلة.
بدأ إجراء تجربة أخرى، تحت اسم تيست، في 2010، وتتضمن إجراء عمليات مسح لأجزاء مختلفة من السطح الخارجي للمحطة الفضائية، وجمع العينات، وإعادتها إلى الأرض للتحليل، وهنا بدأت الأمور تأخذ منحى غريباً.
قال شكابليروف: "وقد تبين الآن أن هذه المسحات تكشف وجود بكتيريا لم تكن موجودة عند إطلاق محطة الفضاء الدولية. أي أنها أتت من الفضاء الخارجي واستقرت على المحطة. تخضع هذه البكتيريا للدراسة حالياً، ويبدو أنها لا تشكل أي خطر".
ولكن عدم وجود هذه المتعضيات على سطح المحطة عند إطلاقها لا يعني أنها أتت من أي مكان آخر غير الأرض.
صحيح أن محطة الفضاء الدولية تحلق في الفضاء الخارجي، ولكنها ليست بعيدة للغاية. حيث أنها تدور حول الأرض على ارتفاع ما بين 330 كيلومتر و434.5 كيلومتر فوق سطح الأرض. وهو ارتفاع يقع ضمن حدود الثيرموسفير بشكل قاطع، وهو طبقة من الغلاف الجوي حيث تدور الأقمار الاصطناعية، ويتشكل الشفق القطبي، وتقل كثافة الهواء إلى حد كبير. غير أن الهواء موجود هناك، وبشكل يكفي لتشكيل مقاومة احتكاك تؤثر على حركة المحطة أثناء دورانها حول الأرض.
يمكن أن نجد ميكروبات نشطة على ارتفاع 14.4 كيلومتر، وقد عُثر عليها عند ارتفاعات تصل إلى 75.6 كيلومتر. أما بالنسبة للمتعضيات المسماة بدب الماء "Tardigrades"، وهي متعضيات غريبة ولكنها أرضية بلا شك، فمن المعروف أنها قادرة على العيش في الفضاء.
في وقت سابق من هذا العام، لمحت وكالة الفضاء الروسية روسكوزموس إلى أصل فضائي للميكروبات على السطح الخارجي لمحطة الفضاء الدولية، واقترحت أنها وصلت إلى هناك على الغبار الفضائي.
على الرغم من غرابة هذا الاقتراح، فقد نشرت ورقة علمية مؤخراً في مجلة "أستروبيولوجي" تقترح أنه يمكن للغبار الفضائي إذا اصطدم بالغلاف الجوي للأرض أن يخرج الميكروبات منه إلى الفضاء.
هل يعني هذا أن شيئاً مماثلاً قد حدث في الغلاف الجوي لكوكب آخر، بحيث انتقلت الميكروبات من هناك إلى المدار الأرضي الأدنى وانتهى بها المطاف على محطة الفضاء الدولية؟ إنه احتمال وارد. ولكن الأرض وميكروباتها أكثر قرباً بكثير من الغلاف الجوي لأي كوكب أو قمر، إضافة إلى أننا لم نعثر على أية حياة خارج الأرض حتى الآن.
في الواقع، فقد أطلقت روسكوزموس ادعاء مماثلاً منذ ثلاث سنوات، عندما قالت أنها عثرت على آثار لعوالق بحرية في المسحات المأخوذة من السطح الخارجي لمحطة الفضاء الدولية. قوبلت هذه الادعاءات بالتشكيك في ذلك الحين. وليس من المؤكد ما إذا عُثر على تلك العوالق البحرية والبكتيريا التي ذكرها شكابليروف في نفس الأماكن على المحطة الفضائية، أو كيف تم تحديدها، أو ما هي بالضبط.
وفقاً لما سبق، يمكن أن نفترض أن هذه البكتيريا ليست مجرد ميكروبات عادية تطوف حول محطة الفضاء الدولية. وعلى الرغم من أن العربات الجوالة، مثل التي أرسلت إلى المريخ، تخضع لإجراءات مشددة لإزالة كافة الملوثات والكائنات الدقيقة عنها، فإن القواعد الناظمة لمحطة الفضاء الدولية ليست صارمة بنفس القدر. حيث أن البشر يحملون معهم وداخلهم الكثير من البكتيريا، ما قد يؤدي إلى تحول المحطات الفضائية إلى صحون مخبرية قذرة لاستزراع الكائنات الدقيقة، كما في محطة مير. ومع وجود الكثير من البشر، والأغراض التي يلمسونها، في حالة حركة دائمة من وإلى محطة الفضاء الدولية، فإن إثبات عدم وجود تلوث قد يكون أمراً صعباً (ليس مستحيلاً، ولكن صعباً للغاية).
كما يذكرنا كارل ساغان، فإن الادعاءات الكبيرة تتطلب إثباتات كبيرة. ولا يمكن اعتبار اقتباس مترجم من مقابلة بمثابة إعلان رسمي، ناهيكم عن اعتباره بمثابة بحث علمي خاضع للتدقيق. لقد راسلنا وكالة الفضاء الروسية للحصول على تعليق حول الموضوع، ولكننا لم نحصل على إجابة حتى الآن. وسنقوم بتحديث هذا المنشور حالما يصلنا الرد.