على بعد مائة وتسعين فرسخاً فضائياً في أعماق الفضاء (الفرسخ واحدة قياس مسافة تساوي 3.258 سنة ضوئية تقريباً) خفت ضوء أحد النجوم بطريقة غريبة، ومن ثم تكرر هذا الأمر مرة ثانية. وعندها بدأ الفلكيون يسألون أنفسهم ما الذي يحدث بحق السماء، وتنوعت التوقعات، بما في ذلك احتمال وجود بنية ضخمة بنتها الكائنات الفضائية.
غير أن ورقة بحثية حديثة نشرت في مجلة Astrophysical Journal Letters وشارك في تأليفها أكثر من 200 باحث، ألقت الضوء على هذه القضية، ووجدت أن خفوت النجم قد يعود إلى الغبار على الأغلب. حيث أن الأجسام الكبيرة والصلبة (مثل تلك البنية الفضائية المفترضة) كانت ستظهر عاتمة بالنسبة للتلسكوبات الموجودة على الأرض. غير أننا تمكنا من رصد بضعة أطوال موجية ضوئية، وهو ما يتفق مع وجود الغبار.
يقول كيفان ستاسون، أحد الفلكيين الذين درسوا هذا النجم من قبل، ولكنه غير مشارك في الدراسة: "من المستحيل أن يكون هذا الخفوت المتكرر قصير الأمد ناتجاً عن حاجب عاتم، بل يجب أن يكون شيئاً يتسبب بتغيير لون النظام. قد يكون عبارة عن دقائق صغيرة من الغبار أو نواتج تفكك المذنبات، وعلى كل حال، يبدو أن هذا الاستنتاج يستبعد وجود أي شيء عاتم كلياً".
لو حُجب ضوء النجم بسبب شيء عاتم، لخفتت جميع الأطوال الموجية الضوئية معاً. غير أن أكبر خفوت يصيب الأطوال الموجية الزرقاء، وهو أمر يتوافق مع كتلة من دقائق الغبار التي يقل عرضها عن ميكرون واحد.
تقول تابيثا بويايجيان: "تعتبر هذه أول مرة نكتشف فيها خفوت إضاءة هذا النجم المجنون، كيك 8462852، منذ بعثة كيبلر التي اكتشف فيها النجم لأول مرة. لقد راقبناه من هنا لبضعة سنوات، ولم يحدث أي شيء. وفجأة، بدأ يخفت ثانية في مايو 2017. تقدم هذه الورقة البحثية أول تحليل لما حدث".
توجد صلة قوية ما بين المؤلفة الرئيسية بويايجيان وهذا النجم، وقد أطلق اسمها عليه. أما الاسم الأصلي للنجم فهو كيك 8462852، وهو اسم صعب بالنسبة للسان والذاكرة، على الرغم من أنها تلفظه بانسياب وسرعة أثناء الحوار. ويُذكر أن أحد زملائها تجنب ذكر هذا الاسم، أثناء أحد الحوارات الصحفية منذ بضعة سنوات، بالإشارة إلى هذا النجم على أنه "نجم تابي" (أي تابيثا)، وبقي الاسم موجوداً من حينها.
إذا ما أطلق اسم فلكي أو فيزيائي فلكي ذكر على أحد النجوم، عادة ما تستخدم شهرته. ويُعرف هذا النجم حالياً باسم نجم بويايجيان، على الرغم من أن الكثيرين ما زالوا يشيرون إليه باسم نجم تابي، خصوصاً ممن يفضلون هذا الاسم المختصر على كلمة بويايجيان، أو ذلك الخليط المؤلف من الأرقام والحروف.
قامت بويايجيان وزملاؤها بدفع تكاليف استخدام المرصد الفريد لاس كومبريس من أجل هذا البحث. وتقول: "إنه المرصد الوحيد في العالم الذي يتمتع بالإمكانيات اللازمة. ولو ذهبت إلى أي مرصد آخر وطلبت رصد هذا النجم لخمس دقائق كل ساعتين على مدى السنة، لقوبلت بالرفض القاطع فوراً".
غير أن هذه هي بالضبط طريقة عمل لاس كومبريس. وبفضل حملة على كيك ستارتر، تمكنت بويايجيان من دفع تكاليف استخدام شبكة تلسكوبات المرصد الموزعة حول العالم، والتي يبلغ عددها 21 تلسكوباً. يقوم نظام تشغيل محوسب بتنسيق عمليات الرصد بين هذه التلسكوبات، بحيث تجمع البيانات حول الهدف عند حلول الليل في مكان تواجدها، ما يمكّن الفلكيين من رصد هذا النجم لفترة طويلة غير مسبوقة. وفي هذه الحالة، كانت عملية الرصد طويلة بما يكفي لملاحظة أن هذا الخفوت ناتج على الأرجح عن دقائق غبارية صغيرة.
غير أن الكثير من الأسئلة بقيت بلا إجابة. حيث أن البيانات لا تتوافق تماماً مع دراسات سابقة عزت الخفوت طويل الأمد للنجم إلى الغبار. ويبدو أن الغبار في هذه الحالة أصغر من الدقائق التي يحتمل أنها تتسبب بالخفوت طويل الأمد والأكثر بطئاً، والذي لاحظه البعض في سجلات بيانات النجم.
نكرر أن هذه الظاهرة لم تتسبب بها المخلوقات الفضائية. يقول ساتسون: "إن ملاحظاتنا تخالف كل ما يمكن توقعه من وجود شيء اصطناعي يحيط بالنجم. من الصعب أن نتخيل شيئاً كهذا مبنياً من دقائق صغيرة".
ولكن، لا بد من الحصول على المزيد من البيانات لمعرفة ما يسبب هذه التغيرات الغريبة بالضبط. تقول بويايجيان: "نرغب برصد أحد الخفوتات الكبيرة بنسبة 20% والتي شهدناها في بعثة كيبلر. ونريد أن نعرف متى سيحدث الخفوت التالي. هل سيبقى الوضع ساكناً ومستقراً لبضعة سنوات مقبلة، أم أن هذا الخفوت سيتكرر باستمرار؟ كيف سيبدو وكم سيدوم؟ ستساعدنا كل هذه المعلومات على رسم صورة أكثر وضوحاً عما يحدث، والإجابة عن الكثير من الأسئلة".
تقول بويايجيان أن الإجابة عن بعض هذه الأسئلة قد يتطلب إطلاق حملة تمويل جماهيري أخرى على كيك ستارتر، كما في الحملة السابقة التي تمكنت من جمع 100,000 دولار و1,700 مشارك. ولكن هذه المرة، وعلى الرغم من أن النجم ما زال غامضاً، فإنه لا يحمل نفس المسحة من الإثارة التي ترافق احتمال وجود بنية هائلة للمخلوقات الفضائية تدور حوله، ولا يمكن أن نعرف مدى تأثير هذا على نجاح الحملة في جمع التبرعات.
تقول بويايجيان: "آمل أننا لم نتسبب بخيبة أمل كبيرة لأي شخص. ولكنني لن أقلل من أهمية هذا العمل لمجرد أنه لا علاقة له بالمخلوقات الفضائية". ما زال هناك الكثير مما يمكن أن نتعلمه من هذا النجم حول كوننا الواسع والغامض، وهو أمر مثير بحد ذاته، خصوصاً مع انطلاق المزيد من التلسكوبات وعمليات المسح واسعة النطاق مثل TESS خلال السنوات القليلة المقبلة.
تقول بويايجيان: "ما يشجعني على هذا العمل هو كونه مثيراً وغير مسبوق. نحن نطلق على هذه الظواهر اسم الألغاز، ولكنها في الواقع منطقية تماماً ما أن نطبق عليها مبادئ الفيزياء ونعثر على الأجوبة الصحيحة. من المثير أن نجد شيئاً جديداً في الفضاء. من يدري؟ قد يكون هناك المئات أو الآلاف من هذه النجوم، وربما أكثر. ما أن نطلق المزيد من البعثات، لن يبقى هذا النجم حالة فريدة من نوعها، وهو ما يسهل دراسة هذه الظاهرة بالاعتماد على عينة أكبر حجماً".