في عام 1905 صاغ "ألبرت أينشتاين"، عالم الفيزياء المعروف، نظرية النسبية العامة، والتي تفترض أنّه لا يمكن أن يسير أي شيء في الكون بسرعة أكبر من سرعة الضوء، ما يعني أنّ للضوء أكبر سرعة في الكون ولا نظير لها. وإذا اقتربت سرعة المادة من سرعة الضوء، تصبح كتلتها لا نهائية، ويحدث تباطؤ في الزمن. وقد أصبحت فكرة أنّ للضوء أكبر سرعة في الكون من المسلمات العلمية المعروفة في يومنا هذا، ويعتمد العلماء عليها في تفسير الكثير من الأحداث الكونية. لكن قبل ذلك، كان الضوء من الأمور المثيرة للجدل.
محاولات العلماء لاكتشاف سرعة الضوء
منذ وقت مبكر من التاريخ البشري، بدأت الأنظار تتجه نحو الضوء الصادر من الشمس، وأخذوا يبحثون في سرعة الضوء وطبيعته، من ضمن ذلك:
فلاسفة اليونان
اختلف بعض الفلاسفة اليونانيين حول طبيعة الضوء وسرعته، وكان أبرزهم: أرسطو وأمبادوقليس، ووضع كل واحد منهما اقتراحاً:
- أمبادوقليس: اعتقد أنّ الضوء يتحرك، ويستغرق وقتاً في التحرك من منطقة لأخرى.
- أرسطو: اختلف مع أمبادوقليس ورأى أنّ الضوء لا ينتقل ولا يستغرق وقتاً في الحركة من مكان لآخر، ودعم حجته بأنّ الضوء ليس كالصوت أو الرائحة، ولكنه أسرع.
اقرأ أيضاً: لماذا يراقب الكيميائيون الضوء وهو يدمر جسيمات الهباء الجوي من الداخل؟
جاليليو
قرر عالم الفلك الذي ذاع صيته في القرن السابع عشر البحث في سرعة الضوء، وطلب من شخصين الوقوف فوق تلتين مختلفتين، بحيث يبعدان عن بعضهما مسافة أقل من ميل، ويحمل كل واحد منهما فانوساً يخفى ضوؤه. وكانت التجربة تحتم على صاحب الفانوس الأول أن يكشف عن ضوء فانوسه، وما إن تلتقط أعين الآخر الضوء، يكشف ضوء فانوسه فوراً، وكان جاليليو واقفاً يراقب سرعة استجابة صاحب الفانوس الثاني للضوء الصادر عن الأول، وتوّصل إلى أنّ الضوء أسرع بـ 10 مرات من الصوت.
جيمس برادلي
عام 1728، أجرى عالم الفيزياء الإنجليزي "جيمس برادلي" بعض تجاربه وحساباته حول سرعة الضوء، وتوّصل إلى أنها تبلغ 301000 كيلومتراً/ثانية، وهي القيمة الأقرب لسرعة الضوء الفعلية التي اتفق عليها العلماء أثناء القرن الماضي.
اقرأ أيضاً: هل يكشف الضوء المنتشر في الفضاء عن الحياة في الكواكب البعيدة؟
الضوء وحدة الكون في المسافات
الضوء هو إشعاع كهرومغناطيسي يمكن إدراكه بالعين المجردة في نطاق الأطوال الموجية التي تتراوح بين 380 - 750 نانومتراً. تنتشر موجات الضوء عبر الأوساط المختلفة بسرعة كبيرة، وتُقدر هذه السرعة في الفراغ بنحو 299,792,458 متراً/ثانية. وعند حساب سرعة الضوء خلال عام، نجد أنها 10 تريليون كيلومتر في العام، وتُسمى بـ "السنة الضوئية". ويستخدم علماء الفيزياء والكونيات سرعة الضوء في تقدير المسافات بين الأجرام السماوية، على سبيل المثال:
- يصل ضوء الشمس إلى الأرض عبر الفراغ خلال 8 دقائق، وهذا يعني أنّ الشمس تبعد عن الأرض مسافة 8 دقائق ضوئية.
- يصل ضوء القمر إلينا خلال ثانية واحدة فقط، وهذا يشير إلى أن المسافة التي تفصل القمر عن كوكب الأرض مقدارها ثانية ضوئية.
- هناك نظام نجمي قريب من النظام الشمسي، يُسمى "رجل القنطور" أو "ألفا سانتوري" (Alpha Centauri)، يبعد عنا مسافة 4.3 سنة ضوئية، فإذا افترضنا أنّ البشر يريدون إرسال مركبة فضائية أو السفر إلى هناك، سيحتاجون مركبة فضائية تستطيع السفر بسرعة الضوء لمدة 4.3 سنة حتى تصل إلى هناك. وهذا أمر مستحيل حتى الآن.
هذا يعني أنّ الصور التي تلتقطها ناسا وغيرها من المؤسسات المهتمة بالفضاء للنجوم والأجرام السماوية التي تبعد عنها مسافات هائلة تتراوح بين ملايين أو مليارات السنين الضوئية، قد تكون لا تُعبر عن حالة تلك الأجرام خلال وقتنا الحاضر، لأنّ تلك الصور تتشكل من الأطوال الموجية التي تصلنا منها عبر النسيج الكوني بسرعة الضوء. على سبيل المثال، لنفترض أنّ هناك نجماً ما يبعد عنا مسافة 5 مليون سنة ضوئية استطاعت ناسا تشكيل صور له من خلال الأطوال الموجية التي وصلت العلماء من هناك، فهذه الصور للنجم قبل 5 مليون سنة، وربما يكون قد نفد وقوده وتحول إلى ثقب أسود الآن أو أنه ما يزال حيّاً، لكن طرأت عليه بعض التغيرات بفعل الزمن.
اقرأ أيضاً: هل يتسبب الضوء الأزرق حقاً في إجهاد عينيك؟
هل هناك سرعة أكبر من سرعة الضوء؟
إنّ الكون في حالة تمدد مستمر، ما يعني أنّ نسيج الزمكان يتمدد بما يحتويه من أجرام سماوية، وبناءً عليه، يعتقد العلماء أن هناك أجزاء من الكون بعيدة عنا تتمدد بسرعة أكبر من سرعة الضوء. ولكن في نفس الوقت، فإنّ الأجرام السماوية في نسيج الزمكان لا تتجاوز في سرعة حركتها سرعة الضوء. لذلك يبدو أنه لا يوجد شيء أسرع من الضوء في الكون. فإذا افترضنا أنّ هناك شخصاً قادراً على السفر بسرعة أكبر من سرعة الضوء، سيحدث تشويش في الزمن بالنسبة له.
وإذا افترضنا أنّ البشر استطاعوا تصنيع صاروخ أو أي جهاز قادر على الحركة بسرعة أكبر من سرعة الضوء، لن يتحمل الجسم البشري هذه السرعة، على الرغم من أن ذلك قد يكون مفيداً في حالة الاتصال بأنظمة أخرى خارج نظامنا الشمسي فقط. ويذهب بعض العلماء إلى أنّ الثقوب الدودية قد تتيح سرعة أكبر من سرعة الضوء، لكن يصعب الوصول إليها لأنها بعيدة جداً عنا، ولا يستطيع البشر مهما بلغت قوتهم التعامل معها.