هل هناك حياة على المريخ؟ لم يحسم الموضوع بعد، ولكن العلماء اكتشفوا مواد عضوية قديمة في صخور الكوكب الأحمر.

7 دقائق
المختبر العلمي المريخي، المعروف أيضاً باسم العربة الجوالة كيوريوسيتي، مع الكثير من المعدات العلمية فائقة التطور.

أمضى العلماء عقوداً كاملة من الزمن وهم يبحثون عن المواد العضوية على المريخ، منذ أن بدأ اختبار تربة الكوكب الأحمر خلال بعثات فايكنج. في السنوات اللاحقة، تتالت العربات الجوالة والتلسكوبات والمسابر السطحية وهي تبحث عن أشياء متنوعة، مثل ارتفاعات حادة في مستويات الميثان في الغلاف الجوي، ودلائل على وجود المواد العضوية في الصخور القديمة، في سعي محموم لمعرفة ما إذا كانت الجزيئات العضوية المشابهة للجزيئات التي هيمنت على الأرض موجودة أيضاً على هذا الكوكب المجاور.

نشرت مؤخراً دراستان في مجلة Science لتقديم نتائج جديدة ومثيرة: اكتشاف مواد عضوية في صخور يبلغ عمرها 3.5 مليار سنة والتغيرات الموسمية في الميثان في الغلاف الجوي للمريخ.

علينا أن نوضح، قبل أن تشعروا بالحماس، أن هذه الاكتشافات لا تعني البتة أننا وجدنا الحياة على المريخ، سواء أكانت حديثة أو قديمة. هذا ادعاء جريء يتطلب المزيد من البيانات والتعاون لإثباته. غير أن هذه النتائج تقدم بعض الأمل بحل مسألة الحياة على المريخ.

اعتمدت كلتا الدراستين على مجموعة أدوات تحليل العينات على المريخ (اختصاراً: سام). ويصفها كريس ويبستر –وهو عالم في مختبر الدفع النفاث والمؤلف الرئيسي للدراسة حول الميثان- بأنها "أعقد مختبر كيميائي أرسل إلى خارج كوكب الأرض بدون شك". تستطيع سام معالجة العينات الغازية والصخرية، ما يسمح للباحثين بكشف المزيد عن الماضي والحاضر على المريخ. وإليكم ما عثرت عليه: المواد العضوية.

تقول كريستن سيباك، أخصائية بجيولوجيا الكواكب في جامعة رايس، ولم تشارك في أي من الدراستين: "يعني مصطلح المادة العضوية أنها مبنية على الكربون وحسب. ولا يمكن للكربون فقط أن يعطينا معلومات عن مصدره، فقد يكون مصدراً غير عضوي وصل إلى مكانه على متن النيازك، أو من البراكين على المريخ. غير أنه أحد العناصر اللازمة لظهور الحياة ونموها".

استخدم الباحثون أداة سام لتسخين قطع صخرية مستخرجة بالثقب من قاع بحيرة بعمر 3.5 مليار سنة. تقول داون سومر، مؤلفة البحث، في مقارنة طريفة بين الطبخ والتجارب المخبرية: "أخذنا المسحوق الصخري ووضعناه في الفرن وسخناه. إذا وضع شخص آخر بعض الكعك في الفرن، أستطيع أن أميز رائحة كعك الشوكولا، وهي مختلفة عن رائحة الدجاج أو رائحة الفطائر المحشوة. وبشكل مشابه، يمكنك أن تتشمم المكونات العضوية من الفرن وتعرف المزيد عما وضعته فيه".

بطبيعة الحال، فإن التعامل مع مكونات الصخور المريخية أعقد من كعك الشوكولا. حيث أن الروائح الصادرة عن هذه المكونات صعبة ولا يمكن تمييزها بشكل واضح، خصوصاً لأنها ليست مؤلفة من مكون واحد يمكن تحديده بسهولة.

تشرح جنيفر إيجنبرود، عالمة في مختبر الدفع النفاث في ناسا، والمؤلفة الرئيسية لبحث المواد العضوية: "تخيل أنه لديك جزيء عملاق مؤلف من الكثير من القطع التي ألصقت معاً بالروابط الكيميائية. إذا سخنت العينة، تبدأ القطع بالانفصال، وتتحرك الغازات نحو أداة القياس. هذا بالضبط ما تراه الأداة، مجموعة من القطع آتية من شيء أكبر في العينة".

ما زالت إيجنبرود وغيرها من العلماء غير متأكدين تماماً من طبيعة الجزيء أو الجزيئات العضوية الأكبر. كما أنهم يحاولون معرفة كيفية بقائها محفوظة بشكل جيد لمدة أكثر من 3 مليارات سنة. لا تبقى الجزيئات العضوية عادة لفترات طويلة من الزمن، وغالباً ما تتفكك عندما تتعرض للماء، أو الإشعاع، أو الحرارة والضغط الشديدين. ولكن على الرغم من تعرض المريخ للكثير من الإشعاعات، فإنه لا يزخر بالماء مثل الأرض، وعلى عكس كوكبنا النشط، فإن الصخور المريخية لا تتحرك ويعاد تدويرها باستمرار بسبب الشرائح التكتونية، وهو ما يتيح لهذه المادة العضوية، مهما تكن طبيعتها بالضبط، فرصة أكبر للبقاء.

بذلت إيجنبرود وفريقها الكثير من الجهود للتأكد بشكل لا يرقى إليه الشك بأن هذه المادة عضوية فعلاً، وتقول: "لقد رأيت أول دلالة على احتمال تحقيق اكتشاف كبير منذ حوالي سنة، وقلت حينها: إذا كانت البيانات تخبرنا بأمر كهذا، فمن الأفضل أن نكون متأكدين". ولهذا، أجرت الاختبار عدة مرات للتأكد من أن النتائج حقيقية وقابلة للتكرار. تكمل ضاحكة: "لقد أجريت الاختبار ثلاث مرات، لأن الاكتشاف كبير للغاية، كما أن الاختبار يتضمن الكثير من عمليات معالجة البيانات، لأننا تفحصنا الكثير من العينات المختلفة. وعندما تأكدت أخيراً من دقة النتائج، أصبت بالذهول. فقد كنا ننظر إلى هذه المادة العضوية منذ 1976".

نكرر مرة أخرى أن هذا لا يعني أن هذه المادة هي عبارة عن بقايا ميكروبات متحجرة منذ 3.5 مليار سنة. فقد تكون شيئاً ما أكلته هذه الميكروبات القديمة، أو من الممكن أنها لم تكن موجودة قط. من المحتمل أن هذه الجزيئات تشكلت بشكل كامل من عمليات جيولوجية أو في الغلاف الجوي، مثل النشاط البركاني، أو ضربات النيازك.

ولكن، يبقى الواقع أن فريق كيوريوسيتي تمكن من تأكيد وجود مادة عضوية على سطح المريخ، وهو أمر هام بحد ذاته، حتى لو لم يكن دليلاً على الحياة. تقول سيباك: "إذا كانت الحياة موجودة فعلاً، فسوف يكون العثور عليها صعباً على الأرجح، ولكننا نعرف الآن أن الشروط كانت مناسبة لحفظها، ويمكننا الآن أن نتابع بحثنا عن أدلة أخرى أكثر تحديداً بحماس متجدد".

شكل بياني للتغيرات في تركيز الميثان مع الوقت.
مصدر الصورة: ناسا/ مختبر الدفع النفاث – معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا

الميثان

أثناء عمل إيجنبرود وفريقها على الصخور تحت عجلات كيوريوسيتي، كان فريق آخر مشغولاً بقضية أكثر إشكالية، تتعلق بالهواء المحيط بالعربة، وبالتحديد أحد أنواع الغازات في هذا الهواء. تقول ميليسا ترينر، عالمة باحثة في مركز جودارد للتحليق الفضائي التابع لناسا، ومؤلفة البحث: "يعتبر الميثان أبسط جزيء عضوي، كما يصنف على الأرض بشكل رئيسي كغاز عضوي المنشأ ينتج من الحياة على سطح الأرض. اكتشفنا الميثان بعدة طرق على المريخ، ولكننا لم نتمكن من فهم ظهوره واختفاءه وسلوكه بالضبط في الكثير من البعثات، وعلى مدى أكثر من عقد من الزمن".

لوحظ الميثان لأول مرة عن طريق تلسكوبات أرضية في هاواي قامت بقياس مصادر الانبعاث. بعد ذلك، قام مسبار مداري اسمه مارس إكسبريس بأخذ القياسات لفترة طويلة من الزمن، وتمكن الباحثون تدريجياً من تقدير كمية الميثان على الكوكب. ولكن لم يحصل الباحثون مثل ويبستر وزملائه على قياسات مباشرة للميثان على المريخ إلا بعد أن هبطت كيوريوسيتي على سطحه. تقول ترينر: "لقد تمكنا من مراقبة الميثان على مدى عدة سنوات مريخية، وهو أمر غير مسبوق". وجد الفريق أن تركيز الميثان في الغلاف الجوي يتغير بشكل واضح مع الفصول، ويصل إلى ذروته في نهاية الصيف في النصف الشمالي من الكوكب، ومن ثم يبدأ بالانخفاض. وينحصر المدى الموسمي لتركيز الميثان في الغلاف الجوي ما بين 0.24 و 0.65 جزءاً من مليار جزء من الهواء.

تتمركز كيوريوسيتي في حفرة جايل على خط الاستواء المريخي. ولكن حتى من مكانها هناك، يمكن للعربة أن تراقب التغيرات مع الفصول على الكوكب بسهولة. يقول ويبستر: "إن خبرتنا مع الفصول تشبه الوضع في هاواي نوعاً ما. لا توجد تأثيرات موسمية قوية محلياً، ولكن حتى على النطاق المحلي فإن درجات الحرارة تتغير بشكل كبير، وقد يبلغ الفرق بين الصيف والشتاء 30 درجة مئوية، ما يعني فروقاً كبيرة في الحرارة السطحية وحرارة الهواء".

إضافة إلى هذا، فإن الغلاف الجوي للمريخ قابل للاختلاط بسهولة، أي أن التغيرات في مكان ما على الكوكب تؤثر على الأماكن الأخرى. وإضافة إلى مراقبة الميثان، تقوم أداة سام أيضاً بمراقبة وجود غازات أخرى لدينا معلومات أكثر عنها، مثل النيتروجين، والأرجون، وثنائي أوكسيد الكربون. يتغير تركيز النيتروجين والأرجون أيضاً بشكل موسمي، ويتحركان من مكان إلى مكان عندما يصل الشتاء إلى كل من القطبين، مترافقاً بتجمد ثنائي أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وانهماره على الغلاف الثلجي القطبي. تقول ترينر: "تتجمد نسبة من كتلة الغلاف الجوي تصل إلى الثلث. ولو حدث هذا على الأرض، للاحظناه بسرعة كبيرة. عندما يحدث هذا، تتحرك بقية الغازات في الغلاف الجوي بفعل ثنائي أوكسيد الكربون".

تزايد تركيز الأرجون والنيتروجين مع تجمد ثنائي أوكسيد الكربون وتصاعده، غير أن الميثان كان يتصرف بأسلوب مختلف كلياً. وعلى الرغم من وجوده في الغلاف الجوي بتراكيز صغيرة فقط، فإن درجة تزايده وتناقصه لم تتوافق مع التغييرات المقاسة والمترافقة بثنائي أوكسيد الكربون.

إن كمية الميثان التي قاستها الأدوات على مدى خمس سنوات أرضية أكبر من أن يكون مؤلفاً فقط من الميثان الآتي مع النيازك، وهي أحد المصادر الأخرى المحتملة لهذا الغاز. كما استبعد الباحثون أيضاً احتمال أن قراءات الميثان ناتجة عن نشاط العربة نفسها. إضافة إلى هذا، فإن التغير الموسمي في تركيز الميثان في الغلاف الجوي، على الرغم من صغره مقارنة بمعايير الأرض، كان كافياً ليفاجئ الباحثين عند رؤيته.

يعتقد الفريق أنه من الممكن أن يكون الميثان آتياً من مخزن ما تحت السطح مباشرة في مكان ما على الكوكب، متسرباً إلى الخارج عن طريق الشقوق والفتحات. ليس الفريق متأكداً من مكان ونوع هذا الخزان (أو الخزانات). على الأرض، توجد كميات كبيرة من الميثان في الأقفاص البلورية، وهي بنى قفصية من الجليد تحبس داخلها الغازات مثل الميثان. من المحتمل وجود مخزونات مماثلة على المريخ، ولكن لم يسبق لأحد أن رصد الأقفاص البلورية هناك، وبقيت بالتالي مجرد احتمال وحسب.

تخيل فني للعربة مارس 2020.
مصدر الصورة: ناسا/ مختبر الدفع النفاث – معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا

صبر و... كيوريوسيتي

تعتبر كلتا الدراستين نبأ جديداً بالنسبة للعامة، ولكن الباحثين بدؤوا بالحصول على البيانات منذ عدة سنوات. تصف إيجنبرود عملية الانتظار بأنها "لجم الترقُّب"، ويصف ويبستر شعوره بشكل مباشر: "لقد امتدت مفاجأتنا على مدى خمس سنوات. كنت أشاهد النقاط تصعد في الصيف، ومن ثم كنا نضطر للانتظار سنتين كاملتين على الأرض قبل قدوم الصيف المريخي مرة أخرى لنرى ما إذا كانت النقاط سترتفع مرة أخرى، وهذا ما حصل. لقد تطلب الأمر كثيراً من الصبر".

تخطط المجموعتان لمتابعة الدراسة باستخدام كيوريوسيتي، ولكنهم يتطلعون أيضاً للحصول على نتائج أخرى. تقول سيباك: "من الرائع أننا تمكنا من الحصول على مادة عضوية محفوظة هكذا على سطح المريخ بفضل عربة واحدة مزودة بكل تلك الإمكانيات. هذا يعني وجود فرصة أكبر بالعثور على دليل على وجود حياة قديمة، إن كانت موجودة فعلاً".

وقعت كيوريوسيتي في ورطة عندما عجزت عن تحليل العينات الصخرية بعد إصابتها بعطل ميكانيكي أعاق عملية الثقب. ولكن في وقت سابق من هذا العام، تمكنت ناسا من إعادة تشغيل المثقب، وبدأ الباحثون مثل سيباك يتطلعون إلى جمع وتحليل عينات إضافية من أماكن أخرى داخل حفرة جايل، والتي يقدر بأنها أقل عمراً بمليون سنة من الصخور التي شملتها الدراسة.

ستقوم العربة المقبلة، مارس 2020، بجمع عينات الصخور أيضاً. ولكن بدلاً من تحليل كل العينات بشكل فوري، ستقوم أيضاً بجمع عينات أخرى بهدف إرسالها إلى الأرض. ستقوم العربة الروبوتية بتعبئة بعض العينات داخل كبسولة خاصة ستحفظها خلال رحلتها إلى الأرض، حيث توجد مختبرات أكثر تطوراً بطبيعة الحال. تقول سيباك: "إذا تمكنا من إحضار أي شيء مماثل لما وجدناه في العينة السابقة، سنتمكن من تحليله هنا على الأرض بدقة عالية، وبدون تسخينه كثيراً، ونأمل بأن نجد أي دليل إضافي حول طبيعة تلك الجزيئات العضوية".

يتطلع ويبستر لرؤية ما يمكن أن يحدث إذا صادفت العربة أحد المنابع الكبيرة للميثان، بحيث تحتوي على ما يكفي من المواد حتى يتمكن الفريق من قياس نسبة نظائر الكربون في الغاز، وهو ما يمكن أن يكون مؤشراً على وجود أصل عضوي له. كما يتطلع إلى رؤية نتائج المسبار المداري لدراسة آثار الغاز، التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، والذي يدور حالياً حول المريخ: "سيتمكنون من رسم خريطة لتوزع الميثان على مستوى الكوكب، وهي خطوة كبيرة نحو الأمام. وخصوصاً، إذا اكتشفوا مصادر انبعاث أو مناطق كثافة عالية من الميثان متوافقة مع مناطق معينة من المريخ، مثل نوعية معينة من التضاريس كحواف الجروف أو الوديان أو سطوح معينة غنية بالمعادن، وهو ما سيشكل خطوة رائعة أخرى. إن البحث عن مصادر محلية متكررة قد يساعد على توجيه البعثات المقبلة، لأننا سنتوجه إلى هذا المكان ونشبعه بالقياسات والاختبارات".

المحتوى محمي