كلما أحرزت الإمارات تقدماً تعلقت عيناها بالخطوة التالية، وفي مجال الفضاء كانت البداية في عام 1997 حين أسست الإمارات شركة «الثريا» للاتصالات الفضائية؛ وإطلاق قمرها الصناعي «الثريا 1» عام 2000. تلا ذلك تأسيس «مركز محمد بن راشد للفضاء» عام 2006، ثم شركة «ياه سات» عام 2007، وبعد إطلاق عدة أقمار صناعية واحداً تلو الأخر؛ ولأهداف متنوعة كالبث التلفزيوني، والرصد، والمراقبة، بات وجود مؤسسة وطنية تجمع كل ما يتعلق بمشاريع الفضاء أمراً ملحاً، فكانت وكالة الإمارات للفضاء.
وكالة الفضاء تبدأ العمل
تأسست وكالة الإمارات للفضاء عام 2014، وهي هيئة اتحادية عامة معنيّة بالقطاع الفضائي، تشمل كل الأنشطة والمشاريع والبرامج ذات العلاقة بالفضاء الخارجي. نص مرسوم التأسيس على أن تتبع مجلس الوزراء، ويكون لها شخصية اعتبارية مستقلة، وتتمتع بالاستقلال المالي والإداري، وبالأهلية القانونية اللازمة لمباشرة جميع الأعمال والتصرفات التي تكفل تحقيق أغراضها.
حدد القانون مقر الوكالة الرئيسي في إمارة أبوظبي، بالإضافة إلى فرع في إمارة دبي، ومنح القانون الوكالة حرية إنشاء فروعاً أو مكاتب أخرى لها داخل الدولة وخارجها. ومنذ أن بدأت الوكالة العمل حددت أهدافها بشكلٍ واضح؛ وهي تنظيم وتطوير القطاع الفضائي الإماراتي؛ بما يساهم في دعم الاقتصاد الوطني المستدام، وتنمية الكوادر البشرية ودعم مشاريع البحث والتطوير في قطاع الفضاء، وتعزيز دور الدولة على الخريطة الفضائية إقليمياً وعالمياً.
البحوث وتقنيات الفضاء أولويات الوكالة
اختصت وكالة الإمارات للفضاء باقتراح السياسات والإستراتيجيات والخطط المتعلقة بمجال القطاع الفضائي، ودعم البحوث والدراسات في المجالات النظرية والتطبيقية الخاصة بالفضاء، وتوثيق المعلومات ونشرها، بالإضافة إلى العمل على تنمية الكوادر البشرية، ودعم الأنشطة التعليمية في مجال الفضاء، واستقطاب الكفاءات الوطنية للقطاع الفضائي، وتوفير الفرص والبعثات العلمية في مجال القطاع الفضائي.
اختصت الوكالة أيضاً بالعمل على إنشاء مشاريع استثمارية في مجال القطاع الفضائي، وإدارتها على أسس اقتصادية. بالإضافة إلى إقامة الشراكات الدولية لتنمية القطاع الفضائي والمساهمة في نقل المعرفة في مجال تقنيات الفضاء، والاشتراك في المشروعات الدولية المتعلقة بمجال القطاع الفضائي، وتمثيل الدولة في الاتفاقيات والبرامج والمحافل الدولية المتعلقة بمجال القطاع الفضائي، ومراقبة الأعمال والاستخدامات الفضائية في الدولة للتأكد من الاستخدام الآمن والسليم للفضاء.
برنامج الإمارات لرواد الفضاء
أطلق برنامج الإمارات لرواد الفضاء عام 2017، الذي يهدف إلى تأهيل وإرسال مجموعة من رواد الفضاء الإماراتيين إلى الفضاء، بغرض القيام بتجارب علمية تفيد الناس على الأرض. كما يشجع البرنامج ثقافة الاستكشاف في الإمارات، كما يدعم رؤية الإمارات في بناء مستقبل يعتمد اقتصاد المعرفة.
وفي الـ 25 من سبتمبر/ أيلول 2019، وضمن هذا البرنامج؛ سافر رائد الفضاء الإماراتي «هزاع المنصوري» إلى محطة الفضاء الدولية ضمن بعثة روسية، حيث بقِي هناك مدة 8 أيام قبل عودته إلى الأرض.
وكالة الإمارات و«ناسا» ووكالات أخرى
في عام 2015 أعلنت وكالة الإمارات للفضاء استراتيجيتها الشاملة، وارتكزت على 3 مهام أساسية: تطوير قطاع الفضاء، إعداد سياساته وتنظيمه، توجيه برامج الفضاء الوطنية. استهدف الوكالة في سياستها تطوير القدرات العلمية والتقنية، وترسيخ ثقافة الابتكار في مجال الفضاء. وعلى الرغم من أن الوكالة حديثة التأسيس؛ إلا أنها أهدافها الكبيرة جعلها توقع عدداً من الاتفاقيات الهامة مع الجهات الرائدة في قطاع الفضاء الدولي، مثل وكالة الفضاء الأميركية «ناسا»، ووكالة استكشاف الفضاء اليابانية «جاكسا»، ووكالة الفضاء الروسية «روسكوسموس»، بالإضافة إلى وكالة الفضاء الهندية.
نجحت وكالة الإمارات للفضاء أيضاً في الحصول على عضوية مجموعة من المنظمات؛ والهيئات العالمية الوكالات الدولية ذات الصلة بشؤون الفضاء، من بينها عضوية اللجنة الدولية لاستكشاف الفضاء؛ لتصبح بذلك أول دولة عربية تنضم إلى هذه اللجنة، وعضوية لجنة الأمم المتحدة لاستخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية، وعضوية الاتحاد الدولي للملاحة الفضائية، وعضوية مجموعة مراقبة الأرض المعنية بالتوعية فيما يتعلق بإمكانية الولوج إلى بيانات مراقبة الأرض.
المشاريع الفضائية تبدأ
تلخصت رؤية وكالة الإمارات للفضاء منذ تأسيسها في أن تكون ضمن الدول الرائدة في مجال الفضاء بحلول عام 2021، لذا تبنت واحداً من أكبر المشاريع الفضائية؛ وهو «مسبار الأمل» أول مسبار عربي سيحلق إلى كوكب المريخ، لتدخل الإمارات بشكلٍ رسمي السباق العالمي لاستكشاف الفضاء الخارجي، وتصبح واحدة من بين 9 دول فقط تطمح لاستكشاف هذا الكوكب. سينطلق المسبار في مهمته العام المقبل، ومن المخطط أن يصل إلى المريخ بحلول عام 2021، وتزامناً مع ذكرى مرور 50 عاماً على قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة.
القمر الصناعي «خليفة سات» الذي تم إطلاقه بنجاح في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2018.
القمر الصناعي «مزن سات» الذي سينطلق في مهمة لدراسة الغلاف الجوي للأرض، وأحد مشروعات وكالة الإمارات للفضاء بالتعاون مع معهد «مصدر» التابع لجامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، والجامعة الأميركية في رأس الخيمة.
سيعمل الطلاب في الجامعة الأميركية في رأس الخيمة، ومعهد مصدر التابع لجامعة خليفة بتصميم وبناء «مزن سات»؛ لاستخدامه في جمع وتحليل البيانات المتعلقة بمستويات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في أجواء دولة الإمارات. من المقرر إطلاق «مزن سات» في شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
مشروع «تحدي القمر الصناعي الإماراتي الصغير»؛ هو مشروع أطلقته وكالة الإمارات بالتعاون مع جامعة خليفة، وشركة بوينغ، وهو تحدي لطلاب الجامعات المهتمين بمجالات الهندسة وعلوم المادة والعلوم الفيزيائية، وغيرها من العلوم ذات الصلة. يعد المشروع فرصة تطوير التطبيقات التقنية، والتجارب العلمية المتعلقة ببيئة الفضاء الخارجي.
التحدي عبارة عن دعوة للطلاب في المشاركة في تقديم أفكار عن حمولات علمية وتقنية، يتم إطلاقها على متن مركبة فضائية مصغرة «2U CubeSat»، وسيحصل الفريق ذو أفضل فكرة على فرصة بنـاء الحمولة، بالإضافة إلى بناء المركبة الفضـائية، وتركيب الحمولة على متنها ومن ثم إطلاقها عن طريق المحطة الفضائية الدولية.
الوكالة وتحديات أخرى
لم تكتف وكالة الإمارات للفضاء بالمشاريع السالف ذكرها كهدف جلي لها، لكن لديها أهداف أخرى تعمل عليها مثل تأسيس بنية تعليمية وعلمية متكاملة، من خلال إعداد وتنمية وتأهيل الكوادر الوطنية لتشجيعهم على العمل في قطاع الفضاء في الدولة؛ بما يتناسب مع احتياجات القطاع الفضائي الوطني، لذا تعمل الوكالة على استقطاب الطلاب المتميزين من مواطني الدولة لتحصيل الدرجات العلمية في مجال الفضاء داخل وخارج الدولة.
مر 48 عاماً على تأسيس دولة الإمارات، و5 سنوات على تأسيس وكالة الإمارات للفضاء، ولا يزال لدى الوكالة الكثير لتقدمه، وطموح الوكالة يتسق مع طموح دولة الإمارات في الريادة العالمية في مختلف المجالات؛ وأبرزها المجال العلمي.