تبرز المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في مقدمة الدول الأكثر تقدماً ضمن سباق الفضاء الإقليمي بناءً على عدد أقمارهما الصناعية، وجهودهما في مجال الذكاء الجغرافي المكاني، والبحث والتطوير في مجال التكنولوجية الفضائية. وتقوم الدولتان بتخصيص أكبر الميزانيات والموارد للمشاريع الفضائية مقارنةً بنظيراتهما الخليجية.
جهود حثيثة لدول الخليج العربي في السباق الفضائي
لقد شهدنا نمواً ملحوظاً في مستوى اهتمام المملكة العربية السعودية بالفضاء في السنوات الأخيرة بفضل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية (KACST) وهيئة الفضاء السعودية (SSC). بصفتها دولة مالكة ومشغّلة لـ 17 قمراً صناعياً، تعد المملكة أقوى منافس فضاء إقليمي. أنشأت الدولة العديد من المبادرات الفضائية، وتخطط لإنفاق 8 مليارات ريال سعودي لتعزيز برنامجها الفضائي بحلول عام 2030.
قامت دولة الإمارات بتطوير العديد من المراكز والمنظمات لدعم البحث والتطوير في علوم الفضاء، حيث تشرف وكالة الفضاء الإماراتية على قطاع الفضاء ضمن الدولة وتعزيز مساهمته الاقتصادية. تتمثل مهمة الوكالة في نشر الوعي حول قيمة تكنولوجيات الفضاء وتقوية القدرات الوطنية وتعزيز الاستخدام السلمي لأبحاث الفضاء. أطلقت الإمارات حتى الآن خمسة أقمار صناعية، لتحتل المرتبة الثانية كأقوى منافس فضاء إقليمي بعد المملكة العربية السعودية.
تهدف وكالة البحرين الوطنية لعلوم الفضاء (NSSA) إلى مواءمة القدرات الفضائية للمملكة مع أهداف التنمية المستدامة. وقد أطلقت البحرين قمراً صناعياً بالتعاون مع وكالة الإمارات للفضاء، وجامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا والبحوث، وجامعة نيويورك أبوظبي.
اقرأ أيضاً: ماذا تتضمن خطة ناسا للتحول إلى الأقمار الصناعية الخاصة؟
واستعادت جهود الفضاء الكويتية زخمها في السنوات الأخيرة، وإن كان ذلك من خلال جهود غير حكومية. كان تطوير "سبيس أوربيتال" (Orbital Space) -الشركة التي تقف وراء أول قمر صناعي كويتي QMR-KWT- أول مؤسسة خاصة في المنطقة تختص في تقنية "كيوب سات" (CubeSat)، والتي تتكون من أقمار صناعية وزن الواحد منها 1 كيلوغرام تستخدم في مدار أرضي منخفض. كما كانت الكويت أول من بنى محطة أرضية خاصة بكيوب سات في الشرق الأوسط.
تهدف وكالة قطر للملاحة الجوية والفضاء (QASA) إلى تحقيق إنجازات فضائية من خلال تطوير مرافق البحث والتطوير والمساهمة في مشاريع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.
من جهتها، تعمل الجمعية الفلكية العمانية على مشاريع فلكية وفضائية بما في ذلك قاعة واحة الفضاء وأول قمر صناعي عماني مكعّب.
اقرأ أيضاً: تدشين مركز لتجميع واختبار الأقمار الصناعية جديد في الإمارات
إمكانات دول مجلس التعاون الخليجي في تصدر المنافسة العالمية ضمن سباق الفضاء
يمكن الاستفادة من المستويات العالية من التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي وبين وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) وبرامج الفضاء المحلية لإنشاء وكالة فضاء إقليمية مشتركة. مثلاً، تلقّى أول رائد فضاء إماراتي، هزاع المنصوري، الدعم من خلال عمليات تدريب من قبل وكالة الفضاء الأوروبية أثناء رحلته إلى محطة الفضاء الدولية. كما أبرمت هيئة الفضاء السعودية العديد من اتفاقيات التعاون مع وكالة الفضاء الأوروبية. وبالتالي، يمكن لوكالة الفضاء الأوروبية أن تصبح شريكاً دولياً موثوقاً به لوكالة الفضاء الخليجية المحتملة، مع الاستفادة من الابتكار والموارد الجديدة لتعزيز فعالية أنشطة مراقبة الأرض التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية.
يتطلب إطلاق وكالة الفضاء الخليجية مستويات غير مسبوقة من التعاون بين وكالات الفضاء الحكومية وشركات الفضاء الخاصة في جميع أنحاء المنطقة. لقد شهدنا في السابق عدة أوجه تعاون بين كل من المنظمات الحكومية والخاصة داخل منطقة الخليج.
اقرأ أيضاً: الأقمار الصناعية تكشف عن العبودية في أسطول الصيد العالمي
على سبيل المثال، ساهم الفضاء المداري في الكويت في تمهيد الطريق للتعاون الإقليمي من خلال الشراكات مع وكالة البحرين الوطنية لعلوم الفضاء ووكالة الفضاء الإماراتية. علاوة على ذلك، تتعاون وكالة الإمارات للفضاء مع مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA) بهدف تعزيز استخدام الفضاء من أجل التنمية المستدامة. لقد أقامت دولة الإمارات علاقات متينة مع أكثر من 25 عضواً ومنظمة عالمية محتملة لتحديد وتأسيس مبادرات بناء القدرات في دول مجلس التعاون الخليجي.
فوائد إنشاء وكالة فضاء إقليمية
1- توحيد جهود ونتائج البحث والتطوير
إن إنشاء مقر موحّد للبحث والتطوير في السعودية أو الإمارات من شأنه جمع العلماء والموارد تحت سقفٍ واحد، ما يؤدي إلى تآزر هائل وتعزيز القدرات الفضائية الإقليمية. ويمكن إنشاء مراكز فضائية متخصصة محلياً بناءً على قدرات كل دولة خليجية، وذلك لدعم الجهود الشاملة للمركز الإقليمي. في المستقبل، يمكن لهذا الدمج أن يجعل المنطقة مركزاً رائداً لتعهيد المواهب لوكالات الفضاء الدولية.
2- تأسيس صندوق إقليمي لتكنولوجيا الفضاء ومُسرِّع للشركات الناشئة
يمكن لإنشاء صندوق إقليمي لتكنولوجيا الفضاء أن يلعب دوراً رئيسياً في جذب التمويل الحكومي والخاص. ويعد إنشاء مسرّع فضاء إقليمي ضرورياً أيضاً لجذب الشركات الناشئة والشركات التي تقدم تكنولوجيات فضائية مبتكرة.
اقرأ أيضاً: لاستكشاف الفضاء: رواد الفضاء الإماراتيون إلى «ناسا» للتدريب
3- تقاسم التكلفة
يعد استكشاف الفضاء عملاً مكلفاً، ويتطلب تطويره قدراً هائلاً من التمويل من قبل الحكومات والقطاع الخاص. يمكن لمحور فضاء إقليمي أن يستفيد من التآزر ووفورات الحجم في مجال استكشاف الفضاء، ما يؤدي إلى تعزيز الكفاءة وخفض التكلفة.
4- تحقيق الاستقلالية عن مجتمع الفضاء العالمي
من الأفضل دائماً أن تمتلك الدولة أو المنطقة الراغبة في تحقيق إنجازات فضائية منصة إطلاق مكوكات فضائية خاصة بها بدلاً من الاستئجار. مصر وليبيا والجزائر هي الدول العربية الوحيدة التي لديها قدرات إطلاق فضائية، وسيمكن إنشاء منصة إطلاق مركزية لدول مجلس التعاون الخليجي المنطقة من تفادي رسوم الإيجار وتعزيز قدرتها على التحكّم في عمليات الإطلاق والجداول الزمنية الإجمالية للمشاريع.