يحاول العلماء منع البكتيريا من التكاثر داخل البعثات الفضائية

3 دقائق
البشر ليسوا الكائنات الوحيدة على المحطة الفضائية الدولية، فهناك الميكروبات التي يحملها رواد الفضاء معهم والتي قد تكون مضرة

يخطط للبعثات الفضائية بدقة، ولضمان ألا تنحرف الأمور عن مسارها، يأخذ طاقم البعثة وزملاؤهم على الأرض بعين الاعتبار كل ما يدخل ويخرج إلى المركبة الفضائية، لكن هناك بعض المتسللين الذين لا يستطيعون السيطرة عليهم، وهي البكتيريا التي يجلبها رواد الفضاء معهم. وعلى الرغم من أنه لا يمكن اكتشافها بالعين المجردة، فإن هذه الكائنات الدقيقة لها القدرة على إفساد كل من صحة الإنسان وعمل المركبة الفضائية. وقد بدأ العلماء يفهمون الآثار التي يمكن أن تحدثها البكتيريا في البعثات الفضائية طويلة الأمد، بما في ذلك تلك المتجهة نحو المريخ.

ويحمل البشر مليارات البكتيريا التي تعيش على أجسادهم في أي وقت من الأوقات، بما في ذلك ميكروبات الأمعاء، وتلك التي تعيش على البشرة، لكن لا يمكن التخلص منها أو قتلها قبل البدء برحلة الفضاء. إن الميكروبيوم - وهو مصطلح يشير إلى الخليط الجماعي من البكتيريا وغيرها من الكائنات الدقيقة - أمر حيوي لصحة الإنسان، لكن في الوقت نفسه، يمكن أن يشكل وجوده في مكان ضيق وجاذبية متغيرة خطراً على طاقم الرحلة والمعدات داخل المركبة، ولا سيما في بعثات الفضاء طويلة الأمد.

وقد درس الباحثون آثار هذه الميكروبات على البعثات الفضائية قصيرة المدى، وكذلك كيف تنمو وتزدهر على محطة الفضاء الدولية. ولكن حتى الآن، لم ينظر العلماء بعمق في سلوكها على الرحلات التي تستغرق وقتاً طويلاُ في الفضاء الخارجي. وفي دراسة نشرت هذا الشهر في دورية "ميكروبيوم"، قام الباحثون بتتبع التنوع الميكروبي داخل نموذج محاكاة لمركبة فضائية تستضيف رواد الفضاء لمدة 520 يوماً، وهي تقريباً نفس المدة اللازمة للوصول إلى المريخ.

وكان المشروع المسمى ميشا (البيئة الميكروبية للعادات المقيدة وصحة الإنسان) MICHA جزءاً واحداً فقط من مشروع "المريخ 500" الذي قام بتتبع ستة من أفراد الطاقم الذين يعيشون في مركبة فضائية محصورة. وأجرى رواد الفضاء تجارب علمية، وأعدوا وأكلوا وجبات الطعام، وقاموا بتنظيف المقصورة كما لو كانوا في مهمة حقيقية. كما جمعوا عينات الميكروبات من جلودهم والأسطح الموجودة في جميع أنحاء المركبة الفضائية.

تقول بيترا شويندنر، أستاذة علم الأحياء الفلكي في جامعة إدنبرة: "تعتبر دراستنا أول دراسة شاملة طويلة الأمد تقوم بتقصي الحمل والتنوع والديناميكية الميكروبية في بيئة مغلقة، وذلك خلال مدة كاملة من رحلة محاكاة إلى المريخ".

ووجد الباحثون أنه وطوال هذه المدة، بقيت أعداد البكتيريا ضمن الحدود المقبولة للمحطة. ووجد الباحثون أيضاً أنه ورغم وجودها في بيئة مختلفة تماماً عن الأرض، فإن مستعمرات سلالات البكتيريا المختلفة بقيت ديناميكية إلى حد ما، مما يعني أن أحد أنواع البكتيريا لم ينته به الأمر بالاستيلاء على المنطقة بأكملها. ومع ذلك، فقد وجدوا أيضاً أن تنوع الميكروبات انخفض مع مرور الوقت، وهذا يعني أن هناك عدداً أقل من الأنواع في نهاية المهمة الاختبارية التي دامت 520 يوماً مما كانت عليه في البداية.

وهذه النتيجة الأخيرة مهمة بشكل كبير. وتكون الميكروبات -عموماً- ذات فائدة قصوى عندما تكون في مجموعة متنوعة. فعلى سبيل المثال، المكورات العقدية موجودة في جميع أنحاء جسم الإنسان، وخاصة داخل الأنف، وهذا عموماً غير خطر. ولكن الميكروبات يمكن أن تسبب عدوى خطيرة بالمكورات العنقودية إذا كان هناك شيء يسمح لها بالتفوق على أنواع أخرى من البكتيريا.

ومن أكبر المخاوف بشأن البعثات الفضائية على المدى الطويل -أو أي رحلة تستغرق عدة أيام في الفضاء- هو أنه وفي مساحة محصورة جداً، قد تنمو البكتيريا بطرق يمكن أن تتحول فيها إلى عدوى. ولا أحد يريد أن يصاب بعدوى المكورات العنقودية -على سبيل المثال- وهو يطفو في مركبة صغيرة الحجم.

ويلاحظ الباحثون أيضاً أن ظروف الرحلات الجوية (كالوجود في منطقة محصورة، والإجهاد، وتغير الظروف المادية مثل انخفاض الجاذبية) يمكن أن تؤثر كلها على الجهاز المناعي البشري. يقول الباحثون: "يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة تنشيط العدوى الفيروسية الكامنة، مما قد يجعل الطاقم البشري أكثر عرضة للإصابة بالعدوى".

والبشر ليسوا هم الوحيدين المعرضين للخطر، فالبكتيريا يمكن أن تنمو بشكل لا يمكن السيطرة عليه على سطح وداخل بعض المعدات على المركبة الفضائية. وعندما يحدث هذا، فإن البكتيريا يمكن أن تشكل أغشية حيوية، وهي طبقات مجهرية رقيقة من البكتيريا التي تلتصق بعناد على الأسطح. وبمجرد أن يحدث هذا، فإنه يمكن أن يتسبب فعلياً بأضرار لبعض أنواع المعدات المعدنية. ووفقاً للمؤلفين، فقد أبلغ عن حالات من هذا القبيل في بعثات فضائية تاريخية، وعلى محطة الفضاء الدولية.

ولا يزال هناك الكثير مما يجب تعلمه عن الطريقة التي سيتكيف بها هؤلاء المسافرون الصغار مع السفر إلى الفضاء. ومن المرجح أن يتطلب هذا التحرك على المدى الطويل نوعاً من التدخل، أو على الأقل مراقبة ميكروبية قريبة، حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة. والهدف، كما يقول الباحثون، هو تجنب أي مفاجآت.

المحتوى محمي