مجرة درب التبانة هي حدودنا الأولى في الفضاء الكوني الشاسع، لكنها تُعد إحدى أكثر المجرات غموضاً بالنسبة لنا؛ لأننا ندرسها فقط من داخل قرصها الحلزوني، وهو قرص من النجوم يدور حول انتفاخ في منتصف المجرة، وينفصل إلى أذرع حلزونية تدور حولها، حيث تحتوي هذه الأذرع الحلزونية على كمية هائلة من الغازات والغبار الكوني والنجوم الأصغر سناً، التي تتألق بألوان زاهية قبل زوالها السريع.
يخبرنا كل ما نتمكن من رؤيته ورصده الكثير عن شكل المجرة؛ حيث تمكن علماء الفلك من جمع خريطة لما تبدو عليه مجرتنا من الخارج، لكنها ما تزال تملك الكثير من الأسرار. كما تستمر جهودهم لمزيد من المعرفة حول الثقب الأسود الهائل فائق الكتلة في قلب مجرتنا.
هناك ثعبان هائل يحاصر نظام نجمي، وإعصار من المادة المظلمة، وعفريت في أقصى أرجاء المجرة، وغيرها من الأحداث التي نراها لأول مرة، لذا دعنا نتعرف على آخر الاكتشافات التي توصل لها العلماء في مجرة «درب التبانة».
-
ثعبان هائل يحاصر نظام نجمي
كانت الشمس هي باخرة الإله «رع»، التي أبحر بها في السماء من الفجر حتى الغسق، ثم هبط إلى العالم السفلي، وأثناء تجوله في ظلام الليل، هاجمه الثعبان الهائل «أبوفيس» وحاول قتله ليمنع الشمس من الشروق. «أبوفيس»، والمعروف أيضاً باسم «أبيب»، هو الثعبان الهائل الشرير إله الفوضى والدمار، عدو إله الشمس «رع»، في الديانة المصرية القديمة.
في عام 2018، سجل علماء الفلك لأول مرة وجود نظام نجمي ثنائي، وهما نجمان يدوران حول بعضهما، ويعرف هذا النظام باسم «ولف-رايت»، وهو نوع من النجوم هائلة الكتلة؛ حيث قد تصل كتلة النجم منها إلى أكثر من 20 كتلة شمسية. وما يميز هذا النوع هو فقدانه السريع لكتلته على هيئة رياح نجمية قد تصل سرعتها إلى أكثر من 3000 كيلومتر في الثانية.
أطلق العلماء على هذا النظام النجمي في مجرتنا اسم (2XMM J160050.7-514245)، لكنهم أعطوه لقب «أبيب»، الثعبان المصري الذي يحب الفوضى، وما يجعل هذا النظام النجمي فريداً هو ما يحدث بعد موته.
بمجرد أن ينهار قلب هذه النجوم، فإنها تتحول إلى مستعرات عظمى «سوبرنوفا»، وتطلق انفجارات هائلة من أشعة جاما، حيث يعد انطلاق هذه الأشعة من بين أكثر الأحداث نشاطاً وسطوعاً في الكون، وهو ما لم يحدث من قبل في مجرة درب التبانة.
اقترح «جوزيف كالينجهام»، عالم الفلك في المعهد الهولندي للفلك الراديوي، في الورقة البحثية التي نشرها في دورية «Nature Astronomy» عام 2018، أن النظام النجمي «أبيب» مرشح قوي لإطلاق هذه الأشعة الساطعة عند انهيار نجومه.
وقد اختار هذا اللقب «أبيب»؛ لأن هذا النظام النجمي محاط بأعمدة دوارة طويلة تُلقي بالرياح النجمية بسرعة تصل إلى 3400 كيلومتر في الثانية، وهو ما يمثل صورة نجم يحاصره ثعبان هائل الحجم.
-
الكوكب «عفريت» في أقصى حدود المجرة
من بين الكنوز الفلكية التي يتمنى علماء الفلك العثور عليها هو الكوكب التاسع؛ قد يكون ضخماً، وفي مكان ما خارج المجموعة الشمسية، لكن الأمر حتى الآن لا يتعدى النظريات إلى حد كبيرٍ. ومع ذلك، ظهرت بعض العلامات على وجود مثل هذا الكوكب الضخم.
في عام 2018، وبالقرب من عيد «الهالوين»، عثر علماء الفلك على كوكب قزم، أطلقوا عليه لقب «العفريت - Goblin»، يقع في مدار أبعد من مدار «بلوتو»، في منطقة غامضة تعرف باسم «سحابة أورت». وعلى ما يبدو أنه تحت تأثير جاذبية جسم أثقل منه بكثير لكنه غير مرئي، لذا من المحتمل أن يكون هذا الجسم هو الكوكب التاسع.
يحتاج هذا الكوكب الصغير المتجمد إلى حوالي 40 ألف سنة لكي يتم دورة واحدة كاملة حول الشمس، ونظراً لتواجده باستمرار في أقصى النظام الشمسي، فإنه لا يكون مرئياً إلا بنسبة 1% فقط من مداره.
وهو أحدث عضو في مجموعة مكونة من 3 كواكب صغيرة تدور في هذه المنطقة؛ ويبدو أنهم يتأثروا بجاذبية جسم آخر عملاق لا نستطيع رؤيته حتى الآن، وهو على الأرجح الكوكب التاسع.
-
إعصار المادة المظلمة
في عام 2017، لاحظ علماء الفلك أن هناك شيء ما يتجه نحو الأرض، لا لم يكن كويكباً كما توقعت. ولكنه كان حزاماً من النجوم التي كانت تبحر عبر منطقة في المجرة يقع بها نظامنا الشمسي. وأُطلق عليه اسم «S1 Stream»، وهو بقايا من مجرة صغيرة مزقتها مجرتنا درب التبانة.
لا تقلق، لا يمثل هذا التدفق النجمي خطراً علينا، لكن ما لاحظه العلماء هو أن هذه النجوم ليست وحدها؛ حيث يعتقد الفيزيائيون أن هذا التدفق النجمي يحمل معه كميات هائلة من المادة المظلمة، التي كانت تربط أجزاء المجرة الصغيرة في وقتٍ من الأوقات. وأطلقوا عليها «إعصار المادة المظلمة»، والذي قد تصل سرعته إلى حوالي 500 كيلومتر في الثانية.
حتى هذه اللحظة، فشلت كل محاولات العلماء، حتى باستخدام أحدث التقنيات المتاحة، في العثور على المادة المظلمة؛ لأنه ببساطة لا يعرف أحد ما الذي يبحث عنه تحديداً.
لكن ما نعرفه بالتأكيد أن المادة المظلمة موجودة من حولنا في أرجاء الكون، لكنها غير مرئية، ولا يزال تكوينها مجهولاً بالنسبة لنا. وربما يقدم لنا هذا الإعصار مزيداً من المعرفة والمعلومات.
-
جثة مجرة ميتة
قد يبدو الأمر غريباً، لكن داخل مجرتنا الجميلة، تقبع جثة مجرة أخرى ميتة من 10 مليارات سنة. ففي العام 2018، درس علماء الفلك من جامعة «جرونينجن» في هولندا، حركات النجوم داخل مجرة درب التبانة، ونشروا ورقة بحثية في دورية «نيتشر». وبعد حوالي مليوني قياس؛ استبعدت الدراسة حوالي 33 ألف نجم، حيث وجدوا أن هذه النجوم المستبعدة ولدوا في مجرة أخرى غير مجرتنا.
تعكس الطريقة التي تتحرك بها النجوم أصولها وموطنها، لكن هذا التجمع النجمي الواقع داخل المجرة تحرك بشكلٍ مختلف عن البقية. كما درس الفريق كيمياء ما يقرب من 600 من تلك النجوم باستخدام بيانات التلسكوبات الأرضية، التي أكدت أن هذه النجوم جاءت من مكان ما خلاف مجرة درب التبانة. ويتيح هذا الكم الهائل من البيانات للعلماء تقدير حجم هذه المجرة الميتة وعمرها.
أُطلق على هذه المجرة الميتة اسم «جايا-إنسيلادوس»، ومنذ حوالي 10 مليارات سنة، كان حجم هذه المجرة حوالي خُمس حجم مجرتنا. التهمت مجرة درب التبانة مجرات قزمة في الماضي، لكن حجم هذه المجرة جعلها كبيرة لتقع بداخل مجرتنا؛ فكانت النتيجة تصادم هائل بينهما دمر مجرة جايا-إنسيلادوس.
-
مجرة «درب التبانة» ومصير الأخت الضائعة
يحتوي عنقود المجرات الذي تنتمي له مجرتنا على مجرتين هائلتين؛ وهما مجرة «درب التبانة» ومجرة «أندروميدا»، بجانب العديد من المجرات القزمة الأخرى. إحدى هذه المجرات الصغيرة هي مجرة «M32»، تدور بالقرب من مجرة «أندروميدا»، لكن تكوينها كان غريباً للغاية؛ ولا يمكن تفسير هذا الأمر، فهي مضغوطة للغاية، وكانت تتكون تقريباً من قلبٍ فحسب، وتفتقر إلى النجوم القديمة.
وفي عام 2018، تفاجأ علماء الفلك بوجود مجرة ثالثة ضخمة كانت موجودة سابقاً؛ حيث نظرت الورقة البحثية، التي نشرها «ريتشارد دي سوزا» و«إريك ف. بيل»، من قسم علوم الفلك بجامعة ميشيجان بالولايات المتحدة، في دورية «Nature Astronomy»، في الهالة النجمية لمجرة أندروميدا.
كان يُعتقد سابقاً أن هذه النجوم هي بقايا المجرات القزمة التي كانت فريسة، التهمتها مجرة «أندروميدا» في الماضي السحيق، لكن جاءت الأدلة الجديدة من خلال هذه الدراسة، لتعيد تخصيص معظم الهالة النجمية إلى مجرة أخرى كانت اصطدمت بـ «أندروميدا» ودُمرت بالكامل، على الرغم من أنها كانت بنفس الحجم تقريباً.
حيث يعتقد الباحثان أن هذه المجرة كانت الأخت الضائعة سيئة الحظ «M32»، ومن المرجح أنه منذ حوالي ملياري سنة التهمت «أندروميدا» كل شيء فيها ما عدا قلبها؛ وهو من شأنه أن يفسر لماذا تبدو مجرة «M32» بهذه الغرابة.
يذكرنا هذا الاكتشاف بالمصير القاتم الذي ينتظر مجرتنا في المستقبل؛ حيث أنها على مسار تصادم حتمي مع مجرة «أندروميدا»، إذ يقتربان من بعضهما بسرعة تصل إلى 40 ألف كيلومتر في الساعة. ونظراً لأن حجم هذه الأخيرة أكبر مرتين، ستعاني مجرتنا من المصير نفسه الذي عانت منه مجرة «M32»، ولكن لحسن الحظ فإن نهاية مجرتنا «درب التبانة» تبعد حوالي 4 مليارات سنة.