الحقل المغناطيسي للمشتري به قطبان جنوبيان وليس قطباً واحداً

2 دقائق
صورة للمشتري من المركبة الفضائية جونو.

يختلف الحقل المغناطيسي للمشتري تماماً عما هو موجود على كل الكواكب المعروفة الأخرى، وذلك لوجود قطبين جنوبيَّين بدلاً من واحد فقط، وذلك وفقاً لبحث جديد نُشر في مجلة Nature؛ حيث قام العلماء بدراسة المشتري عن طريق المركبة الفضائية جونو التابعة لناسا، والتي وصلت إلى الكوكب في 2016، ويمر مدار المركبة الفضائية فوق كلا القطبين على ارتفاع 4,000 كيلومتر فوق سطح المشتري، ولهذا تمكَّنت المركبة من مسح الحقل المغناطيسي للكوكب -وهو من أقوى الحقول المغناطيسية الكوكبية في النظام الشمسي- بدقة غير مسبوقة.

يقول كريس جونز (عالم الكواكب في جامعة ليدز بإنجلترا): "أصبحت لدينا صورة قريبة للحقل المغناطيسي للمشتري، وتكاد تماثل في دقتها صورتنا عن الحقل المغناطيسي الأرضي، والتي تطلَّبت منا مئات السنوات حتى نحصل عليها، وهو ما يعطينا الفرصة لمعرفة ما يجري في أعماق كوكب آخر غير الأرض"، وقبل جونو "كانت أفضل الخرائط للحقل المغناطيسي للمشتري شبيهة بالحقل المغناطيسي الأرضي"، وذلك وفقاً للمؤلفة الرئيسية للدراسة كيمبرلي مور؛ وهي عالمة كواكب في جامعة هارفارد في كامبريدج، ماساتشوستس. غير أن هذه النتائج الجديدة تُظهر أن الحقل المغناطيسي للمشتري يختلف بشكل جذري عن الحقل المغناطيسي الأرضي، كما تقول مور: "لقد شعرنا بالحيرة في البداية؛ لأن جونو كانت تظهر لنا شيئاً غير متوقع إطلاقاً".

ومن الطرق الممكنة لتمثيل الحقل المغناطيسي للكوكب هو تلوين الجزء الذي يخرج منه التدفق المغناطيسي (خطوط القوة التي تصل ما بين طرفي المغناطيس) باللون الأحمر، والجزء الذي يعود التدفق للدخول إليه باللون الأزرق، ويؤدي تطبيق هذا التخطيط اللوني على الأرض إلى تلوينها بلون أحمر داكن قرب القطب الشمالي، وأزرق داكن قرب القطب الجنوبي.

أما الحقل المغناطيسي للمشتري فيختلف بشكل واضح؛ حيث يظهر المشتري بلون أحمر داكن في حزمة قرب القطب الشمالي، ولكنه يظهر بلون أزرق داكن في مكانين؛ الأول قرب قطبه الجنوبي، والثاني قرب خط الاستواء، وقد أُطلق عليه اسم "البقعة الزرقاء الكبيرة". ومن الجدير بالذكر أن هذه البقعة لا علاقة لها ببقعة أخرى شهيرة، وهي "البقعة الحمراء الكبيرة" التي تذهل الفلكيين في الضوء المرئي.

يقول جونز (وهو لم يشارك في هذا البحث): "كنا نعتقد أن الحقل المغناطيسي للمشتري شبيه بالأرض؛ وذلك بسبب نظرتنا التي كانت مشوَّشة بعض الشيء، ولكننا نرى الآن أنه مختلف تماماً".

بالإضافة إلى أن الأجزاء الحيادية من الحقل المغناطيسي الأرضي عموماً تبدو موزعة بانتظام في المنطقة الواقعة بين القطبين، ويمكن اعتبارها غير ملونة، وعلى عكس هذا نجد الجزء الحيادي من الحقل المغناطيسي للمشتري يتركز بشكل شبه كامل في نصف الكرة الشمالي.

ويعتقد العلماء أن الحقول المغناطيسية الكوكبية تنشأ من "مولداتها"؛ وهي سوائل ناقلة للكهرباء تتحرك ضمن نواة الكوكب بفعل الحرارة الداخلية، وتؤدي حركة المولدات هذه إلى حركة الإلكترونات التي في السوائل، مما يسبِّب ظهور تيارات كهربائية تؤدي بدورها إلى توليد الحقول المغناطيسية. وتتألف هذه السوائل في الأرض من المعادن المذابة مثل الحديد والنيكل، أما في المشتري فإن الضغط الهائل وكثافة المواد داخل الكوكب يؤدِّيان إلى تحول غاز الهيدروجين إلى هيدروجين معدني سائل، وهو يتمتع بناقلية قريبة من ناقلية المعادن.

ويقترح الباحثون أن الطبيعة الغريبة للحقل المغناطيسي للمشتري قد تعود إلى البنية الداخلية الغريبة لهذا الكوكب، ففي حين أن مولد الأرض يعمل ضِمن النواة الخارجية السائلة ذات الشكل البسيط والمنتظم نسبياً حول النواة الداخلية الصلبة، يعتقد العلماء أن نواة المشتري "يُحتمل أنها تحلَّلت وامتزجت مع النصف الداخلي من الكوكب"، وذلك كما تقول مور.

وهذا بالإضافة إلى أن المشتري عبارة عن خليط من الهيدروجين والهيليوم، وهما لا يمتزجان دوماً بشكل جيد؛ تقول مور: "يوجد لدينا أمطار مائية على الأرض، ويحتمل أن تكون هناك -وبنفس الطريقة- أمطارٌ من الهيليوم داخل المشتري، وهو ما قد يؤدي إلى تغيير الحقل المغناطيسي، كما يمكن أن تصل الرياح على المشتري أيضاً إلى الأعماق، أي إلى حيث يوجد ما يكفي من الناقلية الكهربائية للتأثير على الحقل".

المحتوى محمي