انفجارات شمسية متوقعة في 2025 تهدد الأقمار الصناعية

استعدوا للانفجارات الشمسية القادمة في 2025: الأقمار الصناعية في خطر
التقط مرصد ديناميكا الشمس التابع لناسا هذه الصورة لتوهج شمسي حدث في 17 فبراير 2023. تُظهر الصورة أيضاً مجموعة فرعية من الضوء فوق البنفسجي الذي يكشف عن المادة الشديدة الحرارة في التوهجات، وهي ملونة باللونين الأحمر والذهبي. ناسا/ مرصد ديناميكا الشمس
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

انفجر جزء من الشمس يوم الجمعة في 17 فبراير/ شباط؛ ما تسبب في وميض ساطع (توهّج شمسي) لفترة وجيزة في الجانب الأيسر من شمسنا، وتمكّنت مركبة مرصد ديناميكا الشمس التابعة لناسا من التقاط صورة لهذا الحدث في صورة طيف الأشعة فوق البنفسجية.

يقول عالم الفيزياء الشمسية ومدير مركز تكنولوجيا طقس الفضاء وبحوثه وتعليمه في جامعة كولورادو بولدر (Space Weather Technology, Research, and Education Center at the University of Colorado Boulder)، توماس برغر (Thomas Berger): “لم يكن هذا التوهج الشمسي الأكبر في التاريخ لكنه توهّج مهم من فئة إكس” (يشير الحرف إكس (X) إلى نظام تصنيف مستخدم لقياس شدة التوهج الشمسي يتراوح من فئة أيه (A) للتوهجات الشمسية الثانوية وحتى فئة إكس (X) للتوهجات الشمسية الشديدة).

ويضيف: “ومع ذلك، يمكن أن تؤدي التوهجات الشمسية بهذا الحجم عموماً إلى تداخل لا سلكي على الجانب المضيء من الأرض لمدة ساعة أو اثنتين”. في النهاية، كان هذا التوهج معتدلاً إلى حد ما. سُجّل أقوى توهج شمسي على الإطلاق عام 2003، وهو أقوى 100 مرة من التوهج الأخير ولم يتسبب بمشكلات كبيرة.

مع ذلك، نحن على وشك الدخول في فصلٍ أكثر اضطراباً في دورة النشاط المغناطيسي الشمسي التي تمتد 11 عاماً. تُعد التوهجات الشمسية من الأشكال الرئيسية الثلاثة لنشاط الانفجارات الشمسية، جنباً إلى جنب مع الانبعاثات الكتلية الإكليلية والعواصف الإشعاعية الشمسية التي يُرجح أن يزداد تواترها في السنوات القليلة المقبلة وفقاً لبرغر؛ إذ يقول إننا في المرحلة الصاعدة من الدورة الشمسية الـ 25، ومن المتوقع أن تجلب هذه المرحلة زيادة في النشاط الشمسي.

(تُعرف الدورة الحالية للشمس بالدورة الـ 25 لأن العلماء بدؤوا تتبع البقع الشمسية منذ عام 1755، وسجلوا 25 دورة من النشاط الشمسي إجمالاً حتى الآن). من المفترض أن تحدث ذروة هذه الفترة التي تُعرف باسم “الذروة الشمسية” (Solar maximum) في عام 2025. يُذكر أن آخر ذروة شمسية كانت في عام 2014.

قد يكون للارتفاع المتوقع في النشاط الشمسي تأثير كبير في الأنشطة الفضائية المخطط لها، مثل مجموعات الأقمار الصناعية التي يتزايد عددها سريعاً في المدار الأرضي المنخفض. وفي هذا الصدد، من المتوقع أن تتزامن الذروة الشمسية عام 2025 مع تنفيذ مهمة أرتميس 3 التابعة لناسا التي تهدف إلى إعادة البشر إلى سطح القمر الذي لن يكون مكاناً آمناً على الإطلاق في أثناء العواصف الشمسية الإشعاعية.

يقول برغر: “سنشهد فترة مثيرة للاهتمام حقاً إذا حدثت عاصفة شمسية في هذه الدورة الشمسية”.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تدمر التوهجات الشمسية والطقس الفضائي الحضارة البشرية؟

ما هي الدورة المغناطيسية الشمسية؟

الشمس هي كرة عملاقة من البلازما المضطربة شديدة السخونة، والبلازما في الأساس غازات ذات شحنة كهربائية مع مجالات مغناطيسية قوية جداً بدرجة تفوق التصور.

ولأسباب لم يفهمها علماء الفلك حتى الآن؛ يزداد نشاط هذه المجالات المغناطيسية وينخفض خلال دورة مدتها 11 عاماً، وتتضمن هذه الدورة أيضاً تغييرات في المناطق المظلمة على سطح الشمس المعروفة أيضاً بالبقع الشمسية، مع ظهور المزيد منها مع اقتراب الشمس من الذروة الشمسية.

يقول برغر: “البقع الشمسية هي مصدر الانفجارات المغناطيسية الشمسية. كلما كبرت البقعة الشمسية زادت شدة الانفجار، وكلما زاد نشاط الشمس زاد عدد البقع الشمسية وكبر حجمها”.

تُظهر الدورة الشمسية الحالية سلوكاً غير عادي: حتى الآن، تبدو أكثر نشاطاً من توقعات العديد من المؤسسات مثل مركز التنبؤ بطقس الفضاء التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، ويتجلى هذا النشاط المتزايد في ظهور مزيد من البقع الشمسية على سطح الشمس أكثر مما كان متوقعاً في الأصل.

يقول برغر في هذا الصدد: “لا نعلم إذا كانت الدورة الشمسية الحالية ستستمر بنشاط أكبر مما كان متوقعاً. من السابق لأوانه التنبؤ في هذا الشأن، فمن المحتمل أيضاً أن يتراجع مستوى النشاط ويتماشى مع التوقعات الأصلية في الأشهر المقبلة”.

اقرأ أيضاً: شمسنا «مملة وكسولة»: هكذا يقول العلماء، فماذا يعني ذلك؟

التقط مرصد الديناميكيات الشمسية التابع لناسا هذه الصورة للتوهج الشمسي -يُظهر الوميض الساطع على الجانب الأيسر العلوي من الصورة- في 10 يناير/ كانون الثاني عام 2023. تُظهر الصورة أيضاً مجموعة فرعية من الضوء فوق البنفسجي الذي يكشف عن المادة الشديدة الحرارة في التوهجات، وهي ملونة باللونين الأحمر والذهبي. ناسا/  مرصد ديناميكا الشمس.

هل ستؤثر الانفجارات الشمسية في كوكب الأرض عام 2025؟

وفقاً لبرغر؛ تحدث الانفجارات الشمسية عندما تلتوي خطوط المجال المغناطيسي داخل البقع الشمسية وتنكسر بحدة ما يؤدي إلى انفجار له 3 نتائج محتملة:

الأولى هي التوهج الشمسي الذي يطلق الفوتونات بشكل أساسي، وقد شوهد في 17 فبراير/ شباط الماضي. والثانية هي الانبعاث الكتلي الإكليلي، وهو إطلاق هائل للبلازما في الفضاء بين الكواكب. أخيراً، النتيجة الثالثة هي العواصف الإشعاعية التي تغذيها جزيئات الطاقة المتسارعة مثل البروتونات والإلكترونات والأيونات. يمكن أن تولد الانبعاثات الكتلية الإكليلية أحياناً عواصف إشعاعية عن طريق دفع الجسيمات المشحونة أمامها في أثناء انتقالها بسرعة عبر الفضاء، ويمكن أن تسبب التوهجات الشمسية تداخلاً لا سلكياً على الجانب المضاء بنور الشمس من الأرض إذا كانت شديدة بما فيه الكفاية؛ لكن الانبعاث الكتلي الإكليلي يسبب مشكلات حقيقية أكبر.

وفقاً لبرغر، عندما تضرب البلازما المشحونة الناتجة من الانبعاث الكتلي الإكليلي الغلاف المغناطيسي للأرض، يمكن أن تولد عاصفة مغناطيسية أرضية تؤدي إلى ظاهرة الشفق القطبي الساحرة في القطبين؛ لكنها قد تؤدي أيضاً إلى إحداث فوضى عارمة في تكنولوجيا شبكات الطاقة والأقمار الصناعية. ويمكن أن تسبب العواصف المغناطيسية الأرضية القوية ارتفاعاً في درجة حرارة الغلاف الجوي؛ ما يؤدي إلى توسعه وسحب الأقمار الصناعية التي تدور في المدار المنخفض وحتى سحب بعضها من المدار الأعلى كما كانت الحال في المصير المؤسف لأقمار ستارلينك الـ 40 التي كانت قد أُطلقت حديثاً وخرجت من المدار في 4 فبراير/ شباط عام 2022.

مع ذلك، لا يصل تأثير الانبعاثات الإكليلية جميعها إلى الأرض، فالعديد منها مثل الانبعاث المرتبط بانفجار 17 فبراير/ شباط، ينتقل في الفضاء بعيداً عن كوكبنا. السؤال المهم الآن هو ما إذا كان المزيد من الانبعاثات الإكليلية سيتجه نحو الأرض أو لا مع اقترابنا من الذروة الشمسية. يقول برغر: “بدأت الأبحاث الحديثة تؤكد بالفعل إن انفجاراً كبيراً جداً يمكن أن يحدث في كل دورة شمسية، لذلك فإن العامل الحاسم هو الاتجاه الذي سيتخذه في الفضاء”.

اقرأ أيضاً: حبيبات قديمة من الغبار الكوني قد تخبرنا تاريخ نشأة مجرتنا

كيف نخطط لمستقبل الشمس الجامح؟

يمكن أن تؤدي الانفجارات الشمسية القوية جداً إلى عواصف مغناطيسية أرضية تُلحق الضرر بالأجهزة الإلكترونية على الأرض؛ كما رأينا عام 1989 عندما أدت عاصفة شمسية إلى تعطل بعض شبكات الطاقة. لكن المخاطر اليوم أعلى مما كانت عليه عام 1989 نظراً لحضور عدد كبير جداً من الأدوات التكنولوجية والبشر في الفضاء بصورة منتظمة. على سبيل المثال؛ كان هناك أكثر من 5700 قمر صناعي في المدار في نهاية عام 2022، بينما كان عدد الأقمار الصناعية في عام 1989 أقل من 500.

يقول برغر: “إذا حدثت عاصفة مغناطيسية أرضية شديدة الآن، فستؤثر في عدد كبير من الأجسام المدارية، ونحن قلقون من ارتفاع خطر تصادمها”.

تخطط ناسا للعودة إلى القمر ثم إلى المريخ، لذلك يكتسب تحسين القدرة على التنبؤ الدقيق بالانفجارات الشمسية أهمية متزايدة بالنسبة إلى العلماء. في حين يمكن للفيزيائيين مثل برغر والباحثين في مركز التنبؤ بالطقس الفضائي توقع الانفجارات الشمسية حالياً،إلا أن دقة تنبؤاتهم وتفاصيلها تُعتبر رديئة مقارنة بتنبؤات علماء الأرصاد الجوية حول الأيام المشمسة أو الممطرة لمدة 10 أيام.

يقول برغر موضحاً: “يمكننا التنبؤ بالوقت الذي سيضرب فيه الانبعاث الكتلي الإكليلي بدقة تصل إلى 10 ساعات تقريباً، لكن ليست لدينا طريقة جيدة للتنبؤ بما سيحدث في بيئة المدار الأرضي المنخفض”. بعبارة أخرى، من الصعب تحديد مدى تأثير العاصفة المغناطيسية الأرضية في عمل الأقمار الصناعية ومساراتها وفي العمليات الكهربائية المنتظمة على الأرض.

اقرأ أيضاً: بين انفجار الشمس وكوكب بديل: هذا ما نعرفه عن المستقبل البعيد

المشكلة الرئيسية التي تعيق تحسين التنبؤات بالانفجارات الشمسية هي أنه على الرغم من أن الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي تجري محاكاة مستمرة للغلاف الجوي العلوي للأرض؛ لكن النموذج الذي تعتمده غير قادر بعد على معالجة البيانات الآنيّة بالسرعة والكفاءة التي تتمتع بها نماذج التنبؤ بالطقس الأرضي. يقول برغر: “يتطلب الأمر برنامجاً بحثياً يستمر عدة أعوام لمعالجة المشكلة”.

في غضون ذلك، ستقترب الشمس من الذروة الشمسية في عام 2025 ولكن حتى بعد هذه الذروة، سيبقى كلّ من الأقمار الصناعية ورواد الفضاء معرضاً لخطر العواصف الشمسية. يحذر برغر من إمكانية أن تتعرض الأرض لانفجار شمسي كبير في أي وقت من الآن وحتى عام 2028 أو 2029، وربما لن يؤثر ذلك في حياتنا اليومية؛ ولكن على ناسا ومشغلي الأقمار الصناعية توخي الحذر.