ماذا سيحدث لو لم يدر القمر حول الأرض؟

ماذا سيحدث لو لم يدر القمر حول الأرض؟
حقوق الصورة: بوبيولار ساينس العربية. تصميم: مهدي أفشكو.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تخيل معي: قوة غامضة تخرج القمر من مداره، أو عالم مجنون يرسل أسلحة نووية لتفجير القمر؟ هي سيناريوهات تناسب أفلام الخيال العلمي، تحمل ضمنها الكثير من الدراما والإثارة. ولكن أياً منها لن يتمكن من مقاربة النتائج الكارثية لاختفاء القمر، فهو يؤثر على حياتنا أكثر مما تعتقد، ولن يبقى شيء على حاله، وربما لن يعود لنا نحن كبشر وجود على الإطلاق. فماذا سيحدث لو لم يعد هناك قمر يدور حول الأرض؟

1.   الليالي المظلمة

في أول ليلة لاختفاء القمر ستلاحظ الظلام الحالك، إذ يعد القمر ثاني أكبر الأجسام المضيئة في سمائنا بعد الشمس، ويتوهج القمر المكتمل أكثر بنحو 14000 ضعف من الجسم المضيء التالي وهو كوكب الزهرة. قد تكون السماء الخالية من أي جسم مضيء مناسبة للفلكيين للاستمتاع برؤية الفضاء، لكنها لا تناسب بعض الكائنات الليلية التي تعتمد على الضوء للاصطياد أو التكاثر.

اقرأ أيضاً: أخيراً: اكتشاف سبب سطوع كوكب الزهرة

وفقاً لدراسة نُشرت في دورية “علم البيئة الحيوانية” (Journal of Animal Ecology)، يمكن للغياب المفاجئ للقمر أن يربك بعض الحيوانات، فتزداد أعداد بعض الأنواع النادرة على حساب الشائعة. على سبيل المثال طائر البوم الذي يعتمد على ضوء القمر في الليل لصيد القوارض، حيث تختبئ القوارض بوجود ضوء القمر الساطع، لكن في غيابه ستزداد أعدادها بشكل كبير.

2.   تراجع المد والجزر

ربما رأيت خلال عطلتك على الشاطئ ارتفاع منسوب مياه البحر وانخفاضه على مدار اليوم، هذا ما يُعرف بالمد والجزر. يسمى تعاقب المد مع الجزر في اليوم الواحد بدورة المد والجزر اليومية. يحدث المد والجزر بتأثير جاذبية القمر بشكل رئيسي بالإضافة لجاذبية الشمس. لكن على الرغم من أن جاذبية الشمس على الأرض تفوق جاذبية القمر بنحو 178 مرة، فإن القمر يؤدي الدور الأهم في الظاهرة.

تتسبب قوة سحب الجاذبية للقمر بانتفاخ المحيطات في الجانب المقابل للقمر والوجه الأبعد عنه، وهذا ما يُدعى بالمد المرتفع، بينما في النقاط المنخفضة يحدث المد المنخفض أو الجزر. بالنسبة للوجه البعيد عن القمر، يحدث المد فيه لأن قوة المد والجزر هي قوة تفاضلية، أي أنها تأتي من الاختلافات في الجاذبية على سطح الأرض.

بدون القمر، سيصبح المد والجزر أقل بنحو 50-75% مرة مما هو عليه بوجود القمر، بحيث تتولى الشمس لوحدها المهمة. فما تأثير ذلك؟

تراجع المد والجزر
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Siberian Art

3.   اختلال توازن النظام البيئي الساحلي

يوجد نظام بيئي كامل في منطقة المد والجزر، وبالتالي سيؤدي تراجع المد والجزر بما يزيد على الثلثين إلى تدمير النظم البيئية الساحلية، وتعطيل تدفق الطاقة والمعادن والمياه والموارد الأخرى. تفقد بعض الكائنات البحرية والبرية موائلها، أو تفقد مغذياتها، ما يزيد من المنافسة بين الكائنات ويعرضها لخطر الانقراض. على سبيل المثال:

  • تعتمد العديد من أنواع السرطانات والقواقع والبرنقيل وبلح البحر ونجوم البحر وعشب البحر والطحالب على حركة المد والجزر يومياً من أجل البقاء، وبدورها تغذّي هذه النظم البيئية الطيور المهاجرة والمحلية والثدييات البرية مثل الدببة والراكون والغزلان.
  • تضع السلاحف البحرية بيضها وتفقس بالتزامن مع المد والجزر، وفي غياب المد والجزر ستتعطل قدرتها على التكاثر ووضع البيض.
  • ربط الباحثون بين اكتمال القمر وإطلاق الشعاب المرجانية في الحاجز المرجاني العظيم ملايين البويضات وأكياس الحيوانات المنوية في دقائق معدودة، ما يهدد بقاءه.

4.   طول اليوم

وفقاً لنماذج الكمبيوتر، كان اليوم الأرضي نحو 6 ساعات فقط قبل 4.5 مليار سنة، لكن حركة الأرض تباطأت حتى 24 ساعة نتيجة استنزاف القمر للطاقة من زخم دوران الأرض. دون وجود القمر، ستدور الأرض بشكل أسرع، وقد نعيش آلاف الأيام في العام الواحد.

اقرأ أيضاً: ماذا سيحدث إذا دارت الأرض بشكل أسرع حول نفسها؟

5.   ميل محور دوران الأرض: فقدان الفصول

يعتقد أن الاصطدام العملاق قد أدى إلى إمالة محور الأرض بنحو 23.5 درجة، وهو أحد أسباب وجود الفصول كما نعرفها، حيث يؤثر الميل على كمية الإشعاع الشمسي السنوي الذي يصل إلى سطح الأرض عند خط عرض معين، وبالتالي على فصوله. حتى يومنا هذا، حافظ القمر على ثبات ميلان محور الأرض بزاوية ثابتة، بحيث يميل نصف الكرة الشمالي في الصيف نحو الشمس أكثر فينال نهاراً أطول وطقساً أكثر دفئاً، بينما يميل في فصل الشتاء مبتعداً عن الشمس، فيقصر طول النهار ويسود الطقس البارد.

إن أي اختلاف في زاوية ميلان الأرض مثل ± 1.30، يمكن أن يؤدي إلى عصور جليدية. بدون القمر، سيتأرجح محور الكوكب بنحو 10-45 درجة، وعلى مدار مليارات السنين قد يصل إلى زاوية 85 درجة. ربما قد لا يكون فورياً، إلا أنه لن يمنح الكائنات والطبيعة الوقت الكافي للتكيّف. لن يبقى هناك قطب شمالي متجمد أو منطقة استوائية، وستسود ظروف مناخية قاسية.

يقول بول ساتر (Paul Sutter)، عالم الفيزياء الفلكية في معهد فلاتيرون (Flatiron Institute): “كل ما نعرفه عن الفصول سيكون بعيد المنال تماماً. بزاوية معينة، بعض الأماكن على الكوكب بالكاد سترى الشمس، وفي أماكن أخرى تكون الشمس في السماء لأشهر متتالية”.

6.   التأثير على المناخ

يؤثر القمر على المناخ بطرق مباشرة وغير مباشرة، وفي حال غيابه سيؤدي إلى تغييرات واضحة في الطقس والمناخ. بما في ذلك:

  • تؤثر حركة المد والجزر على حركة التيارات في المحيطات في جميع أنحاء الكوكب، ما يؤثر على الطقس من خلال كمية مياه التبريد والاحترار المتدفقة عبر منطقة معينة. بدون المد والجزر، سيشيع الطقس المتطرف كالأعاصير والعواصف.
  • تغير في أنماط الهطولات المطرية وكمياتها، حيث أشارت الدراسة المنشورة في دورية “رسائل الأبحاث الجيوفيزيائية” (Geophysical Research Letters)، إلى أن القمر يؤثر على الضغط الجوي في الأماكن القريب منها.
  • اختلافات كبيرة بين درجات الحرارة وضوء النهار على مدار العام، وستضرب العصور الجليدية أجزاء مختلفة من العالم كل بضعة آلاف من السنين.

اقرأ أيضاً: ماذا سيحدث لو اختفى القمر فجأة؟

إذاً، بدون القمر لن تكون الأرض أكثر وحدة فحسب، بل ستكون هناك عواقب وخيمة لا رجعة فيها على الحياة على الأرض.