يعتبر بعض علماء الأحياء أن السنة الماضية؛ التي تخللها الحجر الصحي وقيود السفر الناتجة عن جائحة كورونا، هي مرحلة «أنثروبوس» (مصطلح جديد ابتُكر في 2020 ليس له تعريب، ويعني «الانخفاض العالمي في النشاطات البشرية»؛ خاصةً السفر.)، وهي تمثّل نظرةً غير متوقّعة لما قد يحدث للبيئة عندما يمتنع البشر فجأةً عن الخروج من المنزل.
إحدى الجماعات التي ظهرت عليها التغيّرات الناتجة عن هذه الفترة بشكلٍ خاص هي الثدييات الكبيرة؛ وبالتحديد تلك التي تعيش في المناطق السياحيّة. من حدائق الحيوانات المغلقة إلى سهول السافانا المفتوحة؛ أثّر توقّف السفر على الحيوانات التي نحب أن نراها ونطعمها. ظهرت الحيوانات المحليّة أيضاً بشكلٍ أكبر، وأصبحت أقل خوفاً من المدن بعد أن خفّت أصوات المحرّكات والبشر.
من المغري أن نعتقد أن هذه الفترة مثّلت مُهلةً لهذه الثدييات، لكن كما تُبيّن دراسة مراجعة نُشرت في دورية «مامل ريفيو»؛ فالواقع أكثر تعقيداً. نتيجةً لأن حياتنا مرتبطة للغاية ببعض أنواع تلك الحيوانات، فمن شأن توقّف السفر والسياحة أن يفيدها ويضرّها في نفس الوقت. تقول «لاتيشيا ماريشال»؛ عالمة اجتماعية تختص بدراسة التفاعلات بين البشر والحيوانات في جامعة لينكولن ولم تشارك في الدراسة، في رسالة إلكترونية إلينا: «هذه الدراسة تأتي في وقت مناسب مع إمكانية عودة السياحة في المناطق البريّة قريباً»، وأضافت: «بالتالي، إنّه لأمر ضروري تقييم آثار جائحة كوفيد-19 على الحيوانات إذا كنّا نرغب في ترميم السياحة في المناطق البريّة بشكلٍ أفضل».
التأثير السلبي لجائحة كورونا على الحيوانات
كان للجائحة أحياناً آثار سيئة في الأماكن التي تعتمد فيها الحيوانات على البشر كمصدر للغذاء والحماية؛ ففي منتزه «نارا» في اليابان، قام الزوّار بإطعام غزلان «السيكا» القاطنة هناك رقائق بسكويت خاصةً يوفّرها المنتزه، ولكن عند انتشار وباء كورونا، اضطرت الغزلان؛ التي يبلغ عددها 1200، فجأةً للبحث عن الطعام بنفسها في المنتزه الصغير؛ والذي تبلغ مساحته حوالي 6.5 كم مربّع. تسبب هذا في جوع الغزلان، ودفعها للتجوّل باتجاه وسط المدينة؛ حيث أصبحت في خطر حوادث السير، وتناول البلاستيك.
توقّفُ قدوم الزوار مثّل تهديداً أيضاً في المناطق التي تعتمد على سياحة الحيوانات؛ ففي تايلاند، الفيلة التي كان يدفع السياح المال لامتطائها وإطعامها، توقّفت عن إنتاج الأموال فجأة؛ مما قلل من قدرة مالكيها على شراء الطعام. تعتمد العديد من مآوي الحيوانات البريّة؛ مثل محميّة «سانت أوغسطين» البريّة في ولاية فلوريدا، على أموال الزوار للاهتمام بالحيوانات، وفي إفريقيا، أضر الانخفاض في السياحة الدولية ورحلات السفاري البريّة الاقتصادات الإقليمية، ومن المحتمل أن يكون قد أدّى إلى ازدياد الصيد المحظور أيضاً.
باختصار؛ بيّنت جائحة كوفيد-19 مدى حساسية الاقتصادات المبنية على السياحة البيئيّة؛ فبدون قدوم الزوار بشكلٍ مستمر، أصبحت سبل العيش والحياة البرية في خطر بشكلٍ فجائي.
التأثير الإيجابي
على الرغم من كل تلك الأمثلة؛ وفقاً لـ «لوري شيران»؛ مؤلفة مشاركة للدراسة الجديدة، وعالمة أنثروبولوجيا تتخصص في سلوك الرئيسيات في جامعة سنترال واشنطن، بشكلٍ عام، الثدييات استفادت في أغلب الحالات بدلاً من أن تتضرر؛ إذ تقول: «لست متأكدةً تماماً ما إذا كانت جائحة كورونا أمراً سيئاً بالنسبة للحيوانات بشكلٍ عام»، وتضيف: «بكثير من الطرق، يبدو أن الحيوانات استمتعت بفترة مهلة طويلة». في كثير من الأماكن، يبدو أن الحيوانات كانت تستمتع بعطلة من تجمّع البشر المستمر.
شوهدت الأسود والنمور تأخذ قيلولات في أماكنَ مفتوحة في المنتزهات الوطنية؛ حيث كانت حذرةً من قبل بسبب وجود الزوار من البشر. في عدة مدن حول العالم، شوهدت الحيوانات البرّية في مناطقَ مدنية كانت تتجنبها عادةً؛ مثلاً تجوّل خنزير بري في شوارع برشلونة، كما تجوّلت ذئاب القيّوط في سان فرانسيسكو، وشوهدت الغزلان في شوارع لندن. قبالة سواحل جنوب تايلاند، عاد قطيع يتألف من 30 فرداً من حيوانات الأطوم ليتغذّى على الأعشاب البحرية في المياه الضحلة؛ التي كانت تعج بالزوارق السريعة عادةً.
يبيّن مؤلفو الدراسة أيضاً أن الجائحة تسببت في زيادة التدقيق في تجارة الحياة البرية؛ وهو النشاط الذي من المحتمل أن يكون السبب في انتقال فيروس كورونا من الحيوانات للبشر. كتب المؤلّفون: «على الرغم من أن مناقشة الأسباب الثقافية والسياسية والمالية؛ المتعلّقة بإدارة أسواق اللحوم الطازجة وأنواع الحيوانات التي توجد فيها، هو خارج نطاق هذه الدراسة، إلّا أنه يجب أن تتسبب جائحة كوفيد-19 بتغيير في أنظمة الإدارة وسلوكيات البشر في استهلاك لحوم الحيوانات البرية، ومعاملة الحيوانات المخصصة للاستهلاك البشري بشكلٍ عام».
تقول شيران: «حظينا بفترة زمنية طويلة تكفي لإعادة التفكير بالطريقة التي نتفاعل فيها نحن البشر كنوع مع الكوكب»، وتضيف: «لذا، أتمنى أن ننمّي تقديراً مختلفاً للثدييات بمرور الوقت، وأن نفكّر بحذر أكثر في إمكانيات انتقال الأمراض بين البشر والحيوانات البرية».
تأمل شيران أن الملاحظات التي قدّمتها الدراسة الجديدة ستساعد في تحسين إدارة الحياة البرية في المستقبل، وتدرس- ضمن بحثها الحالي في بوتان- الطريقة التي أجبر فيها المناخ الآخذ في الاحترار المزارعين على تغيير محاصيلهم، وهذه المحاصيل الجديدة شهية للغاية بالنسبة للقرود التي تعيش بالقرب من تلك المناطق. تقول شيران أن هذا الأمر -بالإضافة إلى رغبة السياح في إطعام القرود- يمكن أن يتسبب في زيادة اعتماد القرود على البشر؛ مما يجعلها أكثر عرضةً لحوادث السير، ومشاركة أمراضها مع البشر.
وبشكلٍ خاص مع استمرار تغيير المواطن، ونتيجةً لأن تغيّر المناخ يجبر الحيوانات على توسيع نطاقها، فإن التقارب بين البشر والثدييات الأخرى سيزيد. تقول شيران: «سيزيد التواصل بيننا وبين الثدييات، أعتقد أننا سنحتاج المزيد من المساعدة لنتمكن من التعامل بانسجام مع هذه التفاعلات».
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً