اكتشاف نوع جديد من آكلات النمل قد يوفر معلومات جديدة عن حلقة تطورية مفقودة

آكلات النمل الزَغِبة هذه قد تمثّل نوعاً جديداً
صورة لآكل النمل الحريري، الذي يتمتّع بحجم صغير لدرجة أنه يتّسع في راحة اليد، يجلس في مظلة غابة من أشجار الأيكة الساحلية في دلتا بارنايبا في البرازيل. الصورة تقدمة من جو ماركوس هوزا.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

توقّفت فلافيا ميراندا فجأة وانتزعت كرة من الفراء بلون القمح من مجموعة من أغصان أشجار الأيكة الساحلية المتشابكة في أثناء رحلة مشي عبر الغطاء النباتي الكثيف في دلتا بارنيبا في البرازيل. رفع آكل النمل الحريري الذي يبلغ حجمه حجم كرة التنس، قوائمه الأمامية على نحو دفاعي كملاكم بعد أن أيقظته ميراندا من نومه. تأخذ ميراندا؛ وهي باحثة في طب الحفاظ على البيئة في جامعة ولاية سانتا كروز في البرازيل، عينات من الدم والفراء بعناية، ثم تحرر هذا الحيوان المراوغ في الغابة.

اقرأ أيضاً: ما الدروس المستفادة من النمل الأبيض في الهندسة المعمارية؟

آكلات النمل الحريرية

آكلات النمل الحريرية هي أصغر أنواع آكلات النمل، ونوعها هو أول نوع تطوّر من آكلات النمل قبل 30-40 مليون سنة. تعيش هذه الحيوانات الزغبة المنعزلة والليلية بأغلبها في ظل أشجار الغابات المطيرة وأشجار الأيكة الساحلية على ارتفاعات منخفضة في جنوب المكسيك وصولاً إلى شمال بوليفيا. وفي الوقت الذي لا تتغذّى فيه على النمل والنمل الأبيض، فهي تقضي جزءاً كبيراً من حياتها التي تدوم عامين فقط في النوم.

اعتقد العلماء حتى وقت قريب أن آكلات النمل الحريرية جميعها تنتمي إلى النوع نفسه. ولكن في عام 2017، نشرت ميراندا تحليلاً للحمض النووي لآكلات النمل الحريرية التي تعيش في مختلف أنحاء الأميركيتين، وكشفت عن وجود 7 أنواع متميزة.

تقول ميراندا التي درست الحيوانات مثل الكسلان والمدرّع وآكلات النمل في البرازيل لـ 30 عاماً: “اعتقدت دائماً بوجود أكثر من نوع واحد من آكلات النمل، ولاحظت اختلافات في لون فراء الجماعات التي تعيش في مناطق مختلفة”.

الآن، تبحث ميراندا في احتمالية أن يكون آكل النمل الذي أخذت العينات منه في دلتا بارنيبا، التي تبعد نحو 280 كيلومتراً عن مدينة ساو لويس تجاه الشرق، فرداً من نوع ثامن.

آكلات النمل الحريرية في هذه الدلتا معزولة، وتعيش على بُعد آلاف الكيلومترات من أقرب أقربائها المعروفين في حوض الأمازون شمال غرب الدلتا، وفي مساحة من الغابات المطيرة الاستوائية جنوب شرقها، وعلى طول ساحل المحيط الأطلسي في البرازيل. تقول ميراندا إن هذه المجموعة قد تكون من المجموعات القديمة الباقية التي انتشرت قبل 11 ألف عام، عندما امتدت غابات الأمازون المطيرة إلى دلتا بارنيبا.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن تقدير عدد النمل في كوكبنا؟

التحول إلى نوع منفصل

وفقاً للمعلومات الحالية، يشير التحليل الجيني الذي أجرته ميراندا إلى أن جماعات آكل النمل التي تعيش في هذه الدلتا انفصلت عن الأنواع الأخرى من آكلات النمل الحريرية منذ نحو مليونَيّ عام. مع ذلك، يجب دعم اختبارات الحمض النووي بدراسة الخصائص الفيزيائية للتأكّد من أن آكلات النمل في الدلتا تمثّل نوعاً جديداً بالفعل. لذلك؛ تواصل ميراندا ومساعدها الميداني، ألكسندر مارتنز، جمع عينات الدم وإجراء القياسات للحيوانات التي يجدانها في أشجار الأيكة الساحلية.

تقول ميراندا: “على أقل تقدير، نحن على يقين من أن هذه المجموعة متميزة من الناحية التطورية، وأنها تمر حالياً في طور التحوّل إلى [نوع منفصل]”.

لا يعرف العلماء عدد آكلات النمل الحريرية التي تعيش في دلتا بارنيبا في البرازيل. وإحصاء عدد هذه الحيوانات المراوغة صعب بسبب كثافة أشجار الأيكة الساحلية. استُخدمت الصورة بإذن من كارينا مولينا
لا يعرف العلماء عدد آكلات النمل الحريرية التي تعيش في دلتا بارنيبا في البرازيل. وإحصاء عدد هذه الحيوانات المراوغة صعب بسبب كثافة أشجار الأيكة الساحلية. استُخدمت الصورة بإذن من كارينا مولينا

تصف رئيسة مجموعة خبراء آكلات النمل التابعة للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، مارييلا سوبرينا، بحث ميراندا بأنه رائد؛ إذ تقول: “آكلات النمل الحريرية هي أقل الحيوانات التي دُرست من بين الحيوانات مثل الكسلان والمدرع وآكلات النمل”.

تجعل كثافة أشجار الأيكة الساحلية في دلتا بارنيبا حساب عدد آكلات النمل الموجودة في الدلتا شبه مستحيل بالنسبة لميراندا وزملائها؛ ولكن أصبح من الواضح أن هذه المنطقة ليست ملاذاً آمناً لآكلات النمل منذ زيارة ميراندا الأولى لها في عام 2009. يقطع السكان المحليون أشجار الأيكة الساحلية لصنع السياجات والمساكن والقوارب، ويترك المزارعون أيضاً أبقارهم وخنازيرهم تتجول بحرية في الدلتا؛ حيث ترعى الماشية على نحو مفرط وتدوس الأشجار الصغيرة السن.

اقرأ أيضاً: هل للنمل رائحة نفّاذة يمكن شمّها؟

بدأت ميراندا بتحفيز المجتمع المحلّي على إعادة زرع أشجار الأيكة الساحلية في عام 2011. بدأ السكان المحلّيون بزراعة ما يُدعى بـ “وحدات الاستنساخ”، شتلات الأيكة الساحلية في هذه الحالة، في مشتل بهدف إعادة زراعتها في الدلتا، وسيّجوا هذه المناطق لحمايتها من الماشية، وستستأنف الغابة النمو بسرعة. على الرغم من أن السكان يركزون في الغالب على حماية أشجار الأيكة الساحلية، فإن جهودهم المستمرة تعود بالنفع أيضاً على آكلات النمل الحريرية وغيرها من الحيوانات البرية.

يقول صياد السمك والمرشد السياحي وأحد المتعاونين مع ميراندا، باولينيو مورو دو ميو: “بقاء مجتمعنا مهدد بسبب التغير المناخي وارتفاع مستوى سطح البحر والعواصف، وأشجار الأيكة الساحلية هي أفضل آلية دفاعية لدينا، ونحن نعمل بجد لاستصلاحها”.

لكن أثارت دراسة هذه الدلتا لدى ميراندا اهتماماً أكبر بآكلات النمل الحريرية التي لم تُكتشف بعد؛ والتي قد تعيش في الغابات الجافة بين دلتا بارنيبا والغابات المطيرة البعيدة. تقول ميراندا: “أعتقد بوجود المزيد من الجماعات التي تنتمي إلى أنواع تعد من ‘الحلقات المفقودة’ حالياً”.