منذ نحو 15 مليون سنة، كانت أستراليا غابة مطيرة خصبة، وكانت تحتوي على نهر قديم في الجنوب الشرقي، شكّل تدريجياً بحيرة من أحد انحناءاته. غالباً ما كان ينتهي المطاف بجثث الأسماك وغيرها من الكائنات المستوطنة في هذه البحيرة، وربما حدث ذلك بسبب طوفان النهر، ومنع المياه منخفضة الأوكسجين المفترسات النهرية من تناول هذه الجثث. ترسّب الحديد المذاب في الماء، ودفن الأدلة الحيوية في قاع البحيرة لعدة دهور، حتى اكتشف مزارع معاصر اسمه "نايجل ماكغراث" هذه الأحافير الغنية بالحديد في ما يعرف الآن بـ "نيو ساوث ويلز".
كنزٌ من الأحافير ساعدت العوامل الطبيعية على حفظه
يغطي كنز الأحافير هذا، والذي اسمه "سهل ماكغراث" نحو نصف مساحة ملعب كرة قدم، لكنه يحتوي على أحد أكثر السجلات إثارة للإعجاب لأشكال الحياة في الغابات المطيرة في عصور ما قبل التاريخ. منذ اكتشاف السهل، صنّف علماء الأحافير أكثر من 2000 أحفورة من عصر الميوسين، وهي حقبة تمتد من 23 إلى 5 ملايين سنة مضت.
كشف علماء الحفريات في معهد أبحاث المتحف الأسترالي، والذين نُشروا نتائجهم في دورية "تقدّمات علمية" في 7 يناير/كانون الثاني 2022، عن عدد كبير من الاكتشافات الأحفورية الجديدة التي تعطينا نظرة على تاريخ المنطقة. تضيف العينات الفريدة في المنطقة أجزاءً مفقودة إلى السجل الأحفوري، والتي تلقي الضوء على كيفية تغيّر النظام البيئي القديم عندما تحولت القارة الأسترالية من قارة شجرية إلى أراضٍ عشبية جافة.
على عكس مواقع الأحافير الميوسينية الأخرى في أستراليا، والتي توجد فيها عظام الفقاريات الكبيرة، يحتوي سهل ماكغراث على بقايا نباتات وحيوانات رخوة الجسم، والتي عادة ما يكون من الصعب حفظها على مر العصور. تبيّن جودة حفظ هذه الأحافير العالية بشكل استثنائي السمات الجسدية الدقيقة للمخلوقات التي ازدهرت في السابق. لا تزال آثار أكياس الصباغ كامنة في بعض هذه الأحافير، مما يشير إلى ألوان الحيوانات التي كانت منتشرة من قبل. تبين بعض الأحافير الكائنات المتحجرة أثناء تفاعلها مع حيوانات أخرى، مثل الطفيليات التي تتغذى على الأسماك، مما يعطينا لمحة عن المجتمعات والعلاقات البيئية الديناميكية السابقة. علاوة على ذلك، يعتبر الحديد الموجود في الحفريات نعمة، فوجود هذا المعدن يجعل تطبيق تقنيات التصوير الحديثة أسهل، مما يجعل الباحثين غير مضطرين إلى تغيير العينات بشكل غير قابل للعكس قبل فحصها تحت المجهر.
قال "ماثيو ماكوري"، المؤلف الرئيسي المشارك للدراسة، وعالم الحفريات من معهد أبحاث المتاحف الأسترالية، لموقع "ناشيونال جيوغرافيك": "يمكننا أن ننظر في هذه النظم البيئية كما لم نتمكّن من قبل". تقدم دراسة فريقه لمحة عن أشكال الحياة المعقدة التي تزحف، أو تسبح، أو تطير، أو التي تقوم بعملية التركيب الضوئي، مزدهرةً في غابة قديمة من حقبة ماضية.