اكتشاف أحفورة نوعٍ غريب من السرطان عاش قبل 95 مليون عام

3 دقائق
أحفورة سرطان الكيميرا
حقوق الصورة: ماساتو هاتوري

تُعد حشرة اليعسوب من الحيوانات المفترسة الأكثر كفاءة والموجودة على قيد الحياة اليوم، إذ يمكنها تتبع فريسةٍ واحدة بين سرب من الحشرات، وعندما تقترب منها، يمكنها حساب مسارها وهي في الجو واعتراضها وإمساكها.

تُظهر بقايا سرطاناتٍ متحجرة يبلغ عمرها 90 مليون عام كيف يمكن لحيوان يتغذى في قاع الماء أن يمتلك مهارة اليعسوب في الصيد. عُرفت أحفورة سرطان «كاليكيميرا بيربلكسا» (Callichimaera perplexa)، لأول مرة بين الحفريات المكتشفة في كولومبيا عام 2019، حيث عاش هذا النوع من السرطانات في المحيطات الدافئة في منتصف العصر الطباشيري، وتتميز هذه السرطانات بامتلاكها عيوناً كبيرة جداً. كان حجم السرطان البالغ بحجم قطعة ربع دولار، وشكلت العيون الملتصقة برأسه نحو 16% من حجمه لوحده. نسبياً، يمكنك تخيل إنسانٍ بعيون بحجم طبق الطعام لتتصور كم هي كبيرة عيون هذا السرطان.

عُثر على سبعةٍ من السرطانات محفوظة بشكل جيد للغاية، ما أتاح لعلماء الأحافير دراسة عيونها المركبة بدقة وشكل الأعصاب بين العينين وأدمغتها، ونشروا نتائجهم في ورقةٍ بحثية حديثة في دورية «آي ساينس». تقترح البنية التشريحية لسرطان كاليكيميرا بيربلكسا هذا، أو الكيميرا،ا أن نظره كان حاداً مثل اليعسوب، وأكثر حدةً من نظر فرس النبي الذي يصطاد القواقع وسرطان البحر.

أحفورة سرطان
عين السرطان المتحجرة. حقوق الصورة: كيلسي جينكينز.

مهارة فريدة من نوعها في الصيد 

ومع ذلك، فإن العيون وحدها ليست علامة مؤكدة على أنه هذا السرطان كان صياداً ماهراً، فالنحل يمتلك نظراً حاداً أيضاً، ولكنه يعتمد عليه لتمييز الأزهار الغنية بالرحيق (على الرغم من أنه من نسل الدبابير المفترسة). ما يرجح أن سرطان الكيميرا كان مفترساً ماهراً هو امتلاكه لنظر ثاقب بالإضافة إلى جسمٍ مغزلي يتيح له السباحة بسرعة، كما يوجد خلف مخالبه زوجٌ من الأذرع العريضة والمسطحة التي تشبه إلى حد ما المجاديف، ما يشير إلى أنه ربما كان يسبح بواسطتهما عبر الماء مطارداً كل ما تقع عليه عيناه.

تقول كيلسي جينكينز، المؤلفة الرئيسية للدراسة الجديدة وطالبة الدكتوراه في علم الأحافير في جامعة ييل: «أعتقد أن أقرب كائن حي موجود حاليّاً يشبه سلطعون الكيميرا هو السلطعون الأزرق». يمكن للأنواع اللامعة منه، والتي تعيش في أواسط المحيط الأطلسي وحتى خليج المكسيك، أن تجدف عبر الماء بواسطة زوج من الأرجل المخصصة للسباحة. وتضيف: «لكن ليس لدينا أي سرطان يسبح مثل هذا الشيء على الأرجح. يكاد يكون نمط حياةٍ ضائع».

تسبح بعض السرطانات، لكن من المحتمل أن يكون سرطان الكيميرا ضمن فئة خاصة به.

غريب في عالم السرطانات

كان خافيير لوك، المؤلف الرئيسي للدراسة وعالم الحفريات في جامعة هارفارد، قد اكتشف مجموعة الحفريات المحفوظة بشكلٍ مذهل عندما كان ما يزال طالباً جامعياً في عام 2005. يقول لوك: «كان الأمر محيراً، لأن هذا الشيء لم يكن يشبه ما كنا نعرفه في ذلك الوقت. بعد عقد من البحث، إذا قارناه بالثدييات، لن يكون قرداً أو قارضاً أو كلباً، إنه مثل خلد الماء في عالم السرطان، لأنه غريب جداً ومختلف».

لا يزال اكتشاف سلطعون كاليكيميرا بيربلاكسا حديثاً، لذلك لا يعرف العلماء شيئاً عما كان يأكله أو الحيوانات التي كانت تعيش بجانبه في المحيط. لكن مجموعة الأحافير التي اكتشفها لوك كانت محاطةً بمجموعة أكبر من الروبيان الفاصلة (Comma Shrimp)، وهي قشريات بحجم حبة العدس، وربما كانت تقتات عليها السرطانات في ذلك الوقت.

ما تزال الطريقة التي أصبحت من خلالها تلك السرطانات صياداتٍ ماهرة لغزاً يشير إلى مسارٍ تطوري غريب، فالعديد من السمات المميزة لأنواعها، مثل أرجلها الشبيهة بالمجداف وأعينها المنتفخة الملتصقة برأسها، موجودة أيضاً في يرقات سرطانات البحر النموذجية. تقول جينكينز: «تمتلك يرقات السرطانات كل هذه الميزات التي تؤهلها للسباحة، لذلك تطفو في الماء ببساطة مثل العوالق. لكنها لا تكتسب المزيد من سمات الأفراد البالغة، مثل الجسم العريض والأرجل التي يمكنها المشي بواستطها، إلا بعد أن تنمو. على النقيض من ذلك، سلطعون كيميرا يشبه طفلاً عملاقاً».

أحفورة سرطان الكيميرا
صورة مبنية بواسطة الحاسوب لسرطان الكيميرا مع أرجل السباحة. حقوق الصورة: أليكس دوكي.

موقع سرطان الكيميرا في سجل الحفريات

لذا بطريقة ما، فإن سرطان الكيميرا لا مثيل ولا أقارب له في سجل الحفريات، وبطريقةٍ أخرى، ربما كان يستخدم أدواتٍ استخدمها أسلافه طوال حياتهم.

هناك خصائص لحيوان السرطان، ولأسبابٍ لا تزال مجهولة، تطورت مجموعاتٌ غير مرتبطة تماماً من الأنواع لتبدو مثل السرطانات مراراً وتكراراً (تسمى هذه العملية التسرطن؛ وهي مثال على التطور المتقارب الذي تتطور فيه القشريات إلى شكل يشبه سرطان البحر من شكل غير شبيه بالسرطان).

أنواع السرطانات
للسرطانات أشكال عديدة. حقوق الصورة: خافيير لوك.

تقول جينكينز: «هناك نوع من الجدل حول صفات السرطان النموذجية. تُستخدم الكلمة لوصف كلّ مجموعةٍ تطورية، مثل الثدييات، والكائنات الحية غير ذات الصلة التي تشترك في الشكل الأساسي، مثل الأشجار. بالنسبة لكاليكيميرا بيربلاكسا، هو سرطان حقيقي بمعنى أنه ينتمي إلى هذه المجموعة التي تطورت خلال فترة زمنية معينة. إنه يعطينا نظرة ثاقبة عما يعنيه أن يكون الكائن الحي سرطاناً».

وتشير جينكينز إلى أنه على الرغم من أن العديد من الحيوانات قد اتخذت شكل جسم «السرطان»، إلا هناك المزيد من الأمثلة على تطور السرطانات إلى شكلٍ مختلف، كما يتضح في حالة كاليكيميرا بيربلاكسا. كما يمكن أن يكون شكل السرطان أيضاً منصة للتكيف مع النظم البيئية الجديدة. تقول جينكينز أخيراً: «لا نرى الكركند يتسلق الأشجار أو الروبيان يعيش على الشاطئ. لقد فعلت السرطانات كل ذلك وأكثر».

في حين أن لنمط حياة السرطان فوائد، فإن هذا المخلوق الأحفوري يثبت أنه ليس الخيار الأفضل دائماً. قد يكون من الأفضل في بعض الأحيان أن تكون سرطاناً صغيراً.

المحتوى محمي