وفقاً للعلماء، عاش طائر ربما يمتلك قدرة غير عادية على إخراج لسانه منذ نحو 120 مليون سنة فيما يعرف الآن بشمال شرق الصين.
أطلق العلماء على هذا الطائر اسم «بريفايروستروفيس ماكروآيوديس» (Brevirostruavis macrohyoideus)، وقدموا وصفاً دقيقاً لهيكله العظمي في 1 ديسمبر/كانون الأول 2021 في دورية «علم التشريح» (Journal of Anatomy). تشير العظام الممتدة جداً والمرتبطة باللسان في الأحفورة، أو ما يُعرف بالجهاز اللامي، إلى أن الطائر كان يمكنه أن يبرز لسانه من فمه مثلما تفعل بعض الطيور المعاصرة لالتقاط قطع الطعام الصغيرة التي يصعب الوصول إليها بمناقيرها.
تكيف تطوري لالتقاط الغذاء
يقول روبرت كامبيك، الأستاذ المساعد في علم الأحياء في كلية هود في فريدريك بولاية ماريلاند، والذي لم يشارك في البحث: «تسلط أحفورة الطائر المكتشفة حديثاً الضوء على كيفية تطوير الطيور الحديثة وأقاربها المنقرضة طرقاً عديدة مختلفة لتأمين غذائها».
ويضيف: «جربت الطيور تكيفات واستراتيجيات مختلفة للتغذية منذ بداية تطورها. إنه لأمر رائع أن هذه المجموعة المتنوعة من العادات والأنظمة الغذائية لا توجد فقط في الطيور الحية، ولكن يبدو أنها ظهرت خلال تطور عالم الطيور بأكمله».
يتوضع العظم اللامي عند البشر، والذي يتخذ شكل حرف «U» في قاعدة اللسان فوق الحنجرة مباشرة. يقول كامبيك: «لا يتصل هذا العظم بأي عظمٍ آخر، ويطفو متعلقاً بالعضلات التي تتصل به من جهاتٍ مختلفة. تحتاج بعض عضلات اللسان إلى نقطة الربط هذه، خاصة عند إخراج اللسان وسحبه».
لا تمتلك الطيور عادةً ألسنة عضلية ورشيقة كالتي نمتلكها نحن البشر، لكن بعضها يمتلك لساناً لحمياً يساعد مناقيرها في تقشير الفاكهة أو البذور. وفي عدد قليل من عائلات الطيور، تكون أجزاء من الجهاز اللامي والمنقار ممتدة، ما يسمح للطيور بإخراج ألسنتها. على سبيل المثال، تستخدم الطيور الطنانة ألسنتها الرشيقة لرشف الرحيق من أعماق الزهور، بينما يمد نقار الخشب لسانه لسحب الحشرات أو النسغ من الأشجار.
يقول تشي هينج لي، عالم الحفريات في الأكاديمية الصينية للعلوم في بكين والمؤلف المشارك للدراسة، في رسالة بالبريد الإلكتروني: «لسان نقّار الخشب يمتلك أطول لسانٍ بين الطيور، وهو طويل جداً لدرجة أنه يلتف حول رأسه ويمكن أن يصل إلى إحدى فتحتي أنفه».
طائر بريفايروستروفيس ماكروآيوديس
تنتمي أحفورة طائر بريفايروستروفيس المكتشفة حديثاً إلى مجموعة متنوعة من الطيور المبكرة تسمى «الإننتيورنيثيات» (Enantiornithes)، والتي لا يوجد أي نوعٍ منها على قيد الحياة حالياً، ولكنها كانت الطيور السائدة في العالم خلال العصر الطباشيري. اكتُشفت العينة وهي محفوظة في لوح صخري يعود تاريخه إلى أوائل العصر الطباشيري في مقاطعة لياونينغ الصينية. كان طائر البريفايروستروفيس بحجم طائر الزرزور تقريباً، وتشير مخالبه الطويلة ونسب عظام أصابع قدمه إلى أن الحيوان كان يقطن في الأشجار.
عندما فحص الباحثون الأحفورة المكتشفة، حددوا أيضاً مجموعة غريبة من السمات لم تظهر في الطيور الحية أو المنقرضة الأخرى.
يتكون الجهاز اللامي في الطيور الحالية من غضروف وعدة عظام، بما فيها العظام الخيشومية منحنية الشكل والعظام فوق الخيشومية. تمتلك الطيور الحديثة القادرة على إخراج لسانها عظام فوقية طويلة ومناقير طويلة ممتدة بعض الشيء، بينما لم تمتلك الطيور القديمة هذه العظام؛ فقد كانت لطيور البريفايروستروفيس عظاماً خيشوميةً منحنية تُدعى «السيراتوبرانكيلات» (ceratobranchials) وتمتد على طول الجمجمة تقريباً.
والأمر الذي كان محيراً للعلماء أيضاً هو امتلاك أحفورة الطائر أنفٍ قصير مدبب ومبطّنٍ بأسنان وتدية الشكل. يقول كامبيك في هذا الصدد: «يمكن أن تكون هناك عدة تفسيراتٍ لهذه التركيبة الفريدة، أعني وجود جهازٍ لامي طويل جداً وأنفٍ قصير». ويتكهن قائلاً: «بدلاً من محاولة إخراج اللسان إلى أقصى حد ممكن، يمكن أن يعمل المفصل العضلي الطويل أيضاً كلسان عضلي يحتاجه الطائر للتحكم في الطعام إما في الفم أو بالقرب منه».
الاحتمال الآخر هو أن الطائر قد استخدم الجهاز اللامي لإخراج لسانه، لكن بعض القيود التطورية منعت هذه الطيور من إطالة أنفها الشبيه بالمنقار. ويوضح كامبيك: «لذلك فإن لسانه طويل بدون منقار بنفس الطول لمساعدته على إخراجه. إنه يمتلك جزءاً واحداً من الآلية التي تسمح له بإخراج لسانه، بينما تمتلك الطيور الحالية الجزأين معاً».
ربما كان طائر بريفايروستروفيس ماكروآيوديس قادراً على الاستفادة من مصادر الطعام التي لم تتمكن الطيور الأخرى من الوصول إليها، لكن من الصعب التأكد مما كان يتناوله الطائر نظراً لعدم وجود بقايا محفوظة من الوجبة الأخيرة في الأحفورة المكتشفة. ومع ذلك، من الممكن أن طائر البريفايروستروفيس ماكروآيوديس كان يستخدم لسانه لاستكشاف لحاء الأشجار بحثاً عن الحشرات المخفية أو للوصول إلى سوائل تشبه الرحيق والبذور في المخاريط التكاثرية لنباتات ما قبل التاريخ، كما يقول تشي هينج لي.
علاقات تطورية مختلفة
درس الفريق أيضاً العلاقات التطورية بين طيور بريفايروستروفيس ماكروآيوديس وأقاربها، ووجدوا أن هذا الطائر لا يتناسب مع أي مجموعةٍ من المجموعات الرئيسية من عائلة طيور الإننتيورنيثيات، ما يشير إلى أن الجهاز اللامي الطويل تطور بشكل مستقل عدة مرات عبر شجرة عائلة هذا الطائر.
يقول لي: «العديد من نفس المشاكل المتعلقة بالطيران والأكل اليوم لدى الطيور كانت موجودةً منذ 120 مليون سنة، ولذلك نرى أن بعض السمات نفسها تطورت في مثل هذه الأقارب البعيدة لطيور اليوم».
يخطط الفريق لفحص العديد من أحافير الطيور الأخرى التي يبدو أنها كانت تمتلك ألسنةً طويلةً أيضاً نوعاً ما، والبحث عن مزيد من العينات المحفوظة من طيور بريفايروستروفيس. ويقول لي: «نريد أيضاً معرفة ما إذا كان بمقدورنا تحديد متى تطورت العظام فوق الخيشومية عند الطيور، لأن هذه العظام ضرورية للألسنة الطويلة للطيور الحية».
ويخلص كامبيك، الذي يدرس كيفية عمل العظام والعضلات معاً في الحيوانات الحية: «إن التحقيق في كيفية استخدام الطيور الحديثة لأجهزتها اللامية قد يلقي الضوء أيضاً على سبب تطوير طيور بريفايروستروفيس للتركيبة الفريدة المكونة من أنفٍ قصير وعظام لسانٍ طويلة».
ومع ذلك، هناك الكثير مما يمكن تعلمه من جماجم وعظام ألسنة حيوانات سابقة مثل طيور بريفايروستروفيس: «يمكن أن تعطينا فكرةً دقيقة حول ما كانت تأكله تلك الحيوانات، وهذا يعطينا معلومات عن حياتها اليومية بطريقة مباشرة أكثر مما يمكن أن تقدمه لنا عظام جسمها الأخرى».