دراسة جديدة تبيّن أن أدمغة النمل تتواصل بفعالية مدهشة لتحذير بعضها من الأخطار

دراسة جديدة تبيّن أن أدمغة النمل تتواصل بفعالية مفاجئة
يطلق النمل فيروموناً يساعد الأفراد الآخرين على استشعار الخطر. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إذا رأيت واحدة من آلاف المليارات من النمل في العالم على منضدة مطبخك، فلن تكون وحدها أبداً. ترسل عادة هذه النملة التي تبدو وحيدة إشارات إلى المستعمرة بأكملها عند وجود الطعام أو مصدر للخطر في الجوار.

ألقى العلماء في دراسة نُشرت بتاريخ 14 يونيو/ حزيران 2023 في مجلة سيل (Cell) نظرة من كثب على الطريقة التي ينشّط وفقها بعض إشارات الرائحة التي تستخدمها هذه الحشرات للتواصل بعضها مع بعض جزءاً معيناً من دماغ النمل، ما يؤدي بعد ذلك إلى تغيير سلوك العش بأكمله.

أنظمة اتصالات معقدة لدى النمل

قال عالم الأعصاب في جامعة روكفلر والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، تيلور هارت، في بيان صحفي: “البشر ليسوا الحيوانات الوحيدة التي تتمتّع بمجتمعات وأنظمة اتصال معقّدة. على مدار التاريخ التطوري، طوّر النمل أنظمة شميّة معقدة للغاية مقارنة بالحشرات الأخرى، وتسمح هذه الأنظمة للنمل بالتواصل باستخدام أنواع مختلفة من الفيرومونات التي يمكن أن توصل رسائل مختلفة”. تشير الدراسة إلى أن هذه الحشرات لديها مراكز اتصال خاصة بها في أدمغتها، تماماً مثل البشر.

يستطيع النمل تفسير الفيرومونات التي تشير إلى وجود الخطر التي يفرزها الأفراد الآخرون، ومن المحتمل أن الأدلة الشمية التي تعتمد عليها هذه الحشرات أكثر تقدماً من تلك التي تتمتع بها الحشرات الأخرى مثل نحل العسل. أشارت الدراسات السابقة إلى أن النحل يعتمد على أجزاء متعددة من الدماغ للتنسيق استجابةً لفيرومون واحد.

اقرأ أيضاً: ما الدروس المستفادة من النمل الأبيض في الهندسة المعمارية؟

نظام اتصال تغذيه الفيرمونات

قال عالم الأحياء المتخصص في علم الأحياء التطوري في جامعة روكفلر والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، دانييل كروناور، في بيان صحفي: “يبدو أن هناك مركزاً حسياً في دماغ النمل تغذّيه فيرومونات الإنذار المسببة للذعر جميعها”. نظر الفريق في الدراسة الجديدة في نوع من النمل يحمل اسم النمل المهاجم النسيلي، واستخدم المؤلفون بروتيناً مُعدلاً وراثياً يحمل اسم جي سي أيه إم بي (GCaMP) لمسح نشاط دماغ النمل الذي تعرض لإشارات الخطر.

يلتصق هذا البروتين بأيونات الكالسيوم التي تضيء بعد ذلك في أثناء نشاط الدماغ. بعد ذلك، يمكن كشف مركب كيميائي فلوريّ باستخدام المجاهر العالية الدقة التي تولّف بطريقة تتيح لها رؤية هذه المركبات. لاحظ المؤلفون في هذه المسوحات أن جزءاً صغيراً فقط من أدمغة النمل يضيء استجابة لإشارات الخطر. مع ذلك، يتبع النمل سلوكيات فوريّة ومعقّدة بعد التنبيه. أطلق الباحثون على هذه السلوكيات اسم استجابة الذعر، لأن النمل يخلي العش أو يهرب منه أو ينقل النسل بعيداً عنه وفقها.


سلوك مستعمرة النمل المهاجم النسيلي قبل التحفيز بفيرومون إنذار وبعده. المصدر: ليندزي لوبيس.

فيرمونات متنوعة بحسب الرسائل المُراد إيصالها

تستخدم أنواع النمل التي تبني مستعمرات بأحجام مختلفة أيضاً الفيرومونات الأخرى لإرسال مجموعة متنوعة من الرسائل. قال هارت:

“نعتقد أن النمل المهاجم النسيلي يبني مستعمرات تأوي العشرات إلى المئات من الأفراد فقط في البرية عادة، ما يجعلها مستعمرات صغيرة جداً مقارنة بمستعمرات النمل الأخرى. يعتمد النمل في هذه المستعمرات الصغيرة على استجابات الذعر في الكثير من الأحيان بصفتها سلوك تنبيهٍ لأن هدفه الرئيسي هو الهروب والبقاء على قيد الحياة.

لا يستطيع النمل المخاطرة بأرواح عدد كبير من الأفراد لأن عدد الأفراد في هذه المستعمرات قليل. يبني النمل المحارب، وهو النوع من النمل ابن عم النمل المهاجم النسيلي، مستعمرات ضخمة تأوي مئات الآلاف أو ملايين الأفراد، ويمكن أن يكون أكثر عدوانية بكثير”.

اقرأ أيضاً: 6 حقائق مدهشة عن النمل

ينظم النمل الجماعة داخل المستعمرة بدقة تبعاً للدور والطبقة، ويختلف تشريح النمل قليلاً باختلاف الدور والطبقة في المستعمرة. درس الباحثون النمل المهاجم النسيلي من جنس واحد الذي ينتمي إلى طبقة واحدة ويؤدي دوراً واحداً لضمان اتساق النتائج. سهلت مراقبة إناث النمل العاملات فقط كشف الأنماط المنتشرة في الجماعة. إذا توصل الفريق إلى فهم أوضح للاختلافات العصبية بين الأفراد الذين ينتمون إلى جنس وطبقة مختلفين والذين يؤدون الأدوار المختلفة، سيساعدهم ذلك على فهم الطريقة التي تعالج فيها أدمغة النمل المختلفة إشارات الخطر نفسها.