بدأت طوائف النحل بالاختفاء في المغرب مؤخراً، ما أثار قلقاً كبيراً بين مربي النحل والمختصين، وأظهر تشخيص أجرته النقابة الوطنية لمحترفي تربية النحل عدة أعراض ترتبط بهذه الظاهرة الجديدة، دون تحديد أسبابها.
تحمل ظاهرة اختفاء النحل آثاراً سلبية على مهنة تربية النحل وإنتاج العسل، ما دعا إلى التحقيق في هذه الظاهرة، والذي أظهر أن خلايا النحل تحتضن الملكة وبضع نحلات فقط، مع اختفاء تام للنحلات العاملات.
ظاهرة انهيار خلايا النحل
تعرف هذه الظاهرة التي تحدث الآن بين مناحل المغرب باسم «ظاهرة انهيار خلايا النحل» أو «اضطراب انهيار المستعمرة». في هذه الظاهرة تختفي النحلات العاملات خارج المستعمرة، ثم تختفي العاملات داخلها تباعاً حتى لا يتبقى سوى الملكة فقط، وبذلك تصبح الخلية بدون النحلات العاملات غير قادرة على الحفاظ على نفسها وعلى استمرارية وجودها.
سُجلت هذه الظاهرة في دول أخرى بأوروبا وأميركا وإفريقيا، وتُعزى لأسباب متعددة ومتداخلة، على سبيل المثال لا الحصر، سوء التغذية وتفشي العث والتعرض لمبيدات الآفات الزراعية والإجهاد والعدوى الفيروسية وقلة الأمطار.
اقرأ أيضاً: إذا أردت مساعدة النحل، لا تستخدم المبيدات
تربية النحل في المغرب
ازداد عدد العاملين في قطاع تربية النحل في المغرب في السنوات الأخيرة، فقد أشارت إحصائيات وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية الريفية والمياه والغابات المغربية إلى أن عدد النحالين كان 22 ألفاً عام 2009، وبلغ 36 ألفاً عام 2019، أي بزيادة بنسبة 65% تقريباً، مع زيادة عدد خلايا النحل بنحو 482% بفضل مخطط المغرب الأخضر، كما بلغ إنتاج المغرب من العسل 7,960 طناً عام 2019، وبذلك يكون لقطاع تربية النحل دوراً اجتماعياً واقتصادياً مهماً.
بالإضافة إلى الأهمية الاقتصادية، تؤدي تربية النحل دوراً مهماً في تلقيح النباتات، سواء الطبيعية أو المزروعة، مع تأثيرها الفعال في تحسين كمية وجودة الإنتاج النباتي، لا سيما غرس الأشجار المثمرة وزراعة الخضراوات والزراعات الصناعية.
ما الذي يحدث الآن؟
لاحظ مربو النحل اختفاء طوائف النحل في جميع أنحاء المملكة، ووصفوا هذه الظاهرة بالغريبة، إذ لم يشهدوا لها مثيلاً منذ 30 عاماً. أثارت هذه الظاهرة الريبة في نفوس المربين لما لها من تداعيات اقتصادية بسبب تأثيرها على إنتاج العسل الطبيعي، والذي سيبدأ موسمه في أبريل/نيسان القادم، وطالبوا الجهات المعنية بالإسراع في البحث عن السبل الكفيلة بالحد من تأثير ذلك على سلسلة تربية النحل بالمملكة.
من المتأثرين بهذه الظاهرة «عبد الله أجغل» رئيس إحدى تعاونيات تربية النحل وإنتاج العسل، والتي تضم ما يزيد عن 4 آلاف خلية، وقد شهدت مناحله موت 300 خلية. وقال أجغل لموقع «سكاي نيوز عربية»: «هذه الظاهرة تشبه إلى حد كبير ما يحدث عند تفشي مرض تعفن الحضنة، الذي يسهل التحكم فيه بالاعتماد على أدوية غير مكلفة». وأضاف: «في انتظار التوصل لأدوية يمكنها أن تساعد في القضاء على هذا المشكل، فإن مربي النحل يلجؤون مؤقتاً إلى استخدام طرق تقليدية في مواجهة المرض، أثبتت فعاليتها بنسبة 70%».
لن تقتصر أضرار اختفاء النحل على التداعيات الاقتصادية لإنتاج العسل، بل ستطال نظام التلقيح الطبيعي للنباتات الذي يقوم به النحل، والذي سيؤثر بدوره على كمية إنتاج النباتات والأشجار المثمرة وجودته بشكل خطير وسلبي.
بالإضافة إلى ذلك يخشى المستهلكون المغاربة الآن من انتشار العسل المغشوش في الأسواق في ظل اختفاء النحل الذي سيتسبب في قلة إنتاج العسل الطبيعي، إذ يستهلك المغاربة العسل الطبيعي لعدة أغراض. مثلاً يستخدم عسل الدغموس الحار كدواء فقط، وتستخدم الأنواع الأخرى كغذاء ودواء في آن معاً مثل عسل الزعتر والخزامى.
لكن في هذه الحالة سيقل إنتاج العسل المغشوش أيضاً، كونه في الأصل مزيج من شمع العسل زهيد الثمن مع كمية قليلة من العسل الطبيعي.
اقرأ أيضاً: المبيدات الحشرية تجعل النحل أقل ذكاء
أسباب اختفاء النحل في المغرب
لبّت الجهات المعنية نداء مربي النحل، وبدأت في التحقيق بأسباب اختفائه، فقد أجرت المصالح البيطرية التابعة للمكتب الوطني للسلامة الصحية، المعروف بإسم «أونسا»، اختبارات أولية للتحري عن وجود مرض أصاب النحل وتسبب في اختفائه. زار الخبراء نحو 23 ألف خلية نحل بمختلف مناطق المملكة، وأكدت النتائج الأولية أن اختفاءه ظاهرة جديدة تشمل بعض المناطق بدرجات متفاوتة، واستبعدت أيضاً احتمال أن يكون هناك مرض معين وراء اختفاء النحل في بعض المناطق، ومازالت التحريات والدراسات اللازمة جارية، بغية تحديد السبب الرئيسي لهذه الظاهرة.
بالإضافة إلى ذلك، أشارت «مليكة إدمين» المستشارة الفلاحية في المركز الوطني للاستشارة الفلاحية إلى أنه «يصعب تحديد ما إذا كان اختفاء النحل حدث بسبب مرض فيروسي، طالما أن الأمر لم يشمل إلى حدود اليوم جميع المناحل في المغرب».
اقرأ أيضاً: كيف يحافظ السلوفينيون على صحة النحل؟ درس للكوكب بأكمله
ولأنه للضرورة أحكام، تدعو المستشارة إدمين مربي النحل إلى ضرورة المحافظة على الخلايا التي لم يبلغها الضرر بعد، من خلال تعقيم الأدوات المستعملة في فحص الخلايا والمراقبة المستمرة ومعالجة بعض الأمراض التي تنتشر خلال هذه الفترة بين خلايا النحل، لتفادي تفشي المرض وانتقال العدوى لخلايا النحل الأخرى في المملكة، ريثما ينتهي الخبراء من أبحاثهم، ويتمكنوا من تحديد سبب اختفاء النحل، وتحديد العلاج المناسب له.
وبالحديث عن النحل في المغرب، يُذكر أن أقدم منحلة في العالم توجد في المغرب، في منطقة «إنزركي» جنوب المغرب، في قلب جبال الأطلس الكبير. بنيت في عام 1850، ويبلغ ارتفاعها ألف متر تقريباً، وهي مصنوعة من الطين والخشب والنخيل والقصب المجدول. وتتكون من 3,700 خلية، تقطنها عشرات الآلاف من النحل الإفريقي الأصفر الصحراوي.