كيف يمكن أن تساعد حساسية الجلد البصرية لبعض الأسماك على تطوير معدات تسهّل حياتنا؟

أسماك الخنزير تستطيع الرؤية باستخدام جلدها
تعيش أسماك الخنزير في غرب المحيط الأطلسي وتحمل مورثة تشفِّر بروتيناً حساساً للضوء يحمل اسم أوبسين. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تشتهر أسماك الخنزير ذات الخطم المدبب التي تعيش في الشعاب وتنتشر في المحيط الأطلسي بين ولاية كارولينا الشمالية والبرازيل بجلدها المتغيّر اللون. يمكن أن تغيّر حرابي البحر هذه لونها بسرعة من الأبيض إلى البني المحمرّ لتموّه نفسها في الشعاب، ولكن جلدها قد يخفي ميزة مختلفة.

أسماك الخنزير تستخدم جلدها للرؤية تحت الماء

نظر الباحثون في دراسة نُشرت بتاريخ 21 أغسطس/ آب 2023 في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز (Nature Communications) بعمق في جهاز ردود الفعل الحسية الذي تتمتّع به أسماك الخنزير ووجدوا أنها قد تستخدم جلدها للرؤية تحت الماء. تستطيع هذه الأسماك أيضاً استخدام هذا الجهاز لالتقاط صور ذهنية لها من الداخل.

دُفعت عالمة الأحياء في جامعة نورث كارولينا في مدينة ولمنغتون، لوري شوايكيرت، إلى دراسة هذه الظاهرة بعد أن رصدتها بنفسها في أرخبيل فلوريدا كيز في الولايات المتحدة. عندما لاحظت شوايكيرت أن أسماك الخنزير يمكنها الاستمرار في عملية التمويه هذه حتى بعد موتها، تساءلت إذا ما كانت قادرة على تحسس الضوء باستخدام جلدها فقط بدلاً من الاعتماد على عيونها ودماغها.

اقرأ أيضاً: توثيق سلوك غريب يتبعه بعض أنواع الأسماك للتخلص من الطفيليات

الأوبسينات الحساسة للضوء

وجدت شوايكيرت وعالم الأحياء من جامعة ديوك، سونكيه جونسن، في دراسة سابقة أن أسماك الخنزير تحمل مورِّثة تشفّر بروتيناً حساساً للضوء يحمل اسم أوبسين وينشَّط في جلدها. تختلف هذه المورثة عن المورثات الأخرى التي تشفّر بروتين أوبسين الموجودة في عيون أسماك الخنزير. يركّب الحبار وأبو بريص وغيرهما من الحيوانات التي تغير لونها الأوبسينات الحساسة للضوء في جلدها، لكن العلماء غير متأكدين كيف تساعد هذه البروتينات الحيوانات على تغيير لونها. تنص إحدى الفرضيات على أن الجلد المستشعر للضوء يساعد الحيوانات على إدراك البيئة المحيطة بها، ولكنه قد يؤدي أيضاً دوراً في رؤية الحيوانات لنفسها.

استخلص كل من جونسن وشوايكيرت في الدراسة الجديدة قطعاً من الجلد من أجزاء مختلفة من جسم أسماك الخنزير والتقطا صوراً لها تحت المجهر. كما تُظهر الدراسة بالمجهر، تتألف كل نقطة من اللون على جلد هذه الأسماك من خلية متخصّصة تحمل اسم حاملة الصِباغ. تحتوي هذه الخلايا على حبيبات من الصباغ بلون أسود أو أصفر أو أحمر.

تغيّر حركة هذه الحبيبات الصبغية لون الجلد. عندما تنتشر الحبيبات عبر الخلية، تكتسب هذه الأخيرة لوناً غامقاً. وتصبح الخلية شفافة أكثر عندما تتجمّع الحبيبات معاً وتشكّل بقعة صغيرة.

يبدو جلد أسماك الخنزير كأنه لوحة تنقيطية عند النظر إليه عبر المجهر. كل نقطة من اللون هي عبارة عن خلية متخصصة تحتوي على حبيبات صبغية بلون أحمر أو أصفر أو أسود. يمكن أن تنتشر هذه الحبيبات الصبغية أو تتجمع معاً داخل الخلية، ما يُكسب الخلية لوناً غامقاً أكثر أو يجعلها شفافة أكثر. المصدر: لوري شوايكيرت، جامعة كارولينا الشمالية في مدينة ولمنغتون.

بعد ذلك، استخدم الفريق تقنية تحمل اسم الوسم المناعي للعثور على بروتينات أوبسين المستشعرة للضوء داخل الجلد. لاحظ هؤلاء أن الأوبسينات لا تُركَّب في الخلايا الحاملة للصباغ المتغيرة اللون في أسماك الخنزير، بل ما لاحظوه هو أن هذه البروتينات توجد في خلايا أخرى تقبع تحت الخلايا الحاملة للصباغ.

بيّنت الصور الملتقطة بالمجهر الإلكتروني النافذ وجود نوع من الخلايا الغنية بالأوبسين غير معروف سابقاً أسفل الخلايا الحاملة للصباغ.

اقرأ أيضاً: آلية مناعية جديدة تُكتَشف في الأسماك الرئوية

وفقاً لشوايكيرت، يجب أن يمر الضوء الذي يصطدم بالجلد عبر الخلايا الحاملة للصباغ الغنية بالصباغ أولاً قبل أن يصل إلى الطبقة الحساسة للضوء. تقدّر هي وفريقها أن جزيئات الأوبسين الموجودة في جلد أسماك الخنزير أكثر حساسية للضوء الأزرق. هذا هو الطول الموجي للضوء الذي تمتصه حبيبات الصباغ في جلد هذه الأسماك بالكفاءة الأكبر.

تشبه الأوبسينات الحساسة للضوء في هذه الأسماك لفيفة من الفيلم المستقطِب إلى حد ما، وهي تتحسس التغيّرات في الضوء وتستطيع أن تعبر من خلال الخلايا الغنية بالصباغ عندما تنتشر الحبيبات الصبغية أو تتجمّع معاً.

أسماك يمكنها التقاط صورة لجلدها

قال جونسن في بيان صحفي: “تستطيع هذه الأسماك أن تلتقط صورة لجلدها من الداخل بالمعنى الحرفي للكلمة. توفّر هذه العملية للأسماك معلومات عن جلدها بطريقة ما، وذلك لأنها لا تستطيع الانحناء لتنظر إليه”.

لا يقتصر دور العيون على تحسّس الضوء وتشكيل الصور، لذلك لا يكفي أن نقول إن جلد أسماك الخنزير يعادل عيناً كبيرة.

اقرأ أيضاً: كيف تتكيف أسماك المهرج مع بيئتها عبر التعديل الجيني؟

قالت شوايكيرت في بيان صحفي: “لنكون واضحين، نحن لا نجادل بأن جلد أسماك الخنزير يؤدي وظيفة العين. ليس لدينا أي أدلة تشير إلى أن هذه هي إحدى وظائف جلد أسماك الخنزير. ولكن يبدو أنها قادرة على مشاهدة لونها وهو يتغيّر”.

قد تساعد النتائج الجديدة الباحثين على تطوير تقنيات معتمدة على ردود الفعل الحسية أكثر كفاءة ومخصصة للأجهزة التي تتطلب ضبط الأداء بدقة من دون الحاجة إلى البصر أو التصوير بالكاميرات، مثل الأطراف الروبوتية والسيارات الذاتية القيادة.